بقلم : الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي
كلنا يتغنى بمنظومة الأمن والأمان من خلال قوة الأجهزة الأمنية وفعاليتها وانتشارها ونزاهتها ، ولكن من يعتقد أن هذه المنظومة سوف تتحقق من خلال هذا البنود فقط فهو اكيد جاهلا ولا يعلم شيئا عن مقومات منظومة الأمن والأمان.
قال تعالى ممتناً على قريش: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش:3-4]. وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة .
وإذا نظرنا إلى ارتفاع حالات الانتحار إلى ما يزيد عن 100 حالة سنويا وظهور جرائم القتل ما بين الأصول والفروع أو العكس وما بين المؤجر والمستأجر والدائن والمدين بسبب الأمور المالية ، كما أن التمرد على الدولة من قبل فئات كانت بالماضي راضية ومسالمة بسبب لقمة العيش ، فإن كل هذه مؤشرات تدل على أن الإجراءات وقوة الأجهزة الأمنية لن تجدي نفعا ولن تحقق أمنا.
إن فقدان المواطن البسيط ألثقة بالحكومات ورؤساؤها الذين صاروا فقط عبارة عن بالونات إعلامية جوفاء لا تحقق أي نوع من انواع الأمن الوظيفي أو العدالة الإجتماعية أو الاستقرار الضريبي أو أي مشاريع تنموية مستقبلية حقيقية ، فإن منظومة الأمن والأمان سوف تسقط تدريجيا وبشكل متسارع .
كما أن ظهور رئيس الوزراء على وسائل الإعلام وإعلانه بأن القادم أجمل وعند تكراره لهذه المقولة مرارا وتكرارا بينما لا زالت الأسعار والفوائد البنكية ترتفع بشكل جنوني على المواطن الأردني الذي منذ 15 عاما لم يحصل على زيادة في مدخولاته من الراتب أو من الأعمال الحرة ، فإن هذا الخلل لا يمكن معالجته بتشديد القبضة الأمنية وانتشارها .
ولاذكر اخواننا المتابعين بالشأن المحلي أنه بالآونة الأخيرة صار هناك ارتفاعات في نسب جرائم السطو المسلح على البنوك والمصارف والصيدليات والمحال التجارية من قبل أشخاص ليسوا من ذوي أسبقيات جرمية ، وإنما من قبل شباب عاطل عن العمل غير قادر على تلبية احتياجاته الفردية الخاصة من تدخين ولباس وطعام وشراب شباب فقد الأمل بالوظيفة البسيطة أو بإنشاء أسرة صغيرة وصار يتجه للمخدرات أو السرقات ، فهذه الحالات لا يمكن حلها بتشديد وانتشار وخبرة الأجهزة الأمنية.
عندما يشعر المواطن الأردني أن السجون صارت ملاذات أمنة له أكثر من منزله مع أنها مكتظة ومزدحمة وما عادت قادرة على استقبال نزلاء جدد ، وصارت العقوبات على المواطنين الأردنيين مادية مالية ومتراكمة وعلى نظام الفوائد البنكية، فإن منظومة الأمن والأمان سوف تسقط حتما بسبب خروج المواطن من طور العقلانية إلى أطوار الجنون والإنفصام بالشخصية وارتكابه للجرائم المالية والجسدية .
حكومات الأردن صارت بالآونة الأخيرة عبئا على الأجهزة الأمنية ومكلفة على الموازنات المالية وعلى النظام الحاكم الذي اختار مثل هكذا حكومات فاشلة لم تحقق أي انجازات سوى الكذب والدجل والخداع .
ولنتعمق أكثر في حكومة الدكتور بشر الخصاونة التي لم تحقق أي إنجاز بسيط تشكر عليه من قبل المواطن البسيط أو من قبل المستثمر المحلي أو الأجنبي ولا حتى من قبل النخب السياسية التي كانت بالماضي في مواقع المسؤولية والتي صارت ترى في حكومته وإجراءاتها صور لمراهقات وهرطقات سياسية ينتج عنها قرارات تؤذي البشر والشجر والحجر .
