جانبيك يتسأل هل نحتاج إلى دستور جديد؟ كلمة الاردنيات في عنوان الفصل والباب ومحاكمة النوايا..؟

5 يناير 2022
جانبيك يتسأل هل نحتاج إلى دستور جديد؟ كلمة الاردنيات في عنوان الفصل والباب ومحاكمة النوايا..؟

وطنا اليوم – تسأل العميد المتقاعد والكاتب زهدي جانبيك في مقال وصل وطنا اليوم حول التعديلات الدستورية التي يجري التصويت عليها في مجلس النواب، حيث قال جانبيك في معرض تساله هل نحتاج إلى دستور جديد؟
كلمة الاردنيات في عنوان الفصل والباب ومحاكمة النوايا:

الحقيقة ان هذا السؤال هو السؤال الاهم فيما يحدث ما بين الرابع والعبدلي والجندويل ودابوق. وكنت اتمنى ان يكون هذا السؤال هو محور الحوار بدل ان تكون الاردنيات كلمة يختلفون عليها. وبما ان ما كل ما يتمنى المرؤ يدركه … لم تتحقق امنيتي تلك.

الكل مجمع ان ما نمر به مخاض عسير لنقلة نوعية في العمل السياسي الاردني الداخلي منزوع الدسم بعد ان تم افراغ محتواه من الامن والخارجية، هو سبب الخلاف والمعارك. ولا شك ان المتابع لما يجري سيجد بان جميع اطراف المعادلة شاركوا في نقلنا الى الحال الذي وصلنا اليه.

فأما اصحاب التعديل ومن والاهم:
فقد كنت قد كتبت عن الدون كيشوت ومحاربته لوهم طواحين الهواء لتحقيق انتصارات وهمية، ولم اعرف يومها ان (طواحين الهواء) ليست وهما وانما حقيقة تقبع هناك بين وصفي التل والمدينة المنورة، وقد استقبلت ستين فارسا من فرسان الدون كيشوت بعد ان استراحوا من معركة القبة الدستورية الوهمية، واليوم وبعد ان هدأ غبار المعركة اعتقد ان كلا الطرفين بحاجة الى مخاطبة العقل بدلا من تفسير النوايا والتوقف عن السير بسكة التمني والبدء برؤية الواقع على حقيقته، وان يخاطبوا الآخر بلغته وليس باللغة التي يفهمها، ينقل عن نيلسون مانديلا قوله:
“إذا تحدثت مع إنسان بلغة يفهمها، فسيدرك عقله ما تقوله. أما إذا تحدثت معه بلغته، فسينفذ ما تقوله الى قلبه.”
وكان الاولى بهم ان يستمعوا لزملائهم الناصحين فلا يسارعوا بالحكم على نياتهم واهدافهم ومقصدهم، وترك ما يحمله كلامهم من نفعٍ، والمبادرة الى البحث في دوافعهم وأسباب معارضتهم ونُصحِهم، فان ليزيد ما نوى ولمعن ما اخذ. (قصة الصحابيون الابن والاب والجد: معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم).

واما من عارض التعديلات:
فقد كان الاولى بالنواب ال 26 الذين عارضوا المادة الاولى من التعديل ومن ساندوهم من النواب الذين تغيبوا طوعا او كرها ان لا يسقطوا بفخ معركة “الاردنيات” وان ينتقلوا منذ اللحظة الاولى الى ضرورة التأسيس لعلاقة مجتمعية إيجابية عنوانها الثقة والترابط والاحترام المتبادل، ومواجهة السؤال الحقيقي: هل نحن بحاجة الى دستور جديد؟ هل نحن بحاجة الى التعديلات الدستورية؟ وكان يجب عليهم ان كانوا حقا يؤمنون بان هناك خطر محدق بالاردن بسبب التعديلات ان لا يشاركوا بهذه المسرحية وان يكونوا مثالا للتضحية بانفسهم ووظائفهم في سبيل حماية الوطن من هذا الخطر وان يتقدموا باستقالة جماعية من الثلاثين نائبا ، وان لا يتراجعوا عنها الا بعد ان تسحب الحكومة ومن والاها مشروع تعديل الدستور نهائيا. ولكنهم للاسف لم يقعلوا ذلك واكتفوا بالجلوس في الجانب الآخر المعارض والضعيف جدا دون سند او حجة او دليل قاطع، ولجؤوا الى اسلوب الدخول في نوايا البشر متناسين أنَّ صلاح نيَّة الشخص أو فسادها ليست بحجَّة في ذاتها (حتى لو ثبتت)، وليست بحجَّة إلا لصاحبها او عليه عند ربِّه سبحانه وتعالى واننا لا ننتزَع النوايا من أصحابها دون التصريح بها، فهذا مما يخالف الشرع والعقل والمنطق… وفي جلوسهم هذا تراجعت اعدادهم مع كل مادة تطرح عليهم حتى اصبحوا سبعة.

