من يقتل فلسطيني الداخل.. ارتفاع مُخيف لأعداد القتلى والجريمة تتعاظم

3 أكتوبر 2021
من يقتل فلسطيني الداخل.. ارتفاع مُخيف لأعداد القتلى والجريمة تتعاظم

وطنا اليوم:تشهد بلدات الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، حالة غير مسبوقة من الفوضى والتوتر بسبب التنامي المُخيف لجرائم القتل والعنف، وارتفاع معدل الجريمة لأراقم قياسية باتت تهدد فعليًا النسيج المجتمعي وتحاول ضربه في مقتل، وسط اتهامات مباشرة لمؤسسة الأمنية الإسرائيلية القائمة على هذه البلدات بالاحتلال بتغذية الجرائم وعدم التحرك لإيقاف نيرانها التي اشتعلت ولم تنطفئ بعد.
“الفاعل مجهول، والقضية قد أُغلقت”، كان هذا هو رد الشرطة الإسرائيلية الأول والأخير لمعظم جرائم القتل التي جرت خلال السنوات الأخيرة في البلدات والقرى الفلسطينية في الداخل المحتل، وهو الأمر الذي أشعل غضب الفلسطينيين، وأبقى دولة الاحتلال المتهم الرئيسي بتغذية الإجرام لتفكيك المجتمع الفلسطيني، وإشغاله عن قضاياه المصيرية بالعنف.
فلا يكاد يُغلق بيت عزاء، حتى يُفتح آخر، لتعكس حجم المأساة التي طالت عشرات العائلات الفلسطينية منذ بداية العام الجاري، حتى أصبح معدل ارتكاب الجرائم، وفق مؤسسات رسمية وحقوقية، ما بين جريمتين إلى ثلاثة كل 24 ساعة، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر ويهدد المجتمع الفلسطيني بأكمله، في وقت تم الكشف فيه رسميًا عن أن معظم عصابات الإجرام في الداخل على صلة بجهاز “الشاباك” الإسرائيلي.
المواطن مهران عبد الرازق مغربي في الأربعينيات من عمره، الذي قتل أول أمس بإطلاق النار عليه في مدينة حيفا بالداخل المحتل ووجدوه ملقى على الشارع وهو يعاني من جروح في أنحاء جسده، كان الرقم 83 في قائمة القتلى الذين سقطوا خلال العام الجاري (2021)، وتعد هذه جريمة القتل السادسة في حيفا منذ مطلع العام الجاري، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا جرائم القتل إلى 83 قتيلا، بينهم 12 امرأة، في ظل تقاعس الشرطة الإسرائيلية في عمليات التحقيق والاتهامات المتكررة للشاباك.
وكان موقع “والا” العبري نشر قبل أشهر تسريبات لضباط في الشرطة اتهموا الشاباك بالتورط في أعمال القتل في المجتمع العربي، لافتين إلى أن غالبية عمليات القتل تأتي بتورط من عملاء سابقين فروا من الضفة والقطاع تجاه إسرائيل.
وكان مراقب دولة الاحتلال قد ذكر في تقرير خاص أصدره في شهر آب/ أغسطس الماضي، أن أجهزة الأمن وخاصة الشرطة و(الشاباك)، فشلوا في منع انتشار واستخدام السلاح غير المرخص في المجتمع العربي، الأمر الذي كان له الأثر الهائل على ارتفاع نسبة الجريمة في الشارع العربي.
ووفقا للمراقب، فإن 1236 رجلا وامرأة في المجتمع العربي قُتلوا في الأعوام 2000 وحتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وخلال العام 2016 قُتلت 30 امرأة عربية، أي 42% من مجمل النساء اللاتي قُتلن في ذلك العام في إسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أنه قُتل في العام الماضي 76 مواطنا فلسطينيًا في جرائم قتل مختلفة، بينهم 14 امرأة.
ويرى مراقبون أن جرائم القتل هذه باتت تهدف إلى تمزيق النسيج المجتمعي للفلسطينيين وسط تشجيع صامت من شرطة الاحتلال التي لا تقوم بأي دور لمنع الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.
المحلل السياسي توفيق محمد من الداخل المحتل يقول إنه بعد اندلاع هبة القدس والأقصى عام ٢٠٠٠ كان هناك قرار غير معلن من الاحتلال بتفكيك النسيج المجتمعي للفلسطينيين، موضحًا أنه قبل هذا العام لم تكن مدن الداخل تشهد مثل هذه الجرائم، ولكن بعد هبة القدس والأقصى والتي شكلت علامة فارقة في الداخل خرج كل الفلسطينيين مع كل انتماءاتهم الدينية والسياسية للدفاع عن المسجد؛ باعتباره رمزا دينيا ووطنيا وفلسطينيا.
