سياسة القبول الجامعي بين العدالة الدستورية والظلم الاقطاعي من العصور الوسطى

15 يوليو 2022
سياسة القبول الجامعي بين العدالة الدستورية والظلم الاقطاعي من العصور الوسطى

د. مصطفى التل

اقترب القبول الجامعي باقتراب نتائج الثانوية العامة لهذا العام , وبدأت مجموعة قطاعات منغلقة على نفسها داخل الدولة الاردنية بإعلان بعثات لأبناء العاملين فيها حصرا , وبدء تلقي الطلبات التي تؤهل ابناء العاملين فيها للابتعاث بعد صدور نتائج الثانوية العامة .

المادة السادسة من الدستور الفقرة الأولى منها تنص على (الأردنيون أمام القانون سواء في الحقوق والواجبات وان اختلفوا في العرق واللغة والدين) , بينما الفقرة الثالثة منه تنص على ( تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود امكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الاردنيين ) .

بينما المادة 26 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الفقرة الاولى منها تنص على : (لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.)

بهذه الاستثناءات التي أصبحت قاعدة عامة في سياسة القبول الموحد , تخالف وزارة التربية والتعليم العالي , ومجلس التعليم العالي , ووحدة القبول المنسق , المبدأ الدستوري في المساواة بين المواطنين الاردنيين على اختلاف مهنهم وعملهم وأديانهم وأعراقهم , وتخرق الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي انضم اليه الاردن كعضو فعّال فيه .

المواطن الأردني بدوره , يشعر بعدم عدالة سياسة القبول الموحد في الأردن , فقاعدة الاستثناءات أصبح هي القاعدة العامة في هذه السياسة , وقاعدة التنافس الحر هو الاستثناء فيها , اذ لا يعقل أن يكون الاستثناء هو القاعدة العامة , والقاعدة العامة هي الاستثناء .

“الاستثناء في القبول التنافسي أصبح القاعدة وليس الاستثناء، ويعد ذلك عملا تمييزيا ويتنافي ومبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي يكرسه كل من القانون الدولي والدستور الأردني ” يقرر المركز الأردني لحقوق الانسان هذا الخرق للمبدأ الدستوري وللاعلان العالمي لحقوق الانسان , في تقرير خاص له صدر عام
2012 تحت عنوان ““حق التعليم في الأردن لعام 2012″.

* الاستثاءات في القبول الجامعي ومجاميعها :

الاستثناءات في القبول الجامعي تنقسم بالعموم الى أربعة مجموعات :

المجموعة الأولى : ما يسمى ببرنامج الموازي , يستحوذ هذا الاستثناء على ما نسبته 25% , وهذا الاستثناء وضع للطلبة أصحاب الدخل الاقتصادي المرتفع , على حساب الطالب الفقير , والذي حقيقة أرهق الأسر الأردنية الفقيرة كثيرا , بحكم أن هذه الأسر لا تستطيع أن تتقبل فكرة هذا النظام الاقطاعي الذي يقتطع مقاعد أبناءها الفقراء لصالح الأغنياء , وبمعدلات أقل بكثير من الحاصلين عليه أبناءها .

المجموعة الثانية : وتشمل على مكرمة القوات المسلحة , أوائل المحافظات , أوائل المدارس , مكرمة المعلمين , مكرمة أبناء الشهداء , أصحاب الاعاقة , مكرمة المخيمات , هذه المجموعة تستحوذ على ما يفارب من 40% من المقبولين بالجامعات .

المجموعة الثالثة : تضم ما يسمى التفوق الرياضي والفني , أبناء الدبلوماسيين , والطلبة المغتربين ولهم 5% , والطلبة الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة للأعوام السابقة ويخصص لهم 5% , وأبناء العاملين في الجامعات ويخصص لهم 2% , وابناء الهيئة التدريسية في الجامعات .

المجموعة الرابعة : وتضم المكرمة الملكية لأبناء العشائر في البادية الاردنية , والمدارس ذات الظروف الخاصة – الاقل حظا- , وتخصص لها 10% .

بلغت نسبة هذه الاستثناءات من العدد الكلي لمقاعد الجامعات الأردنية ما يزيد عن 51 % بالمعدل العام ان تم احتساب نسبة ابناء العاملين والهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية و ولكن هل هذه هي النسبة الحقيقية ؟!

