وطنا اليوم – رصد : نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” تقريرا حصريا قالت فيه إن عميدا في مخابرات النظام السوري متهما بجرائم حرب ساعده الموساد الإسرائيلي على الهروب وبدء حياة جديدة في أوروبا.
وفي تقرير أعده كل من كامبل ماكديارميد وهنري صموئيل وبلاز سيسكو وجاستن هاغلر، قالوا إن خالد الحلبي تسلل إلى النمسا بمساعدة من الموساد.
وهرب الحلبي من الرقة عبر تركيا إلى أوروبا ووصل فرنسا التي رفضت منحه اللجوء السياسي بسبب مخاوفها من علاقته بجرائم حقوق الإنسان، إلا أن الموساد أخرجه من هناك إلى النمسا حيث بدأ حياة جديدة.
وكان العميد الحلبي مدير المخابرات السورية في الرقة في الفترة ما بين 2009 – 2013 ويواجه دعاوى قضائية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية حسبما كشف تحقيق لديلي تلغراف.
وهو متهم أثناء عمله في الرقة بتعذيب السجناء وقتلهم وانتهاكهم جنسيا كما تكشف دعوى في دولة غربية أُرسلت لمحققين في باريس. وينفي الحلبي أنه ارتكب كل هذا.
ورغم سجله في انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن دائرة المخابرات الفرنسية ساعدته في الخروج من سوريا والسفر إلى فرنسا عام 2014، في وقت كان يعاني فيه النظام السوري من مواجهة مصيرية مع المعارضة التي تطالب برحيل بشار الأسد.
وفي البداية لم يُمنح الحلبي اللجوء السياسي في فرنسا بسبب مظاهر القلق من علاقته بجرائم حرب تبعا لمنصبه البارز في النظام السوري. وهو ما قاد وحدة جرائم الحرب الفرنسية للبدء في تحقيق أولي في 2017. ورغم كل هذا اختفى في ظروف غامضة من فرنسا ونقله عملاء الموساد إلى النمسا حيث حصل على اللجوء السياسي حسب مصدر قضائي والإعلام النمساوي.
وتشير الصحيفة إلى أن الجهات التي شاركت بمنحه اللجوء تعتقد أن الحلبي يمكنه لعب دور مهم في مستقبل سوريا. وبحسب مصدر قضائي فرنسي قال: “من الواضح أنه سمكة كبيرة” و”نريد التحقيق معه بشأن كل الشهادات التي جمعناها وهو أمر مثير للإحباط لأنه هدف كبير”.
وأصبح الحلبي موضوعا للجدل في النمسا خلال الأسابيع القليلة الماضية حول طريقة حصوله على اللجوء السياسي وتهريبه من فرنسا. وهو ما يشير إلى معركة بين المخابرات القوية في النمسا والجهاز القضائي.
وعندما انشق الحلبي في 2013 كانت هناك شكوك تدور حول بقاء نظام الأسد. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، كانت الرقة أول محافظة تسقط في يد المعارضة، وتسلل الحلبي مع حشد من اللاجئين الذين فروا من المدينة باتجاه تركيا. ووصل إلى فرنسا بحلول 2014 حيث ساعده عملاء المخابرات الفرنسية اعتقدوا أن مديرا كبيرا للمخابرات قد يكون رصيدا مهما في حالة انهار نظام الأسد، وذلك حسبما قال مصدر قضائي للصحيفة.
وأضاف: المصدر: “حدث هذا قبل عدة أشهر من الهجمات على باريس في 2015 وكانت المخابرات الفرنسية بحاجة ماسة للحصول على معلومات عن تنظيم الدولة التي كانت تعرف أنه منخرط في التخطيط للهجمات”.
وقال مصدر في الإستخبارات العسكرية الفرنسية: “لو أحضروه إلى هنا فلأنهم اعتقدوا بإمكانية استخدامه”. لكن طلب الحلبي للحصول على لجوء سياسي رُفض من مكتب اللاجئين الفرنسي في 2015 وذلك بناء على بعض البنود في ميثاق جنيف، خاصة البند “1 أف” والذي يمكن بناء عليه رفض طلب اللجوء لو كانت هناك شكوك بتورط المتقدم “في جرائم ضد السلام وجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم غير سياسية خارج بلد اللاجئ”. لكن ترحيله إلى سوريا كان غير محتمل نظرا لحالة الحرب التي تعيشها.
وعند هذه النقطة، تدخل العملاء الإسرائيليون والنمساويون لمساعدته. وقال المصدر القضائي إن الحلبي الذي رُفض طلبه للجوء، اتصل بالموساد الذي قام بالاتصال مع مديرية المخابرات النمساوية. وأضاف: “اعتقد الموساد أنه مهم وربما لعب دورا سياسيا في المستقبل”. ونشرت الصحيفة النمساوية المحترمة “كوريير” تحقيقا هذا الشهر زعمت فيه أن الحلبي تم تهريبه إلى النمسا بمساعدة المخابرات الإسرائيلية والنمساوية التي دعمت طلب لجوئه.
وجاء في التقرير نقلا عن مصدر أمني قوله إن المخابرات النمساوية أو “بي في تي” لم يكن لديها معلومات عن تورط الحلبي بجرائم حرب أو جرائم أخرى في سوريا، ولا توجد أية أدلة أن وجود “ح” في النمسا يهدد سلامة الناس”. وأضاف: “لم تجد بي في تي أي أن هناك أرضية تدعو لرفض الطلب”.
