د. موسى شتيوي
لا شك أن مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده يشكل اختراقًا أمنيًا استراتيجيًا للأمن الإيراني. بالرغم من عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن مقتل زاده إلا أن هناك قناعة بأن إسرائيل وبدعم من إدارة ترامب هي من نفذتها والتي تأتي ضمن سياسة التصعيد التي انتهجتها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران في ظرف إقليمي ودولي بالغ الحساسية خاصة مع قرب مغادرة ترامب البيت الأبيض.
اغتيال العالم الايراني حقق ثلاثة اهداف متداخلة تهدف لإضعاف القوة الايرانية النووية ونفوذها الاقليمي وهي إبطاء العمل والتقدم في البرنامج النووي الايراني وزيادة حده الصراع الداخلي بين التيار المتشدد والمعتدل ووضع عراقيل امام مهمة الرئيس الاميركي جو بايدن.
إيران أكدت أنها سوف ترد على مقتل زاده في الوقت والمكان المناسبين وبالرغم من وجود عدة خيارات أمام إيران إلا أنها محفوفة بالمخاطر خاصة في هذا الوقت الحساس، لاسيما وأن هناك ضغوطات داخلية كبيرة على الحكومة للقيام برد ما والانتقام من الفاعل.
الخيار الأول مبني على اتهام إيران لإسرائيل بالقيام بعملية القتل وهو توجيه ضربة مُباشرة وإن كانت محدودة لإسرائيل من خلال ضرب مواقع عسكرية إسرائيلية، هذا الخيار قد يلقى دعمًا واستحسانًا من التيار المتشدد في إيران ولكنه قد يتسبب بمواجهة عسكرية كاملة ومُباشرة مع إسرائيل وبالتالي أميركا، والذي قد يشكل فرصة للبلدين بتدمير المنشآت النووية الإيرانية وبالتالي تكون إيران قد وفرت فرصة ذهبية للولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق أهدافها المعلنة في وقف البرنامج النووي الإيراني وبالتالي يصبح هذا الخيار مستبعدًا لمخاطره الشديدة على الاهداف الاستراتيجية الايرانية.
أما الخيار الثاني فقد يكون من خلال توجيه ضربات عسكرية محدودة من خلال وكلاء إيران في المنطقة، بالرغم من ان هذا الخيار اقل كلفة على ايران ويجب عدم استبعاده ولكنه لن يكون مقنعًا للتيار المتشدد حيث ان عملية مقتل زاده حصلت على الأراضي الإيرانية، كما أنه قد تكون هناك صعوبة في إقناع وكلائها بهذا الخيار خوفًا من التداعيات عليهم وعلى دولهم وصعوبة تسويق ذلك داخليًا.
الخيار الثالث هو الرد بنفس الأسلوب الذي استخدمته إسرائيل من خلال استهداف بعض الشخصيات أو المسؤولين الإسرائيليين أو من خلال عمليات استخباراتية محددة ضد أهداف داخل إسرائيل أو خارجها وهو خيار ليس مستبعدا سواء كان وحده او متزامنا مع خيارات اخرى.
الخيار الأخير هو عدم الرد أو ما يسميه البعض بالصبر الاستراتيجي والتبرير لذلك هو عدم استفزاز الرئيس ترامب واعطائه فرصة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران قبل مغادرته البيت الابيض والانتظار لتسلم بايدن الرئاسة والعودة للعمل بالاتفاق النووي السابق الذي أبرم على زمن أوباما.
هذا الخيار ينطوي على مجازفة أيضًا لأن بايدن لن يعود للاتفاق النووي بدون شروط. العودة للاتفاق النووي لن يكون دون مفاوضات وخاصه على برنامج الصواريخ البالستية وهو مطلب اوروبي والدور الإقليمي لإيران وهو مطلب اقليمي.
لا شك أن الاختراق الأمني بمقتل زاده قد أضر بسمعة إيران داخليًا وخارجيًا. حساسية توقيت فترة اغتيال العالم النووي الإيراني تضيق الخيارات أمام إيران ومهما كان الخيار الذي تختاره فلن تستطيع إيران استعادة الثقة داخليًا وتحقيق مكاسب إضافية.
الشيء الأكيد أن العديد من الدول العالمية والإقليمية تريد كبح جماح الطموح النووي الإيراني وتحجيم دورها الإقليمي وتدخلها في دول الجوار. الخطوة التالية ضد ايران سوف تعتمد على طبيعة الرد الايراني ولكن المفاجأة ما تزال ممكنة.