حكومة الخصاونة التي لم يبق لها رصيد وطني بسبب فشلها بالتعامل مع الأزمات الداخلية سواء كان ما بين أعضائها وعدم تجانسهم ( استبعاد وزيران بسبب أنهما جلسا بمطعم مع عدد من الأشخاص لا يتجاوز العشرة في حين أن رئيس الوزراء يحضر وليمة يحضرها مئات المدعوين في زمن الكورونا)( أو إشاعة تعدي أحد وزراء الحكومة على رئيسها بالضرب ) إلى عدم قدرتها على التعامل مع الأزمات المحلية من الكوارث التي حصلت في مستشفى السلط وميناء العقبة ونتج عنها عدد كبير من الضحايا وبنفس الوقت اختفاء رئيسها لحظة وقوع الأزمة بحجة اصابته بكورونا تارة وكسر يده تارة ثانية وسفره بإجازة خاصة تارة ثالثة ، ولا ننسى أيضا الأخطاء الطبية والإدارية والتعيينات الجونية وتردي الخدمة الصحية وفشل الحكومة الإلكترونية وعدم ملاحقة الحيتان الفاسدين الذين استطاعوا الهرب بالملايين من مشاريع وهمية نصبت واحتالت فيها على المواطنين وكثرة المظاهرات والاحتجاجات من موظفين شركة الفوسفات والمتقاعدين العسكريين الذي صاروا يخرجون ولأول مرة بمظاهرات إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم التي صارت تغتصب وتنتهك من قبل نفس الحكومة واعضائها.
حقيقة أن جلالة الملك حفظه الله ما عاد يتحمل أخطاء هذه الحكومة ولا يتحمل نتائج فقدان الثقة الكبير فيها ، على الرغم من انشغالاته بالسياسات الخارجية الملتهبة والمتفاقمة مع دول الجوار التي تحاول أن تجعل الأرض الأردنية مرتعا للمخدرات ومكانا للفتن الطائفية ، أو مع الحروب المستجدة ما بين الدول المصدرة للطاقة والغذاء ، أو مع الحكومات الصهيونية التي تحاول القضاء على تاريخ ووجود القضية الفلسطينية وإلغائها .
لقد لاحظنا كلنا أنه في عهد هذه الحكومة صار جلالة الملك يعهد بكثير من الإجراءات والسياسات إلى رئيس الديوان الملكي العامر وفريقه الذي نجح في المبادرات الملكية التي تعمل على مساعدة المواطنين ، والذي نجح أيضا بالتفاعلات الإجتماعية مع كل المواطنين وعلى اختلاف مستوياتهم بحيث صار الديوان الملكي يغطى ويستر على عيوب ومساوئ وأخطاء هذه الحكومة الفاشلة .
وأخيرا وليس أخرا يحق لنا أن نتسائل نحن كمواطنين غيورين على هذا الوطن !! ألا يوجد لدينا نخب اقتصادية ناجحة في إدارة الدولة وحكوماتها ، نخب كان لها تجارب وخبرات ونجاحات في سيرتها الوظيفية وبنفس الوقت كانت نظيفة اليد ومحل ثقة للمواطن والوطن .
شخصيات إدارة شركات كبرى كانت قد أوشكت على الفشل ثم نجحت بوجودهم وربحت وزادت ثقة الزبائن فيها ورفدت الحكومة والشعب بخدماتها ، شخصيات نجحت بمجلس البرلمان ومجلس الأعيان وبوظائف الحكومة وبمحبة الشعب لها .
إن قوة وعدالة مؤسسات تنفيذ القانون لن تجدي نفعا ولن تحقق إنجازات مهما كانت قوتها وعدالتها مع البطن الجائع والمظلوم المقهور في وظيفته ورزقه وصحته وتعليمه ، لأن أصعب قضية يمكن أن تواجه رجل أمن هي التعامل مع شخص يرى في الانتحار والموت خلاصا له وحلا لمشكلاته .