وطنا اليوم:تعد روبن وست البالغة من العمر 17 عاما استثناء من القاعدة بين أقرانها – فهي لا تمتلك هاتفا ذكيا.
وبدلا من تصفح تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام طوال اليوم، فهي تستعمل واحدا مما بات يطلق عليها الآن اسم “هواتف غبية”.
إنها هواتف بسيطة محدودة الوظائف بشكل كبير مقارنة بهواتف الآيفون على سبيل المثال، إذ أن معظمها لا يمكّنك سوى من إجراء مكالمة هاتفية أو إرسال رسائل نصية. وإذا كنت محظوظا، قد تستطيع أن تسمع من خلالها إلى محطات إذاعية أو تلتقط صورا بدائية، لكن بالتأكيد لن تتمكن من استخدامها في الدخول على الإنترنت أو تحميل أي تطبيقات.
هذه الأجهزة مشابهة لبعض من أوائل الهواتف المحمولة التي كان يشتريها الناس في أواخر التسعينيات.
صورة لهاتفين محمولين التقطت في عام 2005، أي قبل عامين من طرح أبل الجيل الأول من هواتف الآيفون، وقبل 11 عاما من تدشين تطبيق تيك توك
كان قرار وست الاستغناء عن هاتفها الذكي قبل عامين قرارا مرتجلا. فبينما كانت تبحث عن بديل لهاتفها في متجر للهواتف المستعملة، أغراها السعر المنخفض لهاتف “بدائي”.
الجهاز الذي تستخدمه حاليا، وهو من صنع شركة موبي واير الفرنسية، كلفها ثمانية جنيهات إسترلينية فقط. ولأنه لا يحتوي على وظائف الهواتف الذكية، فهي ليست بحاجة إلى القلق من دفع فاتورة شهرية باهظة الثمن مقابل تصفح الإنترنت وتحميل البيانات.
تقول وست: “قبل أن أقتني هاتفا بدائيا، لم ألاحظ كيف أن الهاتف الذكي كان مسيطرا على حياتي. كان لدي العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي على ذلك الهاتف، ولم أكن أنجز الكثير من العمل لأنني كنت دائما منشغلة بهاتفي”.
تضيف الفتاة اللندنية أنها لا تظن أنها ستشتري هاتفا ذكيا آخر أبدا. “إنني سعيدة بهاتفي البدائي، ولا أظن أنه يقيدني. وأنا قطعا أكثر نشاطا الآن”.
تقول روبن إن أصدقاءها يسألونها باستمرار متى ستشتري هاتفا ذكيا جديدا
يتواصل انبعاث “الهواتف الغبية” إلى الحياة منذ فترة. وقد قفزت عمليات البحث عنها على موقع غوغل بنسبة 89 في المئة بين عامي 2018 و2021، وفق شركة سيمرَش (SEMRush) للبرمجيات.
وبينما من الصعب الحصول على أرقام دقيقة للمبيعات، توقع تقرير أن عدد “الهواتف الغبية” التي تم بيعها في مختلف أنحاء العالم السنة الماضية سيصل إلى مليار هاتف، مقارنة ب 400 مليون خلال عام 2019. يقارن ذلك بمبيعات دولية للهواتف الذكية بلغت 1.4 مليار جهاز العام الماضي، في أعقاب انخفاض قدره 12.5 في المئة عام 2020.
كما أظهرت دراسة أجرتها مجموعة ديلويت (Deloitte) للمحاسبة عام 2021 أن واحدا من بين كل 10 مستخدمين للهواتف النقالة كان يمتلك “هاتفا غبيا”.
يقول إرنست دوكو، خبير الهواتف النقالة بموقع مقارنة الأسعار يوسويتش دوت كوم (Uswitch.com): “يبدو أن الموضة، والحنين إلى الماضي، وظهور الهواتف الغبية في مقاطع فيديو على تيك توك أسهمت في إحيائها..الكثير منا كان لديه هاتف غبي كأول هاتف محمول قمنا بشرائه، لذا من الطبيعي أن نشعر بشيء من الحنين إلى الماضي تجاه تلك الأجهزة الكلاسيكية”.
يقول دوكو إن إعادة طرح هاتف “نوكيا 3310” في عام 2017 – والذي كان قد طرح في الأسواق للمرة الأولى في عام 2000، وكان واحدا من أكثر الهواتف المحمولة مبيعا في التاريخ – هي التي أشعلت فتيل تلك النهضة. يتابع: “سوقت شركة نوكيا للهاتف 3310 بوصفه بديلا في متناول الأيدي في عالم يعج بالهواتف المحمولة عالية التقنية”.
ويضيف أنه بينما لا تستطيع “الهواتف الغبية” بالطبع منافسة أحدث الموديلات الفاخرة لأبل أو سامسونغ عندما يتعلق الأمر بالأداء والوظائف، “فإنها من الممكن أن تتفوق عليها في أشياء أخرى من قبيل عمر البطارية والمتانة”.
قبل خمسة أعوام، استبدل خبير علم النفس بريزميك أولينيتشاك هاتفه الذكي بهاتف نوكيا 3310 لأن بطاريته تدوم لوقت أطول. لكنه سرعان ما اكتشف أنه كانت هناك فوائد أخرى لذلك الهاتف.
ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صحة الفتيات؟
بريزميك أولينيتشاك يعترف بأنه يضطر الآن إلى القيام بالمزيد من التخطيط المسبق قبل أن يسافر
يقول: “قبل ذلك، كنت ملتصقا بالهاتف على الدوام، أتابع أي شيء وكل شيء، أتصفح فيسبوك أو الأخبار، أو أي حقائق أخرى لم أكن بحاجة إلى أن أعرفها”.
“أما الآن، فقد أصبح لدي المزيد من الوقت الذي أخصصه لأسرتي ولنفسي. من الفوائد العظيمة هو أنني لست مدمنا للإعجاب بالتعليقات، وإعادة نشرها، والتعليق عليها، أو وصف حياتي للآخرين. لقد بات لدي الآن المزيد من الخصوصية”.
بيد أن أولينتشاك، الذي يعيش في مدينة لودز البولندية، يعترف بأن ذلك التغيير كان بمثابة تحد في البداية. “في السابق، كنت أبحث عن معلومات عن أشياء مثل المطاعم والحافلات على هاتفي الذكي [قبل السفر]. ولكن ذلك صار مستحيلا في الوقت الحالي، لذا تعلمت أن أقوم بكل هذه الأشياء قبل أن أسافر، وأصبحت معتادا على ذلك”.
من الشركات المصنعة “للهواتف الغبية” شركة لايت فون (Light Phone) التي تتخذ من نيويورك مقرا لها. لكن أجهزتها أكثر ذكاء إلى حد ما، فهي تسمح للمستخدمين بالاستماع إلى الموسيقى والبودكاست، وتوصيلها بسماعات تعمل بخاصية البلوتوث. لكن الشركة تتعهد بأن هواتفها “لن تحتوي أبدا على تطبيقات التواصل الاجتماعي، أو الأخبار ذات العناوين المضللة، أو الرسائل الإلكترونية، أو متصفح الإنترنت أو أي شيء آخر يصيب بالتوتر”.
تقول شركة لايت فون إن مبيعات هواتفها المحمولة، مثل ذلك الذي في الصورة، شهدت قفزة كبيرة
تقول الشركة إنها حققت أقوى أداء مالي لها في عام 2021، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 150 في المئة مقارنة بعام 2020. هذا على الرغم من أن أجهزتها غالية الثمن مقارنة بغيرها من “الهواتف الغبية”، فالأسعار تبدأ من 99 دولارا أمريكيا (75 جنيها استرلينيا).
يقول كايوي تانغ المؤسس المشارك للايت فون إن الجهاز صمم في بادئ الأمر لكي يستخدم كهاتف ثانوي من قبل الأشخاص الذين يرغبون في أخذ استراحة من هواتفهم الذكية خلال عطلة نهاية الأسبوع على سبيل المثال، ولكن أصبح نصف زبائن الشركة الآن يستخدمونه كهاتفهم الرئيسي.
يقول تانغ: “لوهبطت كائنات فضائية على كوكب الأرض، لظنت أن الهواتف المحمولة هي الكائنات الأرقى التي تتحكم في البشر..ولن يتوقف ذلك الأمر، بل سيزداد سوءا. لقد بدأ المستهلكون يدركون أن هناك خطأ ما، ونرغب في أن نوفر بديلا لهم”.
يضيف تانغ أنه من الغريب أن غالبية زبائن الشركة تتراوح أعمارهم ما بين 25 و35 عاما. فقد كان يتوقع أن يكون المشترون أكبر سنا من ذلك بكثير.
وتقول خبيرة التكنولوجيا البروفيسورة ساندرا واشتر الزميلة الأولى بقسم الذكاء الاصطناعي بجامعة أوكسفورد، إنها تتفهم أن بعض الناس يبحثون عن هواتف محمولة أكثر بساطة.
تسترسل واشتر: “من المنصف أن نقول إن قدرة الهاتف الذكي على إجراء مكالمات وإرسال رسائل قصيرة أصبحت خاصية فرعية في الوقت الراهن..فهاتفك الذكي هو مركز للترفيه وموّلد الأخبار ونظام ملاحة ومفكرة مواعيد وقاموس وحافظة نقود”.
وتضيف أن الهواتف الذكية دائما “تريد أن تلفت انتباهك” من خلال الإشعارات والتحديثات والأنباء العاجلة، وتربك يومك باستمرار. “من الممكن أن يصيبك ذلك بالتوتر، بل والهياج. وقد يصبح ذلك أمرا فوق الاحتمال”.
تقول البروفيسورة ساندرا واشتر إنه من الممكن تفهم أن بعض الناس يشعرون بأن الهواتف المحمولة تسيطر على حياتهم
تقول البروفيسورة واشتر إنه “من المنطقي أن البعض منا الآن يبحث عن تقنيات أبسط، ويروى أن الهواتف الغبية قد توفر له عودة إلى الأوقات الأبسط. وقد تؤدي [تلك الهواتف] إلى إتاحة المزيد من الوقت للتركيز على مهمة واحدة والانخراط فيها بشكل هادف. بل وقد تؤدي أيضا إلى تهدئة الناس. فقد أظهرت الدراسات أن وجود عدد مبالغ فيه من الخيارات من الممكن أن يخلق حالة من التعاسة والتوتر”.
ولكن بالعودة إلى لندن، تقول روبن وست إن الكثير من الناس يستغربون خيارها للهاتف المحمول التقليدي. “الجميع يظنون أنه شيء مؤقت، ويسألونني: متى ستشترين هاتفا ذكيا إذن؟ هل ستشترين هاتفا ذكيا هذا الأسبوع؟”