حلاَّق يوردانيم (( لمن يقرأ))

13 ديسمبر 2021
حلاَّق يوردانيم (( لمن يقرأ))

بقلم : سهل الزواهرة

ربما لم يعهد شَعري الذي طارَ غُرابه و عيناي المُحاطة بسور من الزجاج الإجباري منذ ثلاثة عقود و نيف حالًا كالذي افترش البلد طولًا و عرضًا في هذه الأيام العجاف العصية على الفهم و التأويل، المغلفة بغلاف ثمين حوى منتجًا رديئًا توكَّل أمر تسويقه ثلة كتسعة رهط ، ما هذا التناقض المُرهِق الذي نحياه حتى بتنا نبذل كل سويعاتنا في مُطاردة معادلاته الفريدة غير المتوازنة المُشبعة بعناصرٍ و مركباتٍ أعيانا تفاعلها العبثي ، ما الذي أوصلنا إلى تلك التركيبة الجُهنمية و التي جمعت الماء الشحيح و النار باهظة الثمن في وعاء مُهلهل واحد ترسيخًا لعنوان عريض ” الاستثمار في الوهم” و حياكة المستقبل بشعور ذات الغيلان التي وضعتنا في مهب ريح صرصر لن يُهدِّىء من هيجانها كمُ التطمينات و التلاعب بالمفردات البائسة التي تتداعى حروفها في كل شارقة يوم على هذه الجنة التي صورها العقل المنسلخ بأنها ليست إلا ربع صحراء بلا أثر و لا مطر ؟؟ كيف أصبحت كل بقعة كخنساء تبكي صخرها الذي مضى و فقرها الذي عم ، و في ذات الوقت يغلب مديح المتنبي على ذات البقعة مُجلجلًا ثناءً و تسبيحًا بحمدِ الحمداني نهارًا و بنعمِ الإخشيدي مساءً ، كيف أصبح المبدأ لا يلبث في جوف صاحبه أطول مما يلبث الشعر على الرأس حتى يأتيه مقص _سويني تود_ فيزيله و يبث في آذان زبونه المتقلب حكايات عن السياسة و الهوية و كيف أن المبادىء ليست إلا قبورًا لطموح حاملها الحالم ، و يزرع ذلك الحلاق الماكر في ذهن الزبون أن فيجارو و إشبيليتة ليست إلا ضربًا من هزل خُرافي و أن بارتولو هو الأجدر بروزينا و ليس الكونت العاشق ، و يمضي الوطن في بكائية مُتجددة يتفتق فيها الذهن المُحتل عن حروف تذهب بي الى الجزم أن المهدي المُنتظر لن يكون إلا أردنيًا مع أن كل الشواهد تشير إلى أن الدجال خارج فينا لا محالة ، لا بأس فكلا الرجلين يليق بنا و نليق به يوم سلَّمنا أذهاننا و أحلامنا الى وهمٍ زرعه فينا زمَّار هاملن و ألحانه التي فرَّغت الحواري من صبيان الأمل و المستقبل المشرق ذلك الذي تعلو بشائره حينًا فتضرب ديَمَ السماء ثم تذوي أحيانًا مُرتعدةً كشيخٍ ضربت الفاقةُ جيوبَه فأعادته مُرغمًا منكسرًا إلى حليلةٍ و عيالٍ باتوا ليلتهم بأمعاءٍ خاوية كما كل ليلة ، و في الجانب الآخر يتبختر “شاكي” بدلال بقيده الذهبي ليطفىء شموع عُمره المديد و حظه السعيد و تتسابق العائلة المتخمة بالدولار للطبطبة على جسده الرقيق و غمره حنانًا و هدايا ، و ما _شاكي_ إلا كلبٌ خَدمهُ الزمان و احتضنه المكان_ لمن لا يعلم_ !!!!!!
كثيرةٌ هي ضروب اليأس و الظلم و الظلام و كثيرة كذلك بواعث الأمل و العدل و النور و كل يرى الأُمور من مِنظاره و من مكانه، لا أمن مع الفقر و لا أمان مع الجوع ، و التدليس يمُر ليس مهارةٌ بالمُدلِّس بل عادة اعتادها القوم بلسان حال يردد: أننا لن يُؤتى الوطنُ من قِبَلنا و لو أجبرتُمونا على ذلك، فالسفينة لنا و لو خُرقت ألف خرق ، و الجدار لنا و لو أراد أن ينقض فلا بد يومًا أن يبلغ الغلامان أشدهما و يستخرجا كنزهما و تعود حكمة الخضر لتقود ناصيةَ أرضٍ كُتب على بابِ تاريخها : لن تقوم الساعة ….

يوردانيم : الاسم الإغريقي للأردن
طار غراب الشعر : شاب الشعر
السور الزجاجي : النظارة .
الخنساء : شاعرة عربية اشتهرت برثاء أخيها صخرًا
سويني تود : شخصية درامية لحلاق شرير .
فيجارو : حلاق إشبيلية الطيب .
زمار هاملن : بطل أسطورة المانية قام بخطف اطفال قرية هاملن.
شاكي : اسم شائع للكلاب المدللة.
الخضر : رجل صالح اشتهر بالحكمة و طول العمر .