المفاجأة هي الزيادة على الاستثناءات السابقة ما تسمى بالاستثناءات التي تمنح للطلبة بحكم صلة القربى: (أبناء وأحفاد أعضاء مجالس التعليم العالي ومجالس أمناء الجامعات)، بحيث نصت على أنه “يقبل في واحدة من الجامعات الأردنية أحد أبناء أعضاء مجلس التعليم العالي العاملين، أو السابقين، وحفيد واحد من الدرجة الأولى”.
كما نصت هذه الأسس على أنه “يقبل في الجامعة أحد أبناء أعضاء مجالس أمنائها العاملين، أو السابقين، أو أحد أحفادهم من الدرجة الأولى”.

وهذه الاستثناءات أقرب الى طي الكتمان من الاشهار العام , ولا يتم نشرها بشفافية تامة .

يضاف الى كل هذه الاستثناءات ما أجازته الاسس للجامعة الرسمية قبول طلبة غير أردنيين في البرامج الموازية والدولية، استثناء من شرط المعدل في برامج البكالوريوس، بنسبة لا تزيد على 10 % من مجموع عدد الطلبة المقبولين، في البرامج العادية لكل تخصص، وبحد أعلى 10 علامات أقل من الحد المسموح به لمعدلات القبول، شريطة التقيد بفروع الشهادة الثانوية العامة، التي تحدد الالتحاق في كل كلية/ تخصص، مع التأكيد على انه لا يجوز منح اي طالب اردني، يحمل جنسية اخرى، استثناء من شرط المعدل، للتسجيل في التخصصات المطروحة بالجامعات.

“أن الاستثناء على القبول التنافسي وصل لما يزيد على 62 %” حسب ما توصل له المركز الوطني لحقوق الانسان في اصدار تقريره الخاص بالتعليم في الأردن لعام 2012.

اذن بالمحصلة هناك 62% من المقاعد الجامعية , يتم اقتطاعها عنوة لصالح من لا يستحق من طلبة هذا الوطن , وحرمان أصحاب الحق الشرعي من هذه المقاعد .

* بعض من تفصيل هذه الاستثناءات :

شملت قائمة المستفيدين من الاستثناءات كمثال لا حصرا : أعضاء مجلس التعليم العالي العاملين او السابقين وأعضاء مجالس أمنائها العاملين او السابقين وأعضاء هيئة التدريس العاملين والسابقين والعاملين في الجامعات من غير أعضاء هيئة التدريس والدبلوماسيين الاردنيين العاملين في السفارات الاردنية في الخارج.

والضباط الذين يخدمون خارج المملكة في دورات عسكرية لمدة عام والعاملين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وصندوق دعم البحث .العلمي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وأبناء المتقاعدين منهم ,واشترطت الاسس ان الا تزيد نسبة الطلبة المقبولين في أبناء أعضاء مجلس التعليم العالي وأعضاء مجالس الامناء وأبناء أعضاء هيئة التدريس وأبناء العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس والطلبة المقبولين في التفوق الرياضي .والفني والموسيقي عن 15 %من مجموع المقبولين في البرامج العادية وبحسب الاسس.

ووفقا للبند الثالث منها في الفقرة (هـ): “يقبل في واحدة من الجامعات الاردنية احد أبناء أعضاء .مجلس التعليم العالي العاملين او السابقين وحفيد واحد من الدرجة الأولى” .و “يقبل في الجامعة احد أبناء أعضاء مجالس أمنائها العاملين او السابقين او احد أحفادهم من الدرجة الأولى ويقبل في الجامعة أبناء أعضاء هيئة التدريس العاملين فيها وأبناء أعضاء هيئة التدريس السابقين الذين امضوا عشر سنوات على الأقل في خدمة الجامعة، باستثناء الذين استغني عن خدماتهم او فقدوا وظائفهم او عزلوا من الخدمة “

و “يقبل كذلك أبناء أعضاء هيئة التدريس الذين انتهت خدماتهم بسبب المرض او بلوغهم السن القانونية او الوفاة “

وفي الفقرة (ي) خصصت الأسس عددًا من المقاعد في كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة لأبناء أعضاء هيئة التدريس العاملين في الجامعات الأردنية الرسمية التي لا تتوافر فيها تلك التخصصات.

