بقلم: عمار بوايزه
بعد الخسائر البشرية والاقتصادية الجمّة ، التي طالت العالم بأسره جرَّاء تفشي هذا الوباء الفتَّاك اللعين “كورونا” ، والحالة النفسية السيئة التي فعلت فعلها بكثيرٍ من البشر ، وما لحقَ ذلك من جوٍّ مُرعبٍ يملأه الهلع والرّيبة والتَّرقُّب ، وسط صمتٍ طويلٍ عكفت عليه المؤسسات الطبية في العالم ؛ كانَ الأفراد يعايشون الموتَ لحظةً بلحظة ، وبات الجميع ينتظرون حتفهم بين عَطسةٍ عابرة وقُبلةٍ جائرة.
اتَّسع نطاقُ هذه الكارثة يوماً بعد يوم ، ولا تزالُ في ازدياد ، وحصدت ملايين الأرواح ، وفرضتْ نمطاً ثقيلة في السلوك المجتمعي برمّته ، حتى كاد هذا الفيروس يتنامى ليكون القاتلَ مرّتين ، مرَّةً في تخلي النَّاسِ عن حياتهم المعتادة ، وابتعادهم القسري عن أعزِّ الناسِ على قلوبهم من أهلٍ وأبناء وأقارب أثناء فترة الحجر والعزل المنزلي ، ومرّةً عند حرمانهم من مرافقة مُصابيهم في غُرف العلاج ، أو السَّماح لهم بإلقاء نظرة الوداع عليهم وإقامة شعائر الدَّفنِ والجنازة والعزاء حين موتهم ؛ تحمَّل النَّاسُ ببالغ الألم هذه القيود والمحددات خوفاً من الوباء ، وطمعاً في أنْ تتم محاصرته بالوقاية ، وأملاً في التَّوصلِ إلى لُقاحٍ ينتصرُ على جيوش هذا الفيروس.
بحجم ما تحملُ “كورونا” من جـدلٍ وتحدٍّ صريحٍ للطب العالمي ، يزخرُ كذلك العالم بقاماتٍ طبية وعلماء عمالقة ، ومراكز طبية موثوقة ، كان لها أن تُخفف حدَّة ووطأة العبء النفسي عن كاهل الأفراد ، وتنعشُ في نفوسهم الأمل باحتمالية القضاء على الفيروس طبياً وتوعوياً ، مِن خلال الحوارات والحلقات النقاشية والمؤتمرات الطبية في هذا المجال ، التي تضعهم في قلب الحدث ، وتردُّ عنهم اليأس الذي ملأ صدورهم ، وتفشَّى في بيوتهم ، وخلق لديهم “فوبيا كورونا” ، حتى بلغ الحدُّ بالنّاس أن يقولوا: “احذر عدوك مرّةً .. واحذر كورونا مرّتين” ؛ وإنْ كانت هذه الجهود قد تمت فعلياً ، والعملُ على اكتشاف لقاحٍ لهذا الفيروس قد بدأ منذ اللحظات الأولى للوباء ؛ فإنَّ التقصير والتظليل والتعتيم يكون قد جاء برعاية إعلامية بحتة على مستوى العالم ، عندما أعطى الجانب الارشادي الصفةَ التحذيرية ، التي لم تأتِ بخيرٍ أبداً على الشّعوب سوى تحطيم النفسية ، لا بل زاد الطّينُ بِلَّةً ؛ فمقاومة أي مرض تبدأ من تهدئة المريض ، ومـدِّه بالطاقة الايجابية ، ورفع روحه المعنوية مهما تكون خطورة مرضه ؛ ولعلَّ لهذا التغييب أسبابه ومراميه ، التي تثيرُ العديد من التساؤلات.
من جانبٍ آخر بالغَت بعضُ الدراسات الدولية في احتمالية استمرار هذا الوباء لسنوات ، وارتفاع منحنى الإصابة بهذا الفيروس وتصاعده ، واتجهت إلى إيهام البشرية جمعاء بتعذُّر السيطرة على سرعة انتشار الوباء ، إلى الحد الذي جعل الكثير من القائمين على هذه الدراسات يحذّرون حكوماتهم ، ويوجهونها الى ضرورة الحزم في اتخاذ إجراءات حماية تتعدّى العزل والتباعد الاجتماعي ؛ إضافة إلى التجييش الاعلامي العالمي لنشر وبث كافة المعلومات والتقارير المتعلقة بالوباء لحظةً بلحظة ، التي تُظهر ما يتعلق بهذا المرض من نسب إصابات ووفيات ، وتضخيم الحالات التي تقع هنا وهناك ، وتعميق الأثر النفسي السلبي لدى البشر ؛ مما أحدث إرباكاً في الأُسر والشَّوارع ومقار العمل ، والذي بدوره نجح نجاحاً باهراً في تهيئة الشُّعوب إلى انتظار مخرجٍ لها ، وانتظار الحلول الفاعلة التي تقيهم شرَّ هذا البلاء ، وساهم في رفع مستوى استعدادهم إلى تقبّل تعاطي أي لقاحٍ يُكتشف بكلِّ بساطة ، ودون البحث في مدى فعاليته أو تكاليفه أو أعراضه الجانبية ؛ الأمر الذي يوصل الجهات التي بنت استراتيجيتها الرأسمالية إلى مبتغاها ، ويحقق لها وفراً مالياً ضخماً ، خاصةً إذا ما بيع ذلك اللقاح على كافة دول العالم.
