بانتظار أن تزدهر السياسية، وينمو الاقتصاد!

18 أبريل 2022
بانتظار أن تزدهر السياسية، وينمو الاقتصاد!

د. أسمهان ماجد الطاهر

في زمن عدم الاستقرار، والتغيير السريع، أصبح الجميع مخول بالحديث عن السياسية، والمعظم خبراء اقتصاديين.
أما اجتماعيا، المنظرون كثيرون، يملوا مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن العادات والقيم الاجتماعية التي تاهت في صحراء الركض وراء وهم المادة والمناصب والمكاسب المالية.
يقابلهم على الجانب الآخر الخبراء النفسيين الفيسبوكين، الذين كادوا اختراع نظريات جديدة، تبدل العفوية، والصدق والبراءة الفطرية لكل إحساس طبيعي حر غير متكلف.

الواقع بات موجع، حتى أننا تخطينا الألم وبتنا نضحك بصوت يحمل حلاوة الروح على كل يوم يمر دون أن نخسر من إنسانيتنا أكثر.

الافاعي السامة مستمرة في نفث سمومها، بلا توقف مما يزيد الأمر سوءا.
البعض سهل التحريك كيفما وحيثما يوجد مال دون إرادة، وكأن هناك خيوط شفافة تكاد لا ترى بالعين المجردة تحركهم حيث تريد، طمعا في المكاسب المادية.
المجتمع ضائع بين جيلين، جيل الحكمة، وبين قادة نظريات التغيير الجذري السريع.

الحلم العام لنا جميعا هو محاربة الفساد والفقر والبطالة والتطرف، والإشاعات، والسلبية.
رغم أن البعض يفكر في أحلام غيرة أكثر مما يفكر ماذا يريد هو!
على هامش الامنيات كان هناك فئة تحارب القلة والفقر وضعف ذات اليد، بمهنة الأذى، حيث أصبحت مهنة مدفوعة الأجر، مخصصة للدمى الكرتونية القابلة لبيع نفسها وضميرها بثمن بخس دراهم معدودة.

لم يعد للفكر والعلم والمعرفة، القيمة التي تستحق في ظل انتشار شهادات الدكتوراة الفخرية، وشهادات التنمية البشرية الممنوحة لمن يحتاجون الكثير لتنمية أنفسهم التي ضلت الطريق السوي في زحمة سعيها إلى أن تصنع لنفسها خيال أكبر من حجمها.

نقف بذهول، نتساءل؛ قول لي إلى أين المصير، رغم يقيننا بأن مصيرنا واحد!

في زحمة هذا الواقع المر خطر لي سؤال، هل يمكن حل الأزمات السياسية والاقتصادية دون أن يتزامن مع إصلاح اجتماعي؟
لقد اعتدنا أن يبدأ الاصلاح والتغيير من خلال الخيارات الاقتصادية، ولكن علميا لا تكفي وحدها لخلق تنمية، وإنما لا بد من أن يكون هناك استقرار في القواعد القانونية الاجتماعية والتي عادة ما تتوسط قلب الاقتصاد والسياسية.

الاستقرار وسيادة القانون والتعاون الاجتماعي، هو ما يعزز الثروة التي بدورها تحدث الفرص الاقتصادية الجيدة.
وبالتالي فإن إعادة صياغة القوانين هو تطور طبيعي للتحديث والتغيير، ولكن شريطة أن يضمن هذا التحديث في القوانين والقواعد تقليل تكاليف المعاملات، وتسهل سير العلاقات الاجتماعية، ويضمن القدرة على حل النزاع وتقليل العنف المجتمعي بكل أشكاله.
في نهاية المطاف، الفقر والتخلف عن ركب التطوير وعدم تحقيق نمو ليس مجرد مشكلة تتعلق بنقص الموارد الاقتصادية ولكنها ترتبط إلى حد كبير أيضًا بالسياسات المتقلبة، وبطء إقرار التعديلات القانونية، وخلل الهياكل الاجتماعية، الذي يحدث نتيجة الفقر.
وبالتالي الخصائص الرئيسية للهياكل الاجتماعية هي ما يفرض تأثيرها على الأداء الاقتصادي وليس العكس. وبلغة اكثر بساطة التغير والاصلاح يبدا من المجتمع ومحاولة كل شخص بأن يتغير، ويتفاعل مع الواقع ويفهم روح القانون ومعنى سيادته، تلك هي البداية ونقطة الانطلاق الحقيقية.

نطمح لليوم الذي نطرح فيه سؤال هل حدث تغيير وتطوير في الفكر المجتمعي، فتكون الاجابة التالية؛ نعم لقد اصبح المجتمع، أقوى بالتعليم، أنجح في الحصول على الفرص، أوعى بثقافته العميقة، أكثر هدوءا وصبرا، أذكى في طرح حلول للمشاكل، وأكثر حذرا عند الخوض في المساحات الخاصة لبعضهم البعض. عندها فقط تزدهر السياسية، وينمو الاقتصاد.
a.altaher@aut.edu.jo