وطنا اليوم:تتواصل معاناة المسلمين في الهند منذ تولي ناريندرا مودي رئاسة الوزارة، وعادت “أغاني الزعفران” الهندوسية التي تدعو لقتل المسلمين لتطلّ برأسها خلال شهر رمضان، فما قصتها؟
فمنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، شنت جماعات هندوسية يمينية هجمات على أقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور.
وفي 2019، وافقت الحكومة على قانون يخص الجنسية قال معارضون له إنه تقويض لدستور الهند العلماني بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة. والقانون من شأنه منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجاينيين والبارسيين والسيخ الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 2015.
الأغاني الهندوسية تتحول إلى سلاح
ومنذ بداية شهر رمضان، المعظم لدى المسلمين، منذ 2 أبريل/نيسان الجاري، ارتفعت وتيرة الاستهداف الهندوسي تجاه المسلمين في الهند بصورة لافتة، ونشرت وكالة Associated Press الأمريكية تقريراً عنوانه “في الهند: الأغاني المليئة بالكراهية سلاح لاستهداف المسلمين”، ألقى الضوء على فصل جديد مما تتعرض له الأقلية الأكبر عدداً في العالم من اضطهاد وقمع.
ففي يوم 10 أبريل/نيسان، تحول مهرجان هندوسي لإحياء الذكرى السنوية لميلاد الإله راما إلى أعمال عنف في مدينة خارغون بولاية ماديا براديش، بعد أن مرت حشود الهندوس أمام أحياء ومساجد المسلمين وهم يلوحون بالعصيّ والسيوف. وأظهرت مقاطع فيديو مئات منهم يرقصون ويهتفون بصوت واحد، مع أغانٍ ردَّدتها مكبرات صوت، وتدعو لاستخدام العنف مع المسلمين.
وهذا الحادث هو الأخير في سلسلة هجمات على المسلمين في الهند، حيث يتبنى القوميون الهندوس المتشددون موقفاً معادياً للمسلمين، ويدعون إلى العنف ضدهم.
كانت الأمور قد وصلت إلى حد دعوات علنية لإبادة المسلمين جميعاً من جانب قادة هندوس متطرفين، بينما لا تتخذ حكومة ناريندرا مودي خطوات جادة لوقف ما يحدث، فالمسلمون في الهند يواجهون جميع أشكال الاضطهاد التي لم يسلم منها أحد ولا حتى نجوم بوليوود المسلمون مثل شاروخان.
وشهدت أواخر 2021 تعرُّض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سُدة الحكم.
كما كانت البشاعة والوحشية، التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، سلطت الضوء على ما تقوم به حكومة مودي، ثم نشرت صحيفة New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان “صمتٌ من قادة الهند إزاء دعوات متطرِّفين هندوس لقتل المسلمين”، رصد قيام المئات من النشطاء والرهبان الهندوس اليمينيين في مؤتمرٍ عُقِدَ الأسبوع الأخير من عام 2021، ليقسموا على أن يحوِّلوا الهند، الجمهورية العلمانية دستورياً، إلى أمةٍ هندوسية، حتى لو تطلَّب ذلك الموت والقتل.
ما قصة “أغاني الزعفران”؟
ومؤخراً أصبحت الأغاني التحريضية الموجهة ضد المسلمين مقدمة للهجمات الهندوسية القاتلة. وهذه الأغاني جزء مما يعرف باسم “أغاني الزعفران”، في إشارة إلى اللون المرتبط بالديانة الهندوسية، والمفضل لدى القوميين الهندوس.
ويدعو العديد من هذه الأغاني صراحة إلى قتل المسلمين ومن لا يؤيدون “هندوتفا”، الحركة القومية الهندوسية الساعية لتحويل الهند العلمانية رسمياً إلى دولة هندوسية صريحة.
ويخشى ملايين المسلمين الهنود، الذين يشكلون 14% من سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، أن تكون هذه الأغاني المليئة بالكراهية أداة أخرى في أيدي القوميين الهندوس لاستهدافهم.
وهذا العنف في خارغون أسفر عن مقتل مسلم عُثر على جثته بعد سبعة أيام، حسبما ذكرت ضابطة الشرطة أنوغراها بي. وقالت إن الشرطة اعتقلت عدة أشخاص بسبب أعمال شغب، لكنها لم تحدد إن كان أي منهم أشعل هذه الأغاني الاستفزازية.
وتاريخ الهند مليء بالعنف الطائفي الدموي، الذي يعود تاريخه إلى التقسيم البريطاني لشبه القارة الهندية عام 1947. لكن الاستقطاب الديني زاد بدرجة كبيرة في عهد حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسية القومية، إذ استُهدفت أقليات المسلمين أحياناً كثيرة في كل شيء من طعامهم وملابسهم إلى زواجهم من أديان أخرى.
وهذه الأغاني المليئة بالكراهية فاقمت حدة هذه التوترات، لكن أصحابها يعتبرونها شكلاً من أشكال دعمهم لعقيدتهم، ومجرد تأكيد على أنهم “هندوسيون يفخرون بديانتهم”. إذ قال المغني سانديب شاتورفيدي للوكالة الأمريكية: “الهند دولة هندوسية وأغنياتي تحتفي بديننا. ما الخطأ فى ذلك؟”.
