وطنا اليوم:يجد المهتمون بالحفاظ على التحف والمقتنيات التراثية أي شيء يميزها ويضفي عليها صفة الندرة، ومنهم الأردني إبراهيم أحمد نوّار الذي يقتني أصغر نسخة مطبوعة من القرآن الكريم في العالم.
نوّار (62 عاما)، من مدينة السلط (غرب العاصمة عمان)، دفعه حبه لاقتناء الأشياء القديمة إلى إنشاء متحف خاص به، أطلق عليه “متحف التراث الشعبي الدائم”.
متحف متواضع بتجهيزاته وإمكاناته، لكنه غني بموجوداته؛ إذ يضم أكثر من 25 ألف قطعة من مقتنيات مدينة السلط، والتي تعود إلى بدايات القرن الماضي.
هواية نوّار لا تُدرّ له أي مقابل، لكنها بالعكس، دفعته إلى إنفاق عشرات آلاف الدولارات، مقابل الحصول على تلك التحف والمقتنيات من أصحابها، وبات متحفه الخاص عنوانا معروفا للراغبين بزيارة السلط والاطلاع على تراثها عبر معروضات المواطن الأردني الشغوف بالتراث.
من صندوق صغير، أخرج الرجل الستيني كتابا صغيرا بغلاف أخضر، لا يتعدى السنتيمترات، ليتبين أنه نسخة مطبوعة من القرآن الكريم.
من هنا بدأ نوّار الحديث إلى “الأناضول”، قائلا: “هذا المصحف هو أصغر مصحف في العالم، بحسب ما قال لي الخبراء الذين زاروني، فعرضه هو 1.5 سنتيمتر وطوله 2.5 سنتيميتر”.
وتابع: “هم قالوا إن أصغر نسخة مطبوعة على مستوى العالم كانت 1.75 * 2.5 سنتميتر، ولكن هذه النسخة أقل من ذلك، لتكون هي الأصغر”.
المصحف الذي لا يحتوي على أية تواريخ لطباعته، كامل السور مع فهرسه، وذو أوراق رقيقة ودقيقة، مرقم ومزخرف الصفحات، ولا يستطيع أحد قراءته إلا من خلال مجهر مكبر.
وأوضح نوّار أنه حصل عليه من أحد سكان السلط قبل أكثر من 40 عاما، وتحديدا عام 1980، “وكان عمر ذلك الشخص حينها 75 عاما، وما زال على قيد الحياة، ويعد من معمري المدينة”.
وزاد: “عندما أعطاني ذلك الشخص هذه النسخة من المصحف، أخبرني بأنه ورثه عن والده”.
وأشار إلى أن “الكثير من المقالات كُتبت عن هذا المصحف في ثمانينيات القرن الماضي، وتوقع من شاهده من الخبراء أنه عمره يزيد على 100 سنة، وأن طباعته تعود إلى العقود الأولى من القرن العشرين”.
وأردف: “العارفون بتاريخ الورق، أكدوا أن جودتها عالية، ودقيقة التصنيع والطباعة، ولا يمكن لفنيين صناعتها بهذه الدقة، إلا إذا كانوا أتراكا أو إيرانيين، ولكنهم رجحوا الأتراك لأن المصحف مطبوع باللغة العربية”.
ولحبه وتعلقه وحرصا منه على عدم هجر تلك النسخة النادرة من القرآن الكريم، قال نوّار: “تمكنت، وبحمد الله، من قراءة سورة البقرة باستخدام المجهر، واستمرت تلك العملية نحو 10 أيام؛ نظرا إلى صغر خط الطباعة وحاجته إلى التركيز، إضافة إلى سورة الكهف في أحد الجُمَع”.
وتعد مدينة السلط رابع أكبر مدن المملكة سكانا، وسميت قديما بـ “سالتوس”، نسبة إلى القائد اليوناني الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني وبنى فيها معبدا للإله “زيوس” بمنطقة “زي”.
في 27 حزيران الماضي، قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الموافقة على إدراج السلط “مدينة التسامح والضيافة الحضارية” على قائمة التراث العالمي.
وتتميز المدينة بتنوعها الثقافي والديني، وتحتوي على الكثير من المواقع الأثرية والتراثية، وأبرزها بيت السرايا العثماني، الذي أنشأ بمناسبة جلوس السلطان عبد الحميد على العرش عام 1896.