وطنا اليوم – منذ سنين وأنا أحلم ببناء بيت من طين توقاً إلى حياة بدائية.. بضعة شموع تنير بيتا حقيقيا لا تقنية فيه إلا زير ماء معمول من تراب”. هذا ما كتبه الأردني حمد يوسف نزال الذي عاد إلى مسقط رأسه في مدينة المفرق شمال شرق الأردن بعد سنوات من الدراسة والعمل متنقلا بين أوربا والولايات المتحدة الأميركية والخليج.
وقال “وأنا أشيّد بيت القباب في بادية الشام الجنوبية اكتشف أني أمارس عملا فريدا يتعانق فيه الإنسان مع الأرض بتربتها ومائها وقشّها”.
نزال (52 عاما)، حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة غلاسكو الأسكتلندية عام 1998، وعمل مدرسا لمدة أحد عشر عاما وإعلاميا في الولايات المتحدة، ثم مترجما في الإمارات.
بدأ العمل ببيته بعد عودته في 2016، في منطقة “الفدين” التابعة لمحافظة المفرق، على قطعة أرض مساحتها 750 مترا مربعا، واستغرق إنجاز هيكل البناء 24 شهرا.
واصل نزال العمل ثلاث سنوات أخرى حتى يُنجح فكرته، لينتهي به المطاف إلى إتمام منزله ذي الشكل القببي عام 2021، بمساحة 200 متر مربع، دون أن يستخدم فيه أي مادة خراسانية، مقتصرا على مواد أولية هي الطين وقش الشعير والرماد وشعر الماعز.
ومعتمدا على قاعدة تقول بأن “كل تربة صالحة للزراعة لا تصلح للبناء”، انطلق نزال في فكرته عبر استخدام تربة مدينته الجافة ذات الطبيعة الصحراوية، ومستندا إلى خلطة تقليدية استخدمها أبناء منطقته في البناء خلال القرن الماضي.
منزل بخمس غرف، فوق كل واحدة منها قبة، بُنيت بطريقة هندسية اجتهادية، مع اللجوء إلى أصحاب الاختصاص في بعض الأحيان، ولم يعتمد فيها نزال على مقاسات موحدة، لذا فقد راوحت ارتفاعاتها بين 3.5 إلى 7.75 أمتار.
وكانت تكلفة البناء نحو 56 ألف دولار أميركي رغم بساطته، لكن نزال أرجع سبب ارتفاعها إلى وجود بعض الأخطاء، كون العمل تجريبيا، لكنه بدا سعيدا لوصفه البناء بأنه “ملائم للروح والجسد، لاحتوائه على مواد طبيعية”.
أصباغ بسيطة، ونوافذ صغيرة، وأبواب خشبية على الطراز القديم، لم يكن لاختيارها تخطيط مسبق، إذ اعتبر نزال بأن البيت “شكّل نفسه بنفسه”.
خلال فترة وجيزة، تحول البناء البيئي إلى مقصد للراغبين في التدرب على طريقة البناء القديمة، وبات نزال مدربا متخصصا في هذا المجال، ورغم ابتعاده عن الجانب الأكاديمي في تدريس اللغة الإنجليزية، كان في قمة السعادة وهو يقدم خبرته لعدد من المتدربين الذين جاؤوا إليه من داخل المملكة وخارجها.
وأفاد نزال قائلا “بيتي هو أول بناء حديث يُشيد باستخدام الطين، وقد أثبت إنجازه بأنه قابل للعيش البشري وملائم للجسد والروح”.
وأضاف “بناء منخفض التكاليف ومستدام وقابل للحياة طويلا، ويتكيف مع العوامل الجوية، دافئ في الشتاء وبارد في الصيف. ومن المعروف بأن الجدار الطيني كائن حي يتنفس، يتمدد ويتقلص ويُخضع العوامل الجوية له”.
وتابع “الفكرة جاءت كحدس ودون دراسة علمية ولا خبرة عملية، ولكنها أثبتت بأن أفضل طريقة للبناء هي التحالف مع الطبيعة. فوصفة البناء هي مواد الأرض والقش وشعر الماعز والرماد، وهي بمتناول الجميع، ويعود استخدامها للآلاف من السنين”.
واستدرك “هناك مساندة شعبية كبيرة لهذا البناء، لكنني أتمنى من الجهات الرسمية والمعنية أن تنظر له بعين الاعتبار، والتي اقتصر حضورها على دعم معنوي من مديرية ثقافة المدينة. وهذا الجهد يحتاج إلى عمل مؤسسات، رغم أنه جهد فردي، وقد تحول البيت بشكل غير مقصود إلى وجهة سياحية للراغبين بالتعرف على طرق البناء القديمة”.
ويُعد البناء بالقش والطين من الطرق القديمة، ويتميز بأشكال كلاسيكية تفرضها طبيعة المواد المستخدمة، فضلا عن ملاءمتها للبيئة، والتنظيم الطبيعي لمناخها الداخلي، وانخفاض تكلفتها مقارنة بالطرق الحديثة.