وطنا اليوم:لا نبالغ عندما نقول إن الملوخية هي أحد الأطباق الأكثر تفرداً وشعبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكيف لا وهي “معشوقة المصريين” الذين أحبوها من عهد الفراعنة، ومن أشهر أطباق المطبخ السوري واللبناني والتونسي، حتى إنها مستخدمة في المطبخ الياباني والكيني أيضاً.
تختلف طريقة عمل الملوخية من بلد لآخر، فهناك الملوخية المصرية والملوخية السورية والملوخية التونسية، إلا أنها تفوز دائماً بقلوبنا بنكهتها المميزة ورائحتها اللذيذة، خاصة مع تقلية الثوم والكزبرة المميزة.
لكن هل فكرت وأنت تتناول طبق الملوخية الخضراء اللذيذ بتاريخ هذا الطبق وكيف تم اكتشاف هذا النبات الذي أصبح طبقاً شعبياً شهيراً؟
اعتبرها المصريون القدماء سماً مميتاً وحرمها حرمها أحد الملوك على شعبه لحبه لها، رافقنا في رحلة تاريخية نتحدث فيها عن تاريخ الملوخية والتفاسير المثيرة لتسميتها، بالإضافة إلى الطرق المختلفة التي يتم طبخها بها في بلدان مختلفة.
في كتاب “كنز من الفوائد والتنوع على الطاولة: كتاب طبخ مصري من القرن الرابع عشر”، كتبت المؤلفة نوال نصر الله: “لم يترك المصريون القدماء أي وصفات للطهي لم يجربوها، كما أن بقايا الطعام من قبورهم وجداريات نعشهم تصور الخبز وغيره من الأطعمة، مما يدل على المستوى المتطور لمطبخهم… وتكشف هذه الرسوم أيضاً عن وفرة بعض المحاصيل لديهم مثل الملوخية”.
وعلى الرغم من أن جميع المصادر التاريخية تؤكد أن أصل الملوخية هو مصري، فإن هناك قصتين مختلفتين عن اكتشاف الملوخية وتسميتها.
الهكسوس أجبروا المصريين على تناول الملوخية لاعتقادهم أنها سامة
الرواية الأولى التي تفسر تسمية نبات الملوخية بهذا الاسم واكتشافها، تذكر أن المصريين القدماء وجدوا أوراق الملوخية تنمو على ضفاف نهر النيل، ولكنهم كانوا يعتقدون أنها نبات سام فلم يتناولوها وسمّوها “خية”.
ولكن عندما غزا الهكسوس مصر قبل 3600 سنة، أجبروا المصريين على أكلها كنوع من الإذلال والعقاب، وكانوا يقولون لهم: “ملو-خية”، أي (كُلوا) (خية).
وعلى عكس توقعاتهم بأنهم ميتون لا محالة بعد أكلها، اكتشف المصريون أن الملوخية غير سامة وأنها تصلح للأكل وبدؤوا باستخدامها في أطباقهم.
ومنذ ذلك الحين حافظت الملوخية على مكانتها كطبق أساسي مرتبط بالحضارة المصرية.
بعض الحكام الفاطميين منعوها على شعبهم واستأثروا بها لأنفسهم
أما الرواية الثانية فترجح أن الملوخية كلمة مشتقة من كلمة “ملوكية” أو “ملكية”، لأنها كانت طعاماً حصرياً للملوك المصريين أو العائلات المالكة، وتحديداً في زمن الدولة الفاطمية.
بعد أن عانى الحاكم الفاطمي المعز لدين الله من آلام شديدة في المعدة لفترة طويلة دون إيجاد علاج مجدٍ، وصف له الأطباء أوراق الملوخية كعلاج لآلامه. وبعد أن تناولها وشفي تماماً، أراد أن يستأثر بهذه النبتة ويخص بها العائلة المالكة، فأطلق عليها “ملوكية”، أي أنها أكلة الملوك فقط.