وبحسب الأسس: يُخصص خمسة مقاعد طب لكل من أبناء أعضاء هيئة التدريس في جامعة ال البيت والبلقاء التطبيقية والحسين بن طلال والطفيلة التقنية والألمانية – الأردنية، وسبعة مقاعد طب أسنان لكل من أبناء أعضاء هيئة التدريس في جامعات مؤتة والهاشمية وال البيت والبلقاء التطبيقية والحسين بن طلال والطفيلة التقنية .والألمانية- الأردنية بالاضافة الى (16 )مقعد صيدلة بواقع (5 )لأبناء أعضاء هيئة التدريس في مؤتة ومقعدان للهاشمية ومثلها لآل البيت وثلاثة مقاعد للبلقاء التطبيقية ومقعدين للحسين بن طلال ومقعد للطفيلة التقنية ومثله للألمانية- الأردنية .

وتخصيص سبعة مقاعد في تخصص دكتور صيدلة، منها اثنان لأعضاء هيئة التدريس في مؤتة وواحد للهاشمية وأخر لجامعة ال البيت واثنان للبلقاء التطبيقية وواحد لجامعة الحسين بن طلال, ومثله في الطفيلة التقنية وكذلك واحد للألمانية – الأردنية .

ويخصص (40 ) مقعد في تخصصات الهندسة منها : أربعة مقاعد لأعضاء هيئة التدريس في مؤتة و(10 ) مقاعد لجامعة ال البيت وستة مقاعد في البلقاء التطبيقية وعشرة مقاعد في الحسين بن طلال ومثلها للطفيلة التقنية.

بينما الفقرة (و) تنص على : “يخصص ما لا يزيد على (2% ) من اعداد الطلبة المقبولين في الجامعة سنويا لأبناء العاملين فيها من غير أعضاء هيئة التدريس وأبناء العاملين الذين امضوا عشر سنوات على الأقل في خدمة الجامعة باستثناء الذين استغني عن خدماتهم او فقدوا وظائفهم او عزلوا من الخدمة , ويقبل كذلك أبناء أعضاء هيئة التدريس الذين انتهت خدماتهم بسبب المرض او بلوغهم السن القانونية او الوفاة، وتحدد كل جامعة أسس قبول هؤلاء الطلبة فيها ” .

وفي البند السابع : خصصت الأسس أربعين مقعدا بواقع أربعة مقاعد في كل جامعة رسمية لأبناء العاملين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والعاملين في صندوق دعم البحث العلمي والعاملين في هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وأبناء المتقاعدين منهم ومنحت الأسس رؤساء الجامعات صلاحيات قبول أبناء الدبلوماسيين الأردنيين العاملين في السفارات الأردنية في الخارج، وأبناء الضباط الذين يخدمون خارج المملكة في دورات عسكرية لمدة عام وأكثر الذين يكملون شهادة الدراسة الثانوية العامة , او اما يعادلها في مراكز عمل أباءهم شريطة اجتيازهم الحد الأدنى لمعدلات القبول في .التخصصات التي يرغبون الالتحاق بها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة بكل حالة.

* بعض القطاعات في الدولة تقاتل على هذه المكاسب:

المكاسب أصبحت مغرية جدا لبعض القطاعات , مما اوجد حالة من تشويه الواقع , وصلت الى درجة بدء هذه القطاعات بالانغلاق على نفسها , وبدء عملية فصل سيامي عن المجتمع الأردني المحيط , وما يتمتع به ابناء هذا المجتمع من كفاءة علمية وعملية , مما ينذر ببدء عملية الانهيار الحِرفي والعلمي والعملي لهذه القطاعات المختلفة .

البعض من هذه القطاعات ومنتسبيها , اصبحوا يثورون كالبركان ان تم المساس بهذه المكتسبات المغرية حتى لو مجرد كلمات نقاشية عمومية , واصبحوا ينظرون الى باقي الافراد في المجتمع الأردني من برج عاج , وكأنهم أصبحوا طبقة برجوازية , يستحقون كل الميزات والمكاسب , وغيرهم لم يخلق إلا لخدمتهم فقط, ولا يستحقون أي ميزة تعليمية أو وظيفية .

هكذا أصبحت هذه الاستثناءات الجامعية ونتائجها الكارثية على المجتمع , فبدلاً من أن تكون رافعة للوطن أصبحت وبالاً على هذا الوطن .

على سبيل المثال لا الحصر , جهاز الامن العام أصبح منغلقا على أبناءه وعامليه , والجيش العربي أصبح منغلقا كذلك على ابناءه وعامليه , ويلحق به العاملين في الجامعات , وجميع المستفيدين من هذه المكاسب .

