مقاربة استشراف المستقبل “الميتافيرس” في الهيكلة والتطوير الإداري

5 يناير 2022
مقاربة استشراف المستقبل “الميتافيرس” في الهيكلة والتطوير الإداري

 

بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني

مستشار وخبير اقتصادي 

التحوُّلات العالمية تتجه اليوم إلى فضاء معرفي جديد قوامه الرقمنة، واستشراف المستقبل عبر وسائل معرفية تقوم أساساً على الرشاقة وهيكلة العمل المؤسَّسي بما يتناسب والتوجُّهات العالمية في إنجاز المعاملات عن بُعد من جهة، وتخفيف وتبسيط الإجراءات وهندستها إداراياً ومالياً من جهة ثانية. وقد أضحى التوجُّه العالمي نحو الاستشراف المستقبلي علماً متكاملاً، وخرج إلى حيِّز الوجود بطروحات عالمية مستقبلية، تحت مسمّى الميتافيرس “Metaverse”، وهو منهجية علمية ذات مقاربات تجمع بين علم المستقبل وفضاء التطورات العالمية. وقد أظهرت التطورات العالمية اليوم، أنَّ فضاء العالم الافتراضي لم يعد محض خيال، ولا يقتصر على شغفِ إنجاز العمل عن بُعد، أو التحوُّل من العمل الورقي إلى العمل الإلكتروني، ذلك أنَّ التحوُّلات التي يشهدها العالم في فضائه البيئي الأخضر، والمهني المتطور، والوظيفي الحديث، وحتى التنموي الممتد على مساحة عالمية شاسعة، فرضت مجموعة من الاختراقات التي تقوم أساساً على حسن استغلال ما توافر في مسبار سحابات البيانات الكبرى، وما تقدِّمه وسائل التحليل الرقمي، وتَوَسُّع وانتشار العمل بشبكات المعلومات عبر ما بات معروفاً للجميع بإنترنت الأشياء، وعالم الروبوتات، ومنافذ سحابات تخزين البيانات غير المحدودة بنطاق أو أحجام. وقد تواءم ذلك مع تطوُّرات نوعية في سُبل استشراف المستقبل، ليكون علماً متفاعلاً متطوراً يقوم أساساً على التحوُّل من منظومة البيانات إلى فضاء المعلومات، ومن ثمَّ نحو قواعد المعرفة، وانتهاءً باستشراف سُبل المستقبل عبر الحكمة التي توظِّف المعرفة، والتي تخدمها قواعد البيانات الضخمة، وسحابات تخزين البيانات، والذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع المُعزز. وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ استشراف المستقبل، في عالم الميتافيرس، بات قوامه الرشاقة الخلّاقة، التي تبحث بنَهَمٍ عن كلِّ ما يُسهِّل حسن استغلال الموارد الطبيعية والبشرية، وحسن استغلال الوقت في إنجازٍ مميَّزٍ استباقيٍّ مُتطوِّرٍ ومتقدِّمٍ عن كلِّ ما نعرفه اليوم وفي الغد القريب من إنجازات. ميتافيرس، هو الحقيقة الواقعة اليوم لقراءة مستقبلٍ متطوِّرٍ يصنعه القادرون على قراءة وتحليل البيانات، وتكوين المعرفة، وهو عالم ما بعد الحداثة، والتطورات الطبيعية نحو فضاءٍ لا سقف له، ولا قيود تمنع الإبحار في سمائه، في نظام اقتصادي بعيد المدى سريع التطوُّر متسارع النفاذ، قوامه أنظمة معلومات تسهِّل تحقيق التنمية، واستغلال النظام المالي والنقدي والتجاري لرفع سوية استغلال العنصر البشري، وإنتاجية الموارد الطبيعية، ومستويات الربط والارتباط مع العالمية، والنفاذ إلى الأسواق، والأذواق، وتحويل وتحوير السلوكيات الفردية والمؤسسية، وفرض أنظمة دفع وتسويات مالية عبر استغلال العملات المُشفّرة، والرقمية، وما بعد الرقمنة من عالم الدفع المالي غير المرئي. 

بقي القول إنَّ التحوُّل نحو هيكلة إدارية حديثة، ترتبط بشكلٍ أساسيٍّ بفضاء استشراف المستقبل من رقمنة وحداثة في زمن الميتافيرس، يتطلَّب من الدول الجادة في التطوير والتحديث الإداري ثلاث خطوات أساسية؛ الخطوة الأولى: إعادة دراسة كافة إجراءات العمل، وتدمير كلِّ ما هو غير ضروري وغير لازم منها، وهي كثيرة ومتشعبة ومتداخلة في العديد من دول العالم النامي. الخطوة الثانية: دراسة كافة الإجراءات والعمليات الحكومية القابلة للتعهيد، Outsourcing، والعمل على تحويلها إلى الجهات المتخصصة القادرة على تنفيذها، إمّا عبر التعهيد الكامل، أو من خلال مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص. وهذا يشمل شتى أعمال الحكومات دون تمييز، بما في ذلك من خدمات عامة في المجالات اللوجستية المتنوعة؛ سواءً في مجال خدمات النقل، أو التوصيل، أو خدمات الرقمنة، أو إنجازات المعاملات الشخصية أو المؤسسية المختلفة، وقد شمل الأمر في العديد من الدول خدمات استخراج الوثائق الشخصية، وخدمات الأمن والحماية لمرافق حيوية تشمل المطارات والمؤسسات الحكومية المهمة. والخطوة الثالثة والأخيرة: التحوُّل الرقمي الكامل لكافة العمليات، بما في ذلك وقف العمل تماماً بالمعاملات الورقية، ووقف المعاملات الوجاهية المباشرة بشكل كبير، والتحوُّل نحو التطبيقات الذكية في كلِّ ما يمكن إنجازه من معاملات، بما يشمله ذلك من تسويات مالية مهما كانت قيتمها النقدية.  العالم يتجه اليوم نحو فضاء تنافسي جديد لا يحتمل التأخير في إنجاز المعاملات، ولا يتطلَّب الاحتكاك المباشر مع دوائر العمل، سواءً في القطاع العام أو الخاص، ولا يتقبَّل إجراءات عمل طويلة ومُعقَّدة. الميتافيرس علمٌ وإجراءاتٌ سيغيِّر طبيعة العالم، ومَن يلحق بالركب فسيتطوَّر، ومن يبقَ بعيداً فسينحدر من دولة نامية، إلى قعر الدول المتخلِّفة، وعلى صنّاع القرار في العالم الاختيار بين التقدُّم، أو التخلُّف، والعالم لن يستوعب المتخلفين لأنه سيكتسحها الاقتصادات العالمية عبر فضاء الرقمنة والحلول الذكية دون استئذان، وقد تفقد الدول استقلالها الحقيقي ليس عبر الاحتلال أو الإنتداب، وإنما لصالح سيطرة سحابية رقمية متطورة غير قابلة للمقاومة أو الصد.