هل ينجو الشرق الأوسط من كوارث بيئية قادمة؟

1 يونيو 2022
هل ينجو الشرق الأوسط من كوارث بيئية قادمة؟

وطنا اليوم:نشرت مجلة “ناشونال إنترست” تقريرا، أشارت فيه إلى التحديات المناخية التي ستواجه منطقة الشرق الأوسط.
واستشهدت المجلة بتقرير أخير لصندوق النقد الدولي، أشار إلى ارتفاع مستوى درجة الحرارة بالمنطقة منذ عام 1990، بمعدل 1.5 درجة مئوية (2.5 فهرنهايت)، أي ضعف المعدل العالمي. كما أن دول الشرق الأوسط ووسط آسيا عرضة لـ “أحداث حرارة مرتفعة جدا”.
وعادة ما تقترن موجات الحرارة العالية بتداعيات اقتصادية واجتماعية على المنطقة. ففي عام 2019، مثلا، رفعت الأمم المتحدة درجة التحذير من ما أسمته عصر “الفصل العنصري المناخي”، وعنت به أن طول أمد الموجات الحرارية سيهدد ما تم تحقيقه من تطور وتنمية وإنجازات في مجال الصحة العالمية وتخفيض مستويات الفقر للملايين “في نصف القرن الماضي”.
وسيترك الواقع الجديد تأثيراته، وبشكل محدد على الشرق الأوسط الذي يكافح لمواجهة نقص التيار الكهربائي والتباين الاقتصادي والضرر على البشر بسبب موجات الحرارة الطويلة، والتي تحدث بشكل كثيف، وبدرجات عالية خارج المألوف. وستترك هذه الآلام أثرها على المنطقة، كما يقول تقرير صندوق النقد الدولي، الذي يشير إلى أنه “حتى في سيناريو معتدل للانبعاث (4.5 من مستوى التمثيل المركز) والذي يحدد درجات الاحتراز الحراري العالمي بـ2.3 درجة مئوية حتى نهاية القرن الحالي، أي عام 2100، ما يعني إن كلفة الوفيات (أي ثمن الوفيات والتكيف للمجتمع) قد يصل إلى معدل 1.6 بالمئة من الناتج المحلي العام في الفترة ما بين 2040 – 2059”.
لكن الوضع سيكون أكثر قتامة للدول التي تعاني من درجات حرارة مرتفعة، مثل قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وجيبوتي وموريتانيا. ويقول تقرير صندوق النقد الدولي إن هذه الدول قد تواجه تراجعا مباشرا في النمو الاقتصادي بنقطتين بالنسبة للفرد الواحد مقابل زيادة في درجات الحرارة بنقطة واحدة. وبالطبع فالمشكلة ليست متعلقة بدرجات الحرارة فقط، ولكن انخفاض معدلات هطول الأمطار التي ستفاقم من تحديات المنطقة.

وبالتأكيد فتراجع معدلات هطول الأمطار سيزيد من أزمة المياه في الشرق الأوسط، التي تعدّ من أسوأ الأزمات في العالم؛ نظرا للتصحر وسنوات من سوء إدارة الحكومات لمصادر المياه والزراعة وتربية الحيوانات، التي اعتمدت على مياه مدعمة من الحكومات. ومن هنا فالتكيف للطوارئ المناخية القادمة سيزيد من الأعباء على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منطقة تستخدم أربعة أضعاف من مصادر المياه الصحية المتوفرة، وفيها 12 من 17 دولة تعاني من نقص حاد بالمياه في العالم.
وفي واقع الأمر، فدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر عرضة لمشاكل هطول الأمطار، وبالمعدل، فهذه الدول تأخذ أكثر من نصف احتياجاتها من مصادر المياه المتجددة (الأنهار) من مصادر خارج حدودها، ويحذر صندوق النقد الدولي من أن هذا الاعتماد الخارجي “سيضخم من النزاعات الإقليمية حول المياه، ويزيد من تدفق اللاجئين”، وهذا ليس افتراضا أو نظرية، بل سيكون واقعا.

وبالتأكيد، فقد رأينا كيف هددت مصر باستخدام الخيار العسكري لوقف إثيوبيا عن المضي في مشروع السد العظيم لتوليد الطاقة الكهربائية على منبع النيل، الذي يزود مصر بـ97% من احتياجاتها المائية المتجددة. كما أن النزاعات “المائية- السياسية” زادت بين الدول مثل “إسرائيل وفلسطين”، وإيران وأفغانستان وسوريا، العراق وتركيا، وكذا الهند وباكستان.
واستخدمت الدول واللاعبون من غير الدول المياه وبناها التحتية كسلاح في الحرب الأهلية السورية وحرب العراق والحرب في اليمن. وبالإضافة إلى هذا، فزيادة الجفاف والتصحر وارتفاع معدلات الحرارة، قد تزيد من مخاطر اندلاع انتفاضات عنيفة وعمليات انتقامية، كما لاحظنا في مناسبات مزلزلة مثل الربيع العربي عام 2010، والحرب الأهلية السورية عام 2011، والاحتجاجات التي ضربت إيران عام 2021، ومع أن المياه لم تكن المحفز الرئيسي لعدم الاستقرار والحرب، لكنها أصبحت وبشكل متزايد جزءا من النزاع والتنافس في هذه المنطقة الجافة.
وعندما يتم تحليل هذه التوجهات إلى جانب النمو السكاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمتوقع تضاعفه بحلول عام 2050، فمن الصعب التقليل من أهمية هذا الوضع الخطير.