يؤكد تاريخ الأمراض الوبائية التي ألمت بالعالم في فتراتٍ مختلفة ، أنَّ هذه الأمراض ومنها داء “كورونا” يصعب السيطرة عليها بسهولة ، أو أن تكون نهايتها سريعة ، كما ويبيّن أنَّ احتمال اختفائها نهائياً ضعيفٌ جداً ، فالمرض الوحيد الذي تم القضاء عليه من خلال حملات التلقيح كان الجدري ، والذي أُعلن استئصاله تماماً عام 1980م ، بينما تجد أمراضاً أخرى كثيرة كالطَّاعون والسل والجذام والحصبة ، التي ضربت البشرية منذ آلاف السنين ، لا تزال منتشرة في بعض مناطق العالم ؛ مما يجعلنا على مفترقِ طرقٍ بين الأملِ بانتهاء “كورونا” وزوالها ، وإمكانية معاودتها من جديد في حال التباطؤ في استخدام اللقاح الخاص بها ، تماماً كما حدث في أمراضٍ كارثية سابقة كشلل الأطفال ، الذي تزداد فرصة عودته في حال تجاهل المطاعيم الخاصة به ؛ إنَّ قصص النجاح الطبي الاستثنائية تعتبر نسبية ، وغير قاطعة ليتم القياس عليها ، ولكنها بالمقابل تبقى في إطارها مساعٍ وجهودٍ طبية تُحترم ، مهما كان النهج الذي تستند إليه.
ليس الخلافُ هنا على وجود كورونا من عدمه ، فالوباء لا شك موجود ، ولا سبيل لنفيه أو عدم الاعتراف به ، وإلا لما قامت الدنيا ولم تقعد على مستوى العالم ، ولما صرفت الدول نظرها عن كل شيء لتتجه إليه ، حتى هزَّ اقتصادها وزلزل منظوماتها الصحية ، وحجب خطوطها الجوية ولبرية والبحرية عن غيرها ، وأباد سُكَّانها ؛ لكن الخلاف يكمنُ في طبيعة هذا الوباء إنْ كان قدراً إلهياً أم فيروساً مصنَّعاً ، ولمصلحة من؟!
بالإضافة إلى ما سلف ، فإننا لو استعرضنا التاريخ الطويل ومراحل تصنيع اللقاحات للأوبئة على مر الزمان ، لوجدنا أنها احتاجت سنين طويلة وجهود وفحوصاتٍ شتى ، وتجارب وتحاليل مخبرية عميقة ، حتى اهتدت إلى تلك اللقاحات ، واستمرت زمناً ليس بقليل لإخضاعها للتجريب والتقييم والتطوير ، لأنَّ الأمر يتعلق بصحة البشرية – التي لأجلها وجد الطب – ولا يؤخذُ في سياقٍ استثماري كالسِّلع ؛ أما ما يتداوله الاعلام الآن من قيام شركتي “فايزر” و “بيونتيك” من تصنيع لقاح ضد “كورونا” وفي غضون أقل من عشرة أشهر من اكتشافها ، فهذا أمرٌ عجيب يضع كثيراً من علامات الاستفهام ، ويثير العديد من الرؤى والشكوك حول مدى مصداقية هذا الاكتشاف ، الذي يجري حالياً الترويج العالمي له قبل اعتماده وفقاً للبروتوكول الطبي ، خاصةً أنَّ الشَّركتين قد اعلنتا أنَّ فعالية هذا اللقاح الجديد تصل إلى 90%.
في نهاية المطاف ، ومهما تكون الأسباب التي تقف وراء وجود هذا الفيروس غير المرئي ، الذي يهدد العالم وحياة الشعوب ، فإنّه مخيف وقاتل ، ولا مناص من مجابهته مبدئياً إلا بالالتزام بكافة وسائل الحماية والوقاية ، والاجراءات الصحية المعمول بها في كافة مناحي الأرض ، لأنَّ النفوس مهما جزعت ، فلابدّ أن يأتي من دونها فرجٌ قريب.