كوني جميلة واصمتي

16 يناير 2022
كوني جميلة واصمتي

العميد المتقاعد زهدي جانبك
ما بين 2% للنواب و 5% للاعيان “دَبَّها ابو الحصين وعَشَّرَت”
مخالفة الأعيان للنواب حول التعديلات على طاولة البحث غدا ومن المتوقع اقرارها، هكذا عنونت صحيفة الغد موضوع جلسة النواب غدا، بعد ان وافق الاعيان على كل شيء باستثناء نقطة واحدة لم يوافق عليها مجلس الملك “الاعيان” واعادها الى النواب. وفي حال لم يوافق النواب غدا على تعديل الاعيان ستنعقد جلسة مشتركة لحل الخلاف بينهما.

وحتى لا نضيع بين موثوق غير مضطلع ومضطلع غير موثوق ، ونتوه في زحمة الاحداث عن الموثوق المضطلع، … وقبل ان تبدأ عقلية اللاءات العربية بالتعليق على هذا الخبر. وقبل ان يبدأ الاستعلاء الأجوف الذي لا قاعدة له ولا رجل يمشي بها او يد يبطش بواسطتها بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الامور، او يتدخل الإحساس بالدونية المقيتة التي تدفع الى جلد الذات حتى ينزف الجلد دما وصديدا، فلا يرى الفرد غيره، ولا يحس بأحد سواه، فتخرج الفاظه من ذلك الجزء من الدماغ الذي يسمونه “فيرنيكة” wernicke المسؤول عن قول الكلمات، دون أن تمر هذه الكلمات بساحة “بروكا” broca المسؤولة عن ترتيب هذه الكلمات بشكل مفهوم للجميع، يجب علينا ان نعرف ما هو الخلاف بين المجلسين.

الخلاف ببساطة سيداتي وسادتي الافاضل ينحصر بما يلي:
سينظر مجلس النواب غدا بالمادة 20 من تعديلات الدستور المعادة اليه من مجلس الاعيان التي تقول:
راي النواب: “يمتنع على كل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء مدة عضويته، عن إبرام أي تعاقد أو تأجير أو بيع أو مقايضة أو أي عقد كان مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو المؤسسات العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة أو أي مؤسسة رسمية عامة أو مؤسسة عامة باستثناء من كان مساهماً أو شريكاً بنسبة لا تزيد عن 2 %، وما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك”،

اما رأي الاعيان: فقد قرر مجلس الأعيان زيادة النسبة من 2% إلى 5% مع إضافة الحظر على النائب والعين المساهم في الشركة التدخل بأية عقود مع الحكومة.

هذه هي الحكاية ببساطة ووضوح، وبعد كل الكلام والخصام والقتال بالايدي والارجل تحت القبة وفي كل مواقع التجارة الكلامية، هذا هو اهم ما يشغل مجلس الملك من كل التعديلات الدستورية…. وهذا هو ما يستحق ان يعترضوا عليه من وجهة نظرهم.

اخي المواطن اِرْكِدْ ربابتك، ولا “توخذ حم الموس.”
فقد اعتدنا في عالمنا العربي ان يتجادل الناس حول مباني الكلمات وليس معانيها ونتائجها، واعتدنا على خوض حروب الكلمات، وكذلك على قبول واعلان النصر والهزيمة بالكلمات حتى اصبحت اللغة هي التي تصنع تفكيرنا… وليس الافعال.
وبما اننا اعتدنا ذلك وبما ان العوائد تقلب طباع الانسان ، وتجعله ابن عوائده لا ابن نسبه، فان المنطق يقول اننا اذا اردنا ان لا “نركد ربابتنا” فان علينا ان نستعيد نسبنا ان اردنا ان نغير عوائدنا… وعلينا ان نعمل اكثر مما نتكلم، فلا الاستعلاء الاجوف ولا الدونية المقيتة اخرجانا مما نحن فيه او ما نحن مقبلون عليه من ترتيبات وتغييرات على مستوى الدولة والاقليم.

من لم يؤدبه والداه ادبه الزمان
اذ من السهل جدا، لا بل ان اسهل الخيارات امامنا ان نقول لا لتعديل الدستور … ولا للاصلاح السياسي المعروض امامنا… ولا لكل السلطات التتشريعية والتنفيذية والقضائية… ولكن، الا يجدر بنا اليوم ان نتعلم من الزمان ؟؟؟ اليست اللاءات العربية هي احدى ابتلاءاتنا ان لم تكن اساس الخراب الذي نحن فيه؟؟؟ افلا نعتبر من احداث الزمان؟؟؟ في الفقرة الثالثة من قرارات القمة العربية الرابعة التي عقدت في الخرطوم سنة 1967 على وقع هزيمة العرب الثانية التي اطلق عليها البعض اسم نكسة 67، وسماها البعض نكسة حزيران، وامعانا في الذل او الاذلال سمتها اسرائيل “حرب الايام الستة” وكان العرب قد تسابقوا على تسمية الهزيمة الاولى التي سبقتها حرب النكبة، … وجاءت لاءات العرب الثلاث عام 1967:
“لا سلام مع إسرائيل،
لا اعتراف بإسرائيل،
لا مفاوضات معها”،

وخلال الخمس وستين عاما الماضية ومنذ اللاءات العربية الثلاث المشهورة، وبعد معارك السلام العربية من الخليج “الفارسي” حيث البحرين والامارات الى المحيط حيث مغرب الرباط وما بينهما من جسر الشريعة بوادي عربة وسلام الشجعان عبر السويس، انقلبت اللاءات العربية (بفعل خربوط) الى لاءات عبرية على لسان نفتالي بينيت رئيس الوزراء الاسرائيلي:
لا لقاء مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن،
لا مفاوضات سياسية، كالتي يطالب بها أبو مازن،
لا لدولة فلسطينية مستقلة كالتي يطمح إليها ويعمل من أجلها أبو مازن.

ولم يخرج من بيننا (ابو الحروف) القادر على اصلاح الاعيب (خربوط)، او ربما انه موجود بيننا ولكنه آثر الاحتفاظ بصفات: أهدأ من السكون وأطول من المدة… وتنازل عن صفات أقوى من الشدة وأحدُّ من السين وأسرع من لمح العين…

خلاصة القول:
التعديلات الدستورية مرت، وقوانين الاحزاب والانتخابات ستمر، واذا لم نستيقظ اليوم ونبدأ بالتعاطي مع الواقع بعيدا عن الجعجعة التي لا تنتج طحنا… فاننا سنستيقظ بعد 12 عاما على واقع يحكمه خربوط بقوة الدستور والقانون… اذ بينما نحن نتبارى في رفع اصواتنا باللاءات المقدسة، يقوم الخرابيط (جمع خربوط) باحكام قبضتهم على الحياة الحزبية الاردنية بعد ان تم تسجيل اربعة احزاب جديدة تضاف الى 18 حزبا قيد التأسيس ستنضم جميعها الى ال 48 حزبا القائمة حاليا…. وهؤلاء هم من سيتحكمون برقابنا ما لم نترك ساحات شاشات الهواتف والكمبيوترات وننتقل الى الفعل الميداني الجاد الذي يتعامل مع الواقع … ويسعى الى تغييره.

لننهض، حتى لا تنطبق علينا مقولة للشاعر الفرنسي شارل بودلير: “كوني جميلة واصمتي”.

العميد المتقاعد
زهدي جانبك
مؤسس مركز السلم المجتمعي في الامن العام
نائب رئيس جمعية السلم المجتمعي
عضو الهيئة الادارية لجمعية عون الثقافية الوطنية
zuhdi.janbek@gmail.com