على أن أغنية شاتورفيدي كانت الأكثر استفزازاً من ضمن أغانٍ عديدة انطلقت في خارغون قبل أعمال العنف. فهذه الأغنية تحث الهندوس على “النهوض” حتى “ينحني من يرتدون القلنسوات للإله راما”، في إشارة إلى المسلمين. وتمضي لتقول إنه حين تغلي “دماء الهندوس” فستُري المسلمين مكانهم الصحيح بـ”السيف”.
ماذا يقول أصحاب تلك الأغاني “القاتلة”؟
على أن شاتورفيدي، القومي الهندوسي المتشدد، لا يرى أن كلمات أغنيته مليئة بالكراهية أو استفزازية. بل تعبر عن “مزاج الناس”. وقال: “كل الهندوس يحبون أغنياتي لأنها تقربهم من دينهم”.
ووجهة نظره صحيحة جزئياً، فرغم ضعف جودة إنتاج أغانيه تنال عديد من مقاطع الفيديو لهذه الأغاني ملايين المشاهدات على يوتيوب، وتحظى بشعبية بين الشباب الهندوسي في البلاد.
وهذه الأغاني التي تُذاع بمجموعة متنوعة من اللغات، وغالباً ما تكون في مدح مختلف الآلهة الهندوسية، جزء مهم من الهندوسية. ولا تزال أغاني بهاجان، وهي نوع من الأغاني الروحية التي تُنشد في المعابد والمنازل، جزءاً رئيسياً من هذا التقليد. لكن مراقبين يقولون إن الانتشار التدريجي للقومية الهندوسية قد شجع شكلاً أشد عدوانية من هذه الأغاني التي تولد المشاعر المعادية للمسلمين.
نيلانجان موخوبادهيي، الصحفي المقيم في نيودلهي، الذي كتب سيرة عن مودي، قال للأسوشيتد برس إن أغاني الكراهية نشرها القوميون الهندوس لأول مرة أوائل التسعينيات من خلال أشرطة صوتية مسجلة على موسيقى بوليوودية شعبية، لاجتذاب المستمعين الشباب.
وشهدت بداية هذا العقد حملة عنف شنها التيار اليميني، أدت عام 1992 إلى هدم مسجد بابري، الذي يعود للقرن السادس عشر، في وسط الهند، على أيدي غوغاء هندوس، وبروز حزب مودي على مستوى البلاد.
وقال موخوبادهيي إن هذه الأغاني أصبحت بعدها “وسيلة مجربة” يلجأ إليها القوميون الهندوس لـ”إهانة المسلمين، والانتقاص من دينهم واستفزازهم”.
وقال موخوباديهي، الذي كتب أيضاً عن أعمال الشغب الكبرى في الهند: “معظم هجمات الغوغاء على المسلمين تتبع نمطاً متكرراً، فيدخل موكب ضخم من الهندوس أحياء المسلمين ويذيعون خطب كراهية وأغاني تحريضية تتصاعد إلى عنف طائفي. وهذه الأغاني تُذاع بقوة أكبر أمام المساجد لاستثارة المسلمين”.
وبمرور السنوات أصبحت هذه الأغاني شائعة خلال المهرجانات الهندوسية، ولا تقتصر فقط على الجماعات الهامشية.
وفي اليوم الذي اندلعت فيه أعمال عنف في خارغون، قاد راجا سينغ، النائب عن حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، موكباً مماثلاً من الهندوس في مدينة حيدر آباد، جنوبي البلاد، وردد أغنية ألفها بنفسه وتحمل إشارات مبطنة لطرد المسلمين من البلاد. واتهمته الشرطة بـ”إيذاء المشاعر الدينية للناس”.
وبُثت أغان مماثلة دعت الهندوس إلى قتل من لا يهتفون “جاي شري رام!” أو “حيوا الإله رام”، وهو الشعار الذي أصبح صرخة بدء المعركة للقوميين الهندوسيين، أمام مساجد في مدن هندية متعددة في اليوم نفسه. وقد تلتها موجة عنف أسفرت عن مقتل شخص واحد على الأقل في ولاية غوجارات.
وفي الوقت نفسه، يتنامى الطلب على هذه الأغاني، فالأسبوع الماضي أدت المغنية لاكسمي دوبي بعض أغانيها أمام تجمع هندوسي في مدينة بوبال بوسط الهند. وفي إحدى أغنياتها حضّت حشداً مبتهجاً من الهندوس على “قطع ألسنة الأعداء الذين يتحدثون ضد الإله راما”، وفقاً لما سجلته مقاطع فيديو من هذا الحدث.
ويوم السبت 16 أبريل/نيسان، أذيعت الأغنية نفسها في نيودلهي خلال موكب يمثل مهرجاناً هندوسياً آخر. وأظهر بث تلفزيوني مئات من الشباب الهندوس يلوحون بسيوف ومسدسات محلية الصنع، ويمشون في حي مسلمين، فيما تصدح مكبرات الصوت بالأغاني المليئة بالكراهية. وقالت لاكسمي في مقابلة عبر الهاتف مع الوكالة الأمريكية إن هذه الأغاني هي “ما يريده الناس”.
الخلاصة هنا هي أن القمع والاضطهاد غير المسبوق بحق المسلمين في الهند قد أصبح عرضاً مستمراً ومتواصلاً على مدى السنوات الماضية، وبالتحديد منذ وصول مودي إلى السلطة، ولا يلوح في الأفق أن هناك تغييراً ما قد يحدث، ولا أحد يمكنه التنبؤ بما قد تؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، بعد أن وصل التحريض على القتل إلى الأغاني والأناشيد