وعندما تسلَّم حكم مصر الحاكم بأمر الله لحكم، أحب “الملوكية” أيضاً. ولأنها لم تكن شائعة جداً في تلك الفترة وخوفاً منه على استهلاكها من قبل عامة الناس، أشاع بين المصريين أن هذا النبات سام ويدفع الرجال والنساء إلى ارتكاب المعاصي حتى يبتعد عن تناولها عامة الشعب، ويستأثر بفوائدها لنفسه.
بل وتقول بعض الروايات إنه منع شعبه من تناولها؛ لأن الخليفة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية ومنافسه، كان يحبها.
ظلت الملوخية طعام الملوك فقط إلى أن سمح خليفته، الظاهر لإعزاز دين الله، بتناولها، إلا أن طائفة الدروز، التي كانت تكنّ الولاء الكبير للحاكم بأمر الله، ظلوا ممتنعين عن أكل الملوخية حتى يومنا هذا، لأنهم يعتبرون أنها محرمة عليهم.
فوائد الملوخية للصحة والجسم
تعتبر الملوخية من الأطعمة المغذية، فهي مليئة بفيتامين “سي” و”إي” والبوتاسيوم والحديد والألياف. كما تحتوي الملوخية أيضاً على بعض الكاروتينات والعناصر المضادة للأكسدة، مما يجعلها عنصراً ممتازاً ومفيداً للغاية في النظام الغذائي.
كما قد تشمل الفوائد الصحية للملوخية تحسين الدورة الدموية والهضم، وغيرها. دعونا نُلقي نظرة على أهم الفوائد، وفقاً لموقع Healthy Facts:
المحتوى المرتفع من البوتاسيوم في الملوخية يساعد الأوعية الدموية والشرايين على الاسترخاء، مما يزيد من تدفق الدم ومستويات الأوكسجين في الجسم، ويقلل من الضغط على نظام القلب والأوعية الدموية.
بالإضافة إلى انخفاض ضغط الدم، تحتوي الملوخية أيضاً على مستويات كبيرة من الحديد، التي تعد مكونات أساسية في إنتاج خلايا الدم الحمراء؛ مما يؤدي إلى انخفاض فرصة الإصابة بفقر الدم ويعزز مستويات الطاقة.
مثل معظم الخضراوات الورقية، فإن الملوخية غنية بالألياف الغذائية. هذا يعني أنها تساعد على القضاء على الإمساك وتسريع عملية الهضم، وزيادة كفاءة امتصاص العناصر الغذائية، وتقليل الأعراض مثل الانتفاخ والتشنج والغازات الزائدة.
المحتوى الجيد من الماغنسيوم في الملوخية يساعد على الحد من اضطرابات النوم، مثل الأرق أو توقف التنفس أثناء النوم؛ لأن الماغنسيوم يسهل إفراز هرمونات معينة في الجسم تعمل على الاسترخاء وتهدئة الأعصاب.
من الحديد والكالسيوم والماغنسيوم والسيلينيوم، ناهيك عن عشرات المعادن الأخرى، تعتبر الملوخية طعاماً مميزاً للحفاظ على العظام قوية ومتينة.
عادة ما يتم تحضير الملوخية على شكل “يخنة” في مرق الدجاج أو اللحم أو الأرانب، ولكن يمكن أن تجعل طريقة طبخ الطبق يبدو وكأنه مختلف تماماً.
الملوخية المصرية الأشهر بين الوصفات
يتم تحضير الملوخية المصرية عن طريق إزالة عود النبتة المركزي من الأوراق، ثم تجفيفها بشكل جيد ثم تقطيع الأوراق بشكل ناعم جداً باستخدام آلة تقطيع حادة تعرف بـ”المخرطة”.
عادة ما يكون اللحم المستخدم في مصر لإعداد الملوخية هو الدجاج أو الأرانب، ولكن قد يستخدم لحم الضأن أيضاً في بعض الأحيان، أما في مدينة الإسكندرية فيتم استخدام الجمبري.
بعد تقطيع الملوخية تبدأ عملية الطهي بسلق اللحم أو الفروج أو الأرانب لتحضير المرق مع إضافة بصلة وحبهان ومستكة وورق غار وملح وفلفل أسود.
