النائب الأسبق أنور العجارمة يكتب: الموازنة العامة 2022 ومسيرة الإصلاح المالي

6 يناير 2022
النائب الأسبق أنور العجارمة يكتب: الموازنة العامة 2022 ومسيرة الإصلاح المالي
  • خلت الموازنة من النتائج  والأهداف الوطنية والرسائل والبرامج الاقتصادية التي تحاكي جوهر ازمتنا.
  • لم أجد في الموازنة ما يعزز قول معالي الوزير أننا في الطريق الصحيح نحو الخروج من ضيق الانكماش الى أفق النمو والانتعاش.
  • عدم احتواء الموازنة العامة على كثير من ايراد مؤسسات الدولة منها “كادبي المؤسسة العسكرية أمانة عمان”
  • عدم ابراز مديونية أموال  صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي والتي بلغت مليارات الدنانير
  • موازنة 2022 هي موازنة حكومة وليس دولة  تسيطر عليها عقلية محاسبية تولي جل الاهتمام لتوازن ركني الايراد والانفاق ارتكازاً على فرضيات إقتصادية يشوبها كثير من عدم اليقين

وطنا اليوم- كتب الخبير الاقتصادي والنائب الأسبق ومقرر اللجنة الاقتصادية د. أنور العجارمة مقالة بعنوان “الموازنة العامة 2022 ومسيرة الإصلاح المالي” وقال:

خلال السنوات الاحدى عشر الأخيرة من المسيرة الأردنية؛ انتهجت الحكومات المتعاقبة مسيرة إصلاح طويلة وتبنت برامج متعددة لصندوق النقد الدولي بهدف تصحيح اختلالات الوضع المالي ومعالجة جوهر ازمة الاقتصاد الأردني المتمثلة بعجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي والمفارقة أن واقع الحال يشير الى نتائج سلبية واستمرار المعاناة  من اختلالات هيكلية وافراط في تمويل العجز بالاقتراض ورافق ذلك سوء توجيه الانفاق ومحدودية تأثير الاستدانة في تحفيز النشاط الاقتصادي، وبعد الاطلاع على الموازنة العامة المجمعة 2022 الموصوفة بالتنموية ومبنية على أساس التوجه بالنتائج ولكني وبكل اسف اسجل ملاحظاتي الاتية:

  • لم أجد في الموازنة نتائج متوخاة او أهدافا وطنية ورسائل وبرامج اقتصادية تحاكي جوهر ازمتنا لمعالجة تنامي عجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي ومحدودية الاعتماد على الذات الى جانب مانتج عن ذلك من تراكم رصيد الدين العام وتنامي نسب الفقر ومعدلات البطالة وتراجع متوسط دخل الفرد وتحجيم القوة الشرائية للمواطن.
  • لم أجد في الموازنة مؤشرات قياس للاستدلال مدى التقدم من غايات الموازنة في معالجة عجز الموازنة ومؤشرات الحد من التوسع بالاقتراض وتحسين متوسط كلفة خدمة الدين ونسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي او حتى مؤشرات لتحسين القدرة الاقراضية للجهاز المصرفي الأردني وغيرها.
  • لم أجد في الموازنة ما يعزز قول معالي الوزير أننا في الطريق الصحيح نحو الخروج من ضيق الانكماش الى أفق النمو والانتعاش ولا بد من تحفيز النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص وبالمقابل لم أجد مؤشرات لتعزيز الجذب الاستثماري او مايحفز القطاع الخاص على الاستمرار والنمو عداك عن تكرار رسائل التهديد في خطاب الموازنة والذي يتطلع لملاحقة متجنبي الضرائب والجمارك رغم مشروعيتها ولا يحاسب القانون متجنبيها مؤكداً على تسبيبها بقصور تشريعي والتلويح في التعديل متى اراد تعزيز الموارد لتغطية اي قصور في الوصول لأرقام الإيرادات المحلية المتوقعة في الموازنة.
  • ان ما خلص له خطاب الموازنة على لسان معالي الوزير بقوله “ان أهم الأسباب الكامنة وراء الاختلالات والتشوهات والتسبب في إضعاف الدور التنموي للسياسة المالية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية يرجع إلى التهرب والتجنب الضريبي والجمركي” مما جعلني بمحل شك من استثناء ادراج حسابات صندوق همة وطن ضمن ارقام الموازنة باعتباره مملوك بالكامل للدولة ويساهم في تحقيق توجهات الحكومة اضافة الى عدم احتواء الموازنة العامة على كثير من ايراد مؤسسات الدولة ومنها ايراد بيع خدمات الامن العام وايراد شركات كادبي وايراد المؤسسة الاستهلاكية العسكرية وايرادات الخدمات الطبية نتيجة خدماتها المأجورة وايراد شراكة القوات المسلحة في شركات الاعاشة وعوائد استثماراتها في السودان وغيرها.
  • الموازنة العامة بشقيها (مركزية ومستقلة) تعتبر بمجملها خارطة طريق لتوجهات مسار الحكومة للإصلاحي والاستجابة لمتطلبات التخلي عن السكون الاقتصادي واحداث أثر إيجابي على الناتج الوطني وزيادة إيرادات الخزينة بما يضمن رفع تنافسية الاقتصاد بحل مستدام وكنت أتوقع تصحيح مسار المالية العامة ليطال تقديم موازنة شمولية للدولة الأردنية ولكن الحقيقة عكس ذلك ولم تشتمل الموازنة العامة على موازنة امانة عمان والبلديات والضمان الاجتماعي وصندوق استثمار اموال الضمان ودون تبرير لوحظ فصل موازنة سلطة المياه وشركة الكهرباء الوطنية عن موازنات المؤسسات المستقلة وهي بمجملها مؤسسات رسمية ومملوكة بالكامل لحكومة المملكة الاردنية الهاشمية كما وفقت عاجزاً عن الاجابة على مبرر فصل مديونية صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي وعدم ابرازها كدين على الدولة.
  • كما ان خطاب الموازنة العامة على لسان وزير المالية جاء متفائلٌ بعودة مسار الاقتصاد الى ما كان عليه قبل الجائحة الا انني احبطت عندما تراجع عن ذلك مبرراً ان اي فشل سيكون له اسبابه وهو يدركها تماماً بقوله “يشهد العالم هيجان أسعار السلع الأساسية مما يشكل حالة ركود إقتصادي مصحوب بالتضخم” ويضيف “توقع قيام الفيدرالي الأمريكي برفع مستويات الفائدة خلال عام 2022 مما قد يؤثر سلباً على مستوى التعافي في العالم كله ومنها الأردن الذي لم يتعافى بعد مما سيؤدي إلى ضربة سلبية” وبالمقابل يستند في تقديرات مشروع موازنة عام 2022 إلى عدد من المؤشرات الإقتصادية الرئيسية ومن أبرزها نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.7 بالمائة بالأسعار الثابتة ونمو صادرات السلع 5.4% ونمو المستوردات بنحو 2.5 % وتراجع عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات إلى نحو 4.5 % من الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق معدل تضخم صحي يبلغ نحو 2.5 % ونمو الإيرادات الضريبية 10.7% والإيرادات غير الضريبية بنحو 9.6 %مؤكداً في ذات السياق على أن التعافي يعتمد على معدلات التطعيم محلياً، وتحسن التعافي على النطاق العالمي اضافة الى إستمرارفتح القطاعات الإقتصادية دون إغلاقات.

وفي النهاية اجد ان موازنة 2022 هي موازنة حكومة وليس دولة  تسيطر عليها عقلية محاسبية تولي جل الاهتمام لتوازن ركني الايراد والانفاق ارتكازاً على فرضيات إقتصادية يشوبها كثير من عدم اليقين وتجاهل مجال مخاطر عدم تحقق فرضياتها مما يترتب عليه فشل مسار الموازنة وبالتالي وضع الدولة امام خيارين احلاهما مر بين مزيد من الدَيِنْ  لتغطية العجز الاضافي او تخفيض النفقات الرأسمالية على اعتبار ان الانفاق الجاري مقنن ومحسوم امره وبالتالي زيادة حدة التشوهات وتكبيد الخزينة والاقتصاد الأردني مبالغ طائلة لن نخرج منها لسنوات وكان الاجدر ان يقدم معاليه مشروعي موازنة احداهما اذا ما تحققت التوقعات وأخرى متحفظة تتوائم مع أسوء الظروف.

حمى الله الاردن ارضاً وملكاً وشعباً