وأما ابطال التواصل الاجتماعي:
فان موضوع الخلاف هو الدستور وليس النوايا ولذلك تضغط الامم المتحدة ليس على الاردن فقط وانما على دول العالم اجمع:
فقد جاء في مقدمة الاخضر الابراهيمي لكتاب: “وضع الدستور والاصلاح الدستوري: خيارات عملية”، الذي الفته مجموعة من القانونيين الممارسين ذوي الخبرات العملية العالمية من العاملين مع منظمة انتربيس Interpeace وهي شريك استراتيجي للامم المتحدة في مجال وضع الدساتير:
(أميل بشدة إلى القول اننا ربما كنا وفرنا على شعب أفغانستان وعلى أنفسنا ما تم بذله من جهد كبير؛ إذ كان من الممكن أن نستخدم دستور 1964 ، ّ بعد تنقيته من المواد المتعلقة “بالملكية” لخدمة أفغانستان على نحو ً جيّد لسنوات عديدة، وكان بالامكان أن يساعدنا هذا الدليل كثيرا في تجنب الاعتماد أساسا على “الهواة الموهوبين”، ناهيكم عما أسميه “المساعدة بدافع التموين” والتي كثيرا ما عجزنا عن صدها.)
“عملية وضع الدساتير، تستوجب تفحص الماضي، والوصول إلى اتِفاقات بين مواطنين ومجتمعات ً كثيرا ما يكونون مرتابين.”
ومن المعلوم ان الدستور هو ابو القوانين وامها بدون منازع. ولذلك تنبهت الامم المتحدة بما تمثله وبمن تمثلهم الى خطورته واهميته في التغيير العالمي عل كافة الجبهات الانسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. بل ويشكل تقديم الدعم لعمليات وضع الدساتير وتغييرها وتعديلها عنصرا بالغ الأهمية في أعمال الأمم المتحدة في مجال سيادة القانون ولذلك تدخل منظمة الامم المتحدة في شراكات كثيرة وتستعين بخبرات كبيرة لنشر وتعميم المبادئ الاربعة الاساسية الناشئة عن القواعد والمعايير التي كلفت الامم المتحدة بحفظها وتعزيزها والتي تحرص على نشرها في جميع البرامج على المستوى القطري:
– حقوق الانسان، والمساواة بين الجنسين، وتمكين ُالمرأة .
– التنمية المستدامة والقدرة على التحمل،
– وعدم ترك أي أحد خلف الركب،
– والمساءلة.
وقد كنت عقدت النية ان ابدأ بالكتابة فورا بصلب الموضوع اعلاه، الا ان كلمة (النوايا) بحد ذاتها اشغلتني عما كنت انوي ان اكتبه. اذ لما كتبتها عجبت من نفسي لماذا مالت الى هذا الجمع (جمع تكسير) ؟ ولم تمل الى استخدم كلمة النيات (جمع المؤنث السالم) وهي الاكثر شهرة وانتشارا بين الناس لاشتهار حديث الرسول عليه الصلاة والسلام “انما الاعمال بالنيات”.
وعودة الى الموضوع …
فانه لا يخفى على عاقل متابع للشأن العام أن التحامل على أي مسؤول أو صاحب رأي او أي جهة أو جماعة رسمية او شعبية، والاستغراق العميق في محاكمة نوايا الناس على كافة مشاربهم الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعرقية واللغوية ، أو لي اعناق مواقفهم وتوجيه كتاباتهم وتصريحاتهم بل وكلماتهم ايضا بطريقة سيئة تقدح في صدقهم ، أو تنتهي إلى تحريك الظنون السيئة ضدهم، وتخوينهم، دونما دليل مادي صريح يقع كله مما يندرج تحت: “إساءة الظن” التي نهانا الله ورسوله عنها كما قال عنها الله سبحانه تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).
ولعل من اهم العيوب التي تلازم التحليل والنقد السياسي الاردني وتحرفه عن اهدافه الموضوعية والاصلاحية، الافتقار إلى حرية الرأي دون تخوين أو تجريم، والذي غالبا ان لم يكن دائما يستند الى التنبؤ بالنوايا او النيات ومحاكمتها وكانها حقيقة ثابتة، وافتراض جرمها ان جاز التعبير، من دون ان يكون هناك جرم في الأساس، ولكنها النية السيئة لمن يفترض نفسه حاكما او حكما على اخلاق الآخر.
وغالبا ان لم يكن دائما يتم ذلك لتسجيل المواقف دون دفع ثمن تلك المواقف او وجود النية اصلا لدفع الثمن. ولا هدف لاصحاب هذا التوجه الا مصادرة حق التفكير المختلف مصادرة تامة مستخدمين جرعة التخويف التقليدية وهي الوطن البديل والتوطين والاتهام باللاوطنية أو باللادينية واللااخلاقية للرأي المخالف. ولا شك إن كثيراً من المواقف المتشددة والمتطرفة تقوم في الواقع على نوع من محاكمة النوايا.
وينسى او يتناسى او ربما يجهلون، اؤلئك الذين يحاربون حرية الرأي بالتخوين او التجريم ما قاله سقراط (إن الحرية هي جوهر الدميقراطية) … افلا تشمل هذه الحرية حرية التعبير عن الرأي، بحرية؟؟؟؟
فلنتق الله جميعا بما نقول وبما نظن بالاخرين… ونحب لغيرنا ما نحبه لانفسنا