واليوم لا تستطيع نسبة 60% من سكان المنطقة الحصول على المياه الصالحة للشرب. وبحسب تقرير لصندوق الطفولة العالمي التابع للأمم المتحدة، فهناك حوالي تسعة من عشرة أطفال يعانون من تداعيات صحية وفقر تغذية؛ لأنهم يعيشون بمناطق تعاني من نقص حاد في المياه. وفي سيناريو يتم التعامل فيه مع الوضع كشأن عادي، فسنرى موجات من المهاجرين واللاجئين الذي يتدفقون من المنطقة، ما سيؤثر على استقرار المنطقة والمنظور الاقتصادي.
وسيكون هذا واضحا بعد كوارث بيئية مثل الفيضانات ومواسم الجفاف. وفي الحقيقة، حسب تقرير صندوق النقد الدولي، فقد أدت الكوارث المناخية وكل عام منذ 2000 إلى مقتل أكثر من ألفين و600 شخص، وأثرت على 7 ملايين آخرين، وكلفت 2 مليار دولار في دمار مباشر، ما أدى لتخفيض النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط ووسط آسيا بنسبة 1-2% بالنسبة للفرد.
وفي ظل زيادة معدلات الحرارة، وتقلب في مواسم الأمطار، وارتفاع مستوى البحر، سيجعل من هذه الكوارث أسوأ، وتحدث بشكل منتظم.
وتشير التوقعات إلى أن مناطق واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن تكون صالحة للعيش مع نهاية القرن الحالي. وتقول المجلة إن مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر تقدم رؤية عن مستقبل المنطقة. ويعيش فيها 5 ملايين نسمة، وفيها 40% من قدرات مصر الصناعية، وهي محاطة بالبحر من 3 جهات، وكما نشرت وكالة أنباء أسوسيتدبرس في عام 2019، تهدد مياه المد والجزر الأحياء الفقيرة فيها، وتعمل على تآكل سواحلها التي يرتادها السياح.
وقال المسؤولون المصريون إن مستويات البحر ترتفع الآن بمعدل 3.2 مترا كل عام، أي بسرعة 52% عما كانت عليه في عام 2012، و77% عام 1993. وحذرت لجنة مشتركة للأمم المتحدة للتغيرات المناخية من أن البحار حول العالم قد ترتفع بمعدل ثلاث مرات عام 2100. ولو تحققت هذه التوقعات فلن تعاني الإسكندرية وحدها، كما كتب جيفري كيمب عام 2018، بل و60% من دلتا النيل، حيث يعيش ربع سكان مصر، وستصبح مناطق غير صالحة للزراعة وغارقة بالمياه المالحة وبنسبة 20% مغطاة بالكامل بمياه البحر.
وذكرت وكالة أنباء رويترز أن الفيضان في دلتا النيل التي تعتبر سلة غذاء مصر سيؤدي إلى خفض إنتاج القمح والأرز بمعدل 11% و15% بحلول عام 2050. ولا يوجد ما يمكن أن تفعله الحكومة المصرية سوى البحث عن طرق لتخفيف المشكلة، وبناء عوازل مادية لمنع ارتفاع مستوى البحر.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه التحديات التي تواجه مصر استثنائية، إلا أن الظروف التي ستواجه القاهرة والحلول الواجب عليها تبنيها ليست استثنائية. ومن هنا يجب على الحكومات الإقليمية والمجتمع الدولي الاستثمار وبقوة في استراتيجيات التخفيف والتكيف، وحماية ملايين السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذين يعيشون بمستويات متدنية على شاطئ البحر، من أسوأ آثار الكوارث المناخية.
وتعترف الحكومة المصرية بهذا، وفي عام 2020 كانت مصر أول دول في الشرق الأوسط تصدر سندات سيادية خضراء لتحفيز الاستثمار في المشاريع البيئية الجوهرية. وفي الوقت الذي ستكون فيه إصلاحات التخفيف والتكيف مكلفة، إلا أن عملية التحول يمكن تسويقها كفرصة اقتصادية للمنطقة، وربما ستكون هي أفضل فرصة؛ لأن ثمن التقاعس سيكون أعلى.