وتمت الموافقة على طلب الحلبي في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2015 ومنحته السلطات شقة مساحتها 107 متر مربع ومكونة من أربع غرف نوم في حي أوتارينغ في فيينا. وتلقى لاحقا معونات بـ50.000 يورو وخمسة آلاف يورو شهريا من الموساد، وذلك حسبما ورد في تقارير صحافية.
وفي الوقت نفسه كانت مفوضية العدالة والمحاسبة الدولية ناشطة في جمع المعلومات من مناطق الحرب ومنها سوريا. وبعد اكتشافها مكان الحلبي قامت المفوضية بتقديم إحاطة قانونية للسلطات النمساوية في كانون الثاني/ يناير 2016 وقدمت فيها أدلة عن تورطه في جرائم الحرب.
وقالت مديرة المفوضية نيرما يلاكشتش: “لدينا وثائق وتقارير تحقيق ونملك شهادات من الداخل عن 40 ضحية تعرضت للتعذيب” و”لديك قتل واغتصاب وتعذيب وعدد من الإنتهاكات الجنسية ضد رجال ونساء وجرائم ضد قاصرين”. وترى المفوضية أن أدلتها تظهر مسؤولية الحلبي عن الأفعال التي ارتكبت تحت قيادته.
ومن بين الوثائق التي شاهدتها الصحيفة محضر عن لقاء للجنة محافظة الرقة الأمنية في أيار/ مايو 2011 والتي تظهر مسؤولية الحلبي عن مخابرات الرقة. وفي مذكرة أخرى وقعها الحلبي تفصل اعتقال ابن رجل متهم بتهريب السلاح. وتظهر الوثائق أنه كان يعتقل الأبرياء، وتكشف أيضا أنه كمدير للفرع 335 في جهاز المخابرات السورية العامة، كان من ضمن التسلسل القيادي المسؤول عن أفعال إجرامية منظمة ولم ترتكبها جماعات خارجة عن السيطرة في جهازه.
وقال معاذ، وهو لاجئ سوري قابلته قناة فرانس إنفو في 2019، إنه تعرض للتعذيب في الفرع 335 و”استدعاني حارس وقيدني على لوح ورفع قدمي في الهواء وضربني بشدة”. وقال معاذ إن الحلبي كان مدير الفرع 335 في ذلك الوقت. و”الشخص المسؤول عن المخابرات اسمه خالد الحلبي وكان اسمه يثير الرعب في نفوسنا جميعا”.
وحسب شهادة، كانت غرفة التحقيق في الفرع 335 قريبة من مكتب الحلبي. وقال يلاكشتش: “أخبرنا شهود أن صراخ المعتقلين كان يسمح خلال المبنى المكون من 3 طوابق”. وأنكر الحلبي الاتهامات العام الماضي وأخبر تلفزيون فرانس إنفو: “لا، ليس صحيحا بالمطلق والاتهامات كاذبة. ولا دليل يكشف، أرني الدليل لو كان لديك واحد وطوال حياتي لم أؤذ أحدا”. ورفض الحلبي التعليق عندما اتصلت به الصحيفة.
وقالت المفوضية للعدالة والمحاسبة الدولية، إنها قدمت ملفها عن التحقيق للسلطات النمساوية في 2016 لكن لم يتم التحقيق معه أو اعتقاله. وفي عام 2017 ورد اسمه في قائمة من يستهدفهم قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لكنه حذف من القائمة.
وتأمل فرنسا مواصلة التحقيق وقدمت لمنظمة يوروبول طلبا لتحديد مكان الحلبي. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 داهمت الشرطة النمساوية شقته ولكنه لم يكن هناك. وتقول الصحيفة “كوريير” أن طريق المداهمة والعبث فيها يظهر أنها مرتبة. ومنذ ذلك الوقت لا يعرف مكان الحلبي.
ويتذكر سكان الحي الهادئ الحلبي بالرجل المؤدب الذي يدخن بشراهة. وقالت جنيفر زيكا (28 عاما) التي حققت معها الشرطة في 2018: “لم يدخن أبدا في شقته لكن في الخارج أو على درج المدخل. وكان مكانه المفضل مقعد أمام الدرج. وكان يجلس هناك لساعات طويلة في بعض الأحيان”. ولهذا كان اختفاؤه المفاجئ مستغربا لدى جيرانه. وقالت جارة عمرها 46 عاما: “لم يعد موجودا هنا”.
وأثارت قضية الحلبي بعد ظهورها في الإعلام هذا الشهر جدلا في المؤسسة السياسية، حيث وصفه نواب بـ”مجرم الحرب” في سؤال وُجّه لوزير الداخلية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وجاء فيه: “هل من مهام بي في تي (المخابرات) جلب مجرمي الحرب إلى النمسا من دول أخرى وتهريبهم ومنحهم لجوء سياسيا؟” و”على وزير الداخلية كارل نهامر تقديم توضيح في فضيحة اللجوء والتي تتعلق بجنرال سوري”.
وبدأ المحققون بالتحقيق في رموز بمكتب اللجوء الفرنسي والمخابرات النمساوية. ويعتقد أن الحلبي لا يزال في أوروبا، وبحسب بعض المصادر: “لا يزال يتنقل بين النمسا وسلوفاكيا وأحيانا سويسرا حيث قدم له جنرال سوري هناك الحماية” حسب المصدر القضائي الفرنسي.