يتم انتشال اللحم بعد الاستواء إلى وعاء مستقل ثم تضاف الملوخية وتترك على نار متوسطة حتى تمام النضج.
أما الجزء المميز فهو إعداد ما يعرف بدقة الملوخية أو الطشة أو التقلية، والتي تتكون من الثوم والزبد والكزبرة الناعمة، تفاصيل الوصفة كاملة تجدونها (هنا). ويتم تقديمها بجانب الأرز أو لوحدها كحساء لذيذ.
الملوخية السورية تستخدم الأوراق الكاملة
تختلف الطريقة السورية لتحضير الملوخية بعدم تقطيع الأوراق أو طحنها وإضافة عصير الليمون لها مما يساعد على تقليل سماكتها ولزوجتها. وعلى الرغم من أن الملوخية المفرومة أو الناعمة موجودة أيضاً في المطبخ السوري فإن استخدام الأوراق كاملة أكثر شيوعاً.
بعد غسل ورق الملوخية، يتم وضعها في المصفاة وتصفيتها ثم تتم تقليتها مع الزيت النباتي مع الثوم، والفلفل الأسود والملح والكزبرة، ثمّ يتم إضافة الماء وتترك حتى تنضج.
في هذه الأثناء يتم سلق الدجاج وتقطيعه لوضعه فوق الملوخية وتقدم ساخنة بجانب طبق من الأرز.
في تونس، يتم تحضير الطبق بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة المصرية؛ حيث يتم تجفيف الأوراق ثم طحنها لإنتاج مسحوق ناعم جداً وتخزينها في برطمانات أو علب مغلقة بإحكام.
يستغرق إعداد الملوخية أو الملوخية من 5 إلى 7 ساعات، لذلك غالباً ما يبدأ إعدادها في الليل وينتهي في الصباح.
يتم تحضير المسحوق بزيت الزيتون وبعض معجون الطماطم، وغالباً ما تتم إضافة قطع كبيرة من اللحم في منتصف عملية الطهي.
تغلى على نار خفيفة وتترك حتى يصبح قوامها كثيفاً، ثم يتم تقديمها في أطباق صغيرة عميقة مع قطعة من اللحم البقري وتؤكل مع الخبز الأبيض الفرنسي أو الإيطالي. في بعض المناطق التي لا ينتشر فيها لحم البقر، يتم استخدام لحم الضأن.
الملوخية في كينيا تطبخ مع خضار أخرى
في كينيا، تعرف الملوخية بعدة أسماء من بينها “لوهيا”، وهو طبق نباتي مشهور جداً.
تُفصل أوراق الملوخية من السيقان وتُغسل ثم تُسلق في ماء مملح قليلاً مع بيكربونات الصودا أو الملح النباتي تقليدي. ثم تُغلى الأوراق مع الخضار الورقية الأخرى مثل أوراق اللوبيا لتقليل لزوجها والمساعدة على تليين أوراق الخضار الأخرى. ثم تُطهى مع الطماطم والبصل في الزيت ويمكن أن تكون مصحوبة باللحم أو الدجاج.
يُعرف الطبق الملوكي في قبرص باسم “الملوحية” ويحظى بشعبية كبيرة بين القبارصة. ويتم طهيه في مرق الطماطم مع البصل والثوم. كما يمكن أيضاً إضافة لحم الضأن أو الدجاج مع العظم.
ويتم استخدام الليمون والبطاطس أيضاً للمساعدة في الحفاظ على القوام من أن يصبح مخاطياً جداً أو لزجاً، ثم يتم تقديمه مع خبز العجين المخمر.
أما في اليابان، فتتم إضافة الملوخية للنودلز
شقت الملوخية طريقها إلى المطبخ الياباني، وأصبحت مشهورة في الثمانينيات من خلال المهاجرين والزوار من الشرق الأوسط. وتعرف في اليابان باسم Moroheiya وقد تم استخدامها كنكهة للمعكرونة باستخدام مسحوق أوراق الملوخية.
كما أنها تستخدم كبديل للأعشاب البحرية لعمل أطباق مثل ohitashi، حيث يتم تقشير الأوراق وتقديمها مع صلصة الصويا