هكذا تفكر الدولة للمرحلة القادمة

10 مايو 2022
هكذا تفكر الدولة للمرحلة القادمة

حسين الرواشدة
‏متفائلون أم متشائمون؟ الإجابة فيما مضى، وفق الحسابات السياسية الرسمية، كانت مطروحة للنقاش العام، باعتبار أن تحسين المزاج الشعبي مسألة مهمة ومطلوبة، أما الآن فقد تغيرت الصورة، الدولة تفكر بأولويات أكثر أهمية، تتعلق بالحفاظ على الضروريات، ووقف التدهور، سواء بما يتعلق بحاجات المواطن الضرورية، أو بمقومات استقرار الدولة وأمنها، أو بالدور المتاح الذي يساعدها، دوليا وإقليميًا، على حماية مصالحها، والدفاع عن حدودها ووجودها أيضا.
إذا، نحن أمام تحول كبير ومهم، عنوانه “المرحلة صعبة”، سيشكل – بتقديري- مجالا لحركة الدولة، وضابطا لإيقاعها، كما أنه سيحدد أولوياتها القادمة، ثمة انطباع عام لدى كثير من المسؤولين أن الأردنيين أصبحوا أكثر واقعية في تعاملهم مع الظروف الصعبة، والتحديات التي تواجههم، وبالتالي لا مبرر للخوف من حراكات الشارع، أو أصوات المنتقدين للأداء الرسمي، فهذه الجبهة الساخنة، التي شكلت مصدر قلق للحكومات خلال العشر سنوات الماضية، أصبحت باردة وغير مؤثرة.
وعليه، يبدو من المبكر التفكير بترطيب المناخات العامة، أو -إن شئت الدقة – بحلحلة بعض القضايا المعلقة سياسيا، وحتى إن استدعت الحاجة لذلك، ففي إطار محدد يتناسب مع أولويات الدولة وحساباتها، لا مع أي مطالب شعبية، هذا يعني أن “الاستنفار السياسي” سيتجه لتأمين الوضع القائم، وتحصين اداراته، وتمكينها من التهيئة، بالنفس الطويل، لمرحلة ما بعد “المنظومة السياسية” التي من المتوقع أن يستمر التجهيز لها، على مستوى الطبقة السياسية الجديدة والبرامج المطروحة، لنحو عامين أو أكثر.
الملف الداخلي الذي يحظى باهتمام الدولة، بكافة إدارتها، هو الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، في هذا الاتجاه سنشهد – كما يبدو- بعض المقررات والمبادرات لضمان منع أي فوضى بالأسواق التجارية والمالية، ولإيجاد ما يلزم- بالحدود الدنيا- من فرص عمل للعاطلين من الشباب، ومنع إنهاء أصحاب العمل لعقود العاملين بالقطاع الخاص، ومبادرات لتحسين مستوى الخدمات العامة ومساعدة الأسر الفقيرة… الخ.
تأمين الاستقرار الاقتصادي يشكل أولوية بالمرحلة القادمة، وعلى أساسه سيتم تحديث المشهد السياسي والإداري، وترسيم العلاقة بين الإدارات والأجهزة لتوفير الانسجام والتنسيق بينها، وصولا لامتصاص حالات الغضب التي تشهرها “خيم” العاطلين عن العمل، أو وقفات المتعثرين،أو غيرها من مظاهر الردود الشعبية على تراجع الأوضاع المعيشية.
الملف الآخر الذي سيأخذ نصيبه من الاهتمام هو القضية الفلسطينية، خاصة بما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل وثنائية “التهدئة والرعاية للمقدسات”، هنا تبرز خيارات متعددة لم تحسم بعد، لكن من المتوقع أن نجد أنفسنا أمام اضطرارات يفترض أن نتعامل معها بحكمة وجرأة أيضا، خاصة إذا استمرت حكومة بينت بالتصعيد وانتهاك التوافقات المبرمة بين الطرفين، حيث لا يبدو عندئذ أي إمكانية للجمع بين تبني التهدئة وضمان القيام بواجب الرعاية، ولهذا سيبقى الملف معلقا بانتظار ما يمكن أن يحدث بالداخل الفلسطيني من تحولات، أبرزها اشتعال المقاومة مجددا.
تبدو التقديرات الرسمية مطمئنة لموقف واشنطن من الأردن في ظل إدارة بايدن، لكن ثمة تخوفات من مرحلة ما بعد بايدن، ومن نشاط بقايا إدارة ترامب التي ما تزال تعمل باتجاة إحياء منطق صفقة القرن، كما أن ثمة تخوفات من انشغال العواصم الغربية بالحرب الروسية الأوكرانية عن قضايا منطقتنا، وعن الاستمرار بدعم بلدنا، هذا كله يفرض على الدبلوماسية الأردنية مزيدا من النشاط لضمان استمرار “المساندة” السياسية الخارجية التقليدية، والمساعدات الاقتصادية.
قلت فيما مضى: الدولة تبعث برسائل قوية لترسيم المرحلة القادمة، ومرحلة الاسترخاء التي انحازت إليها خلال العامين الماضيين انتهت، أضيف: المرحلة القادمة ليست فقط مرحلة شد ‏الأحزمة اقتصاديا، وإنما سياسيا أيضا، و”العين الحمرا” التي أشار لها الرئيس أكثر من مرة سنراها بوضوح في المجال السياسي، هذا -بالطبع – إذا صحت الحسابات الرسمية، واطمأن أصحابها لقابلية الأردنيين على ابتلاع ما يصدر من قرارات، وما تنحاز له الحكومة من خيارات، كما فعلوا في عامي “كورونا”.