قبل أيام قرأت اعلان من جهاز الامن العام عن توفر منح دراسية في دول الخارج , محصور فقط بأبناء العاملين في الجهاز , بعد التخرج , يتم تعيين الفرد المتخرج برتبة ملازم ثان في الجهاز .

وقبلها بأيام أيضا , نفس الاعلان , ولكنه اقتصر على العاملين بالقوات المسلحة الجيش العربي , ونفس الشروط .

ومختلف القطاعات أصبحت منغلقة على نفسها , وعلى أبناءها , ولا يهمها أي اعتبار مجتمعي الا مكاسبها التي تعتبرها من صميم وجودها .

نتائج هذا التوجه، سيكون ما تم تقريره تاريخيا، والتاريخ لا يظلم أحدا، انغلاق أي مجموعة على نفسها، سيؤدي الى انهيارها حتما، وسقوطها في بئر عميق عنوانه (عدم الكفاءة) , وهذا ما قرره التاريخ كقاعدة تاريخية عامة .

على كل حال، هذه المكاسب أصبحت عنوان التحرك المختلف للقطاعات , فكل قطاع أصبح يريد استثناءات خاصة به للقبول الجامعي وما تستلزمه من مستلزمات , وأصبح هذا العنوان هو العنوان الأبرز في النقابات المهنية وغيرها من تحركات مختلفة لمختلف القطاعات , بحجة المساوة مع القطاع الفلاني والعلاني .

الأدهى والأمر , أن هذا العبء الاضافي أصبح عاملاً ضاغطاً على اداء المجتمع الأردني برمته , فالطبيب لا يرى الا استثناء لأبنائه مساواة بأبناء الأمن العام أو الجيش العربي , والمعلم لا يرى ابنه إلا استثناءا مساواة بالمدرس الجامعي , والعاملين في الجامعات لا يرون الجامعة وخدمتها إلا فرصة لاستثناء ابنائهم مساواة بمجلس التعليم العالي .

مصالح تم تعطليها في الدولة , وتطوير اداري ومهني تم ايقافه في سبيل هذا الاستثناءات , أُسقطت حكومات أردنية , واغلقت شوارع , ممتلكات عامة تم تدميرها قُدّرت بملايين الدنانير نتيجة هذه الاستثناءات .

العنوان واحد : ( أين يذهب الفقير غير المسنود من أي قطاع من هذه القطاعات ) , هل الجندي مخلص للوطن والعامل خائن ..؟ حال لسان الأغلب من العمال الاردنيين الذين ينظرون الى ابناءهم.

هل خُلقت الجامعات والتخصصات المتميّزة لأبناء مجلس التعليم العالي حصراً، ام هي تركة أبيهم يتقاسمونها كيفما شاءوا، لسان المعلمين في المملكة عندما ينظرون الى ابناءهم , مقارنة بغيرهم .

هل ابن العامل غير مؤهل للابتعاث مع ابناء القوات المسلحة للبعثات الخارجية التي تؤهلهم لأن يعودوا ضباطاً للوطن , أم انها فقط مقتصرة على أبناء هذه الاجهزة حصرا ؟ لسان حال عامل النظافة عندما ينظر الى ابنه الذي لا زال يعاني من ضيق ذات اليد في توفير مستلزمات دراسته للثانوية العامة.

* ما هو الحل ؟!

حقيقة نحن لسنا ضد التكريم , ولا ضد تقوية الضعيف من فئات المجتمع , ولا ضد تكريم ابناء هذا الوطن , ولكن ان تجاوز هذا التكريم على عدالة المجتمع وابناءه اصبح معول هدم بالمجتمع لا معول بناء .

الحل هو أن يدخل الجميع الى الجامعات ضمن تنافس حر , غير قابل للأي تخصيص أو استثناء إلا بحدود ضيقة جدا وبقواعد مدروسة وصارمة , وبعد القبول الموحد الحر , وأخذ كل طالب حقه , واعطاء الحقوق لأهلها الشرعيين من طلبتنا , يتم النظر فيمن يراد تكريمه , فيتم تكريمه داخل الجامعة مكرمة أو غيره , بمقعده الجامعي الذي استحقه عن تنافس حر مع بقية ابناء المجتمع .

هذه هي العدالة ان اردناها حقيقة …..اكتفي الى هنا …ونلتقي في القادم ان بقي في العمر بقية …