واعتبر أن هذا الأمر كان ضوءا أحمر للاحتلال؛ فكان قراره غير المعلن بتفكيك النسيج الاجتماعي لأهالي الداخل، وبدأت بالفعل أحداث العنف تتصاعد بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن شرطة الاحتلال عمدت إلى القضاء على عصابات الإجرام في المدن التي يسكنها المستوطنون كـ “نتانيا” و”كريات شمونة”؛ مبينا أنه في المقابل شهدت مدن الداخل تصاعدا في وجود عصابات الإجرام في كل المدن والقرى ولا يكاد يخلو مكان منها.
وأضاف: “ما يميز العام الجديد هو استهداف قيادات إسلامية كالدكتور سليمان أحمد الذي تعرض لمحاولة اغتيال؛ واغتيال القيادي محمد أبو نجم في يافا”، ورأى أن أذرع الأمن الإسرائيلية بإمكانها القضاء على هذه الظواهر مثل السلاح المنتشر بسهولة؛ ولكنها تتعمد عدم القيام بذلك، مشيرًا إلى أنه قبل أسابيع تمت سرقة ٩٠ ألف رصاصة من معسكر للاحتلال؛ وأن هذه الكمية بحاجة لشاحنات وليس شاحنة واحدة ليتم تحميلها، متسائلا: “أين كانت العيون المراقبة إن وجدت؟”.
وأكد أن الاحتلال معني بوصول الذخيرة لأيدي عصابات الإجرام بالداخل؛ وأن أحد الصحفيين الإسرائيليين قال معقبا على خبر سرقة الرصاصات إنها ستقتل من وُجدت لقتله، أي أنها أعدت لقتل الفلسطينيين سواء بالضفة وغزة أو ستصل لعصابات الإجرام وبالتالي سيقتل بها الفلسطينيون.
وأكد أن ما ينقص مدن الداخل هو فقط وجود القوة الرادعة لهؤلاء لأن القوة الموجودة وهي الاحتلال تشجع وتغض النظر عن الجرائم، لافتا إلى أن التوعية والمحاضرات والندوات ولجان الإصلاح موجودة ولكن تغيب القوة التي تكبح جماح العنف الذي بات سرطانا يتفشى داخل المدن.
بدوره أكد الكاتب الصحفي الفلسطيني سعيد حسنين، أكد وقوف الاحتلال وراء تفشي الجريمة بالداخل المحتل، من خلال تسهيل عملية وصول السلاح للفلسطينيين واقتنائه، وغض الطرف عن حمله من غير ترخيص.
وأضاف “أن كثيرا من عصابات القتل في الداخل على صلة قوية مع (شاباك)، وتحظى بحماية منه، حتى تجعل المجتمع الفلسطيني مفككا، ويأكل بعضه بعضا، وينسى أنه واقع تحت احتلال، وينسى كذلك قضاياه الرئيسية بالقدس والمسجد الأقصى”.
ونبه إلى أن المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل بطبيعته مسالم، وأن هذه الجرائم طارئة عليه”، مردفا: “لو أن أجهزة أمن ما يسمى بالدولة الإسرائيلية، حمت المواطنين الفلسطينيين كما توفر الحماية للإسرائيليين؛ فإن الجريمة بطبيعة الحال ستنخفض إلى أدنى مستوياتها”.
وفي ذات السياق أكدت حركة “حماس” أن تصاعد جرائم القتل بحق أهلنا في الأرض الفلسطينية المحتلة في الآونة الأخيرة مؤشر خطير، وهي جرائم مستنكرة ومدانة وتتحمل مسؤوليتها حكومة الاحتلال، وقال الناطق باسم حماس عبد اللطيف القانوع “صمت حكومة الاحتلال وعدم تدخل شرطتها تجاه ما يحدث دليل أنها تشجع استمرار العنف وجرائم القتل، وتعمل على تعزيزها في أوساط مجتمعنا الفلسطيني في الداخل المحتل بهدف النيل من صمودهم وتفكيك بنيتهم”.
ودعا أبناء الشعب داخل الأرض المحتلة عام 48 إلى المحافظة على النسيج المجتمعي، والتماسك الداخلي، والتصدي لمخططات الاحتلال التي تعزز الجريمة والعنف داخل مجتمعنا الفلسطيني.
يشار إلى أن فلسطينيي الداخل المحتل، الذين أطلق عليهم الاحتلال تسمية “عرب 48″، بينما يعرفون فلسطينيًّا بـ “فلسطينيو 48” أو “فلسطينيو الداخل”، هم من أحفاد نحو 160 ألف فلسطيني بقوا في أراضيهم بعد إقامة دولة الاحتلال في العام 1948. وما زالوا يعيشون داخل حدود دولة الاحتلال، بحدود الخط الأخضر، أي خط الهدنة 1948، ويملكون الجنسية الإسرائيلية.
ويُشكّل فلسطينيو الداخل أكثر من 20 في المائة من سكان الدولة العبرية، الذين يزيد عددهم عن 9 ملايين نسمة.