المواجهة…!

26 سبتمبر 2021
المواجهة…!

زهدي جانبيك

مواجهة سؤال: من هو الاردني؟
هناك مثل شركسي يقول:
Iоф мыублэм блэ хэс. (ад).
ويعني (بتصرف) ان (البدء بالعمل أو بداية العمل تجلس فيه أفعى.)
للدلالة على أن البدايات دائما صعبة، واصعبها بداية مواجهة المشاكل.

الإجابة البسيطة المباشرة على السؤال تأتي في المادة 18 من قانون الجنسية لعام 1928:
“تعني كلمة “الاردني” كل شخص حائز على جنسية شرق الاردن اما بحكم المولد او التجنس او خلاف ذلك”.

الا ان الإجابات التي كنت احصل عليها من الاصدقاء في كافة المواقع الإلكترونية التي طرحت السؤال فيها كانت تضع معايير للجنسية لا يمكن قياسها، وتدل على أنها صادرة عن عاطفة وليس عن علم وقانون،… وبنفس الوقت كانت تدل على مزاجية وتوجه نحو دولة اللا قانون ولا مؤسسية… وتعطي مؤشرا بأن صاحب الإجابة يعتقد انه هو ولا احد غيره يقرر من هو الاردني ومن هو غير الاردني بناء على رأيه الشخصي…. والمحزن في الموضوع ان هذا الرأي يتم منحه دائما غطاء “الانتماء والولاء”… وهاتان الكلمتان أو القيمتان لم يتم ذكرهما لا في الدستور الاردني، ولا في اي قانون من قوانين الجنسية الأردنية ولا مرة واحدة … لا لشيء، الا لانها كلمات مطاطة لا يمكن قياسها واخضاعها للتطبيق العملي القانوني… فهل من يلقي النفايات في الشارع منتمٍ لوطنه، وهل من يسرق الماء والكهرباء منتمٍ لوطنه، وهل من يرتشي منتمٍ لوطنه ، ومن يختلس ، ومن يستعمل سيارة الحكومة لاغراصه الشخصية، ومن يغش، ومن يهمل بعمله وووو… الخ…. وهل يصبح من يرتكب هذه الجرائم غير أردني لضعف انتمائه؟؟؟ ومن الذي يقيس درجة الانتماء؟؟؟

قد يعتقد البعض ان هذا التعبير (المواجهة) جزء من ادبيات الحرب والمعارك فقط. لكنه أيضا الجزء الأهم في ادبيات الإدارة ، خاصة في إدارة الأزمات والمخاطر وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
مواجهة المشكلة جزء اساس من حلها، بل لا يمكن الوصول إلى حل للمشاكل والحد من المخاطر دون تحديد المشاكل والمخاطر الحالية وتلك المتوقعه، وتحديدها ومواجهتها، بدل اخفائها وتجنبها وابقائها كقنبلة موقوتة قد تنفجر في اي لحظة دون سابق إنذار.
خلال الشهور الستة الماضية، وفي العديد من وسائل التواصل الاجتماعي، تعمدت توجيه هذا السؤال: من هو الاردني؟ للوقوف على أراء الاصدقاء وطريقة تناولهم للموضوع. خاصة عندما اربطه بموضوع الانتخابات والقوانين الناظمة لها.
وقد راعني مدى الخشية من تناول هذا الموضوع في نقاش علني، وفي كل مرة (فعليا كل مرة) طرحت هذا الموضوع للحوار كانت تأتيني عشرات الرسائل والاتصالات على الخاص تطلب مني وترجوني وقف الحوار بهذا الموضوع. خوفا من إثارة فتنة.
ادهشني كيف يكون سؤال بديهي بهذه البساطة له في النفوس كل هذه الحساسيات والحسابات، وازعم ان هذه حالة ينفرد بها الأردن عن جميع دول العالم، حيث السؤال فيها عن الانتساب الى الدولة بسيط وسهل ولا ينطوي على اي حساسيات… إلا نحن في الأردن.

الاردني يا سادة ، هو نسبة الى الأردن (النهر) بعكس العديد من الدول التي تأخذ اسمها من اثنية غالبية سكانها، والاردن وطن متعدد الاثنيات.
و الاردني هو نسبة الى الأردن (النهر) بعكس بعض الدول التي اكتسبت اسمها نسبة الى ديانة من يسكنها، والاردن وطن متعدد الديانات.
الاردني نسبة الى الأردن (النهر) بعكس بعض الدول التي اخذت اسمها من اسم لغة من يسكنها، والاردن لغته لغة القرآن.

ومن المتعارف عليه دوليا ان اكتساب جنسية وطن (او دولة) لا يتم الا من خلال الأوجه التالية: الأسلاف، أو الإقامة، أو الولادة، أو الزواج، أو الاستثمار (وهذا وجه جديد من أوجه اكتساب الجنسية).

من الناحية القانونية:
– جاء موضوع الجنسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي نص على حق كل شخص في أن يتمتع بجنسية.

– وجاء أيضا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 ذات الحق.

– وجاء أيضا في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي تعترف بحق كل طفل في أن يكتسب جنسية.

– وقد نصت العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية على الحق في الجنسية ومنها على سبيل المثال: اتفاقية تخفيض حالات انعدام الجنسية لعام 1961،
واتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في المعاهدات لعام 1978،
واتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها لعام 1983،

– الا أن جميع هذه الاتفاقيات شددت على ان الجنسية تخضع أساسا للقانون الداخلي ضمن ما يضعه القانون الدولي من حدود، على أن تراعى على النحو الواجب، في المسائل المتعلقة بالجنسية، المصالح المشروعة للدول والأفراد على السواء.

وامتثالا للشرعة الدولية من جهة، والعرف الدولي من جهة أخرى ، وحفاظا على مصالح الدولة والأفراد قامت إمارة شرق الأردن بوضع اول قانون جنسية أردني عام 1928 مطبقا مبادئ خلافة الدول حيث نص على :
المادة الاولى:
يعتبر جميع الرعايا العثمانيين المقيمين عادةً في شرق الاردن في اليوم السادس من شهر آب سنة 1924 انهم أحرزوا جنسية شرق الاردن.
وتطبيقاً لهذه المادة تعتبر عبارة “مقيم عادة في شرق الاردن” انها تشمل اي شخص اتخذ محل اقامته العادية في شرق الأردن مدة الاثني عشر شهراً التي قبل اليوم السادس من شهر آب سنة 1924.

اي ان كل من كان عثمانيا مقيما في الأردن لمدة سنة عام 1924 فهو أردني…. ان يكون عثمانيا اولا ، ومقيما ثانيا…. وهذه هي ” جنسية التأسيس”….

تعريف الاردني وفق آخر قانون وهو معدل لقانون الجنسية الاردنية لسنة 2020 ويقرأ مع القانون رقم (6) لسنة 1954 المادة (3) :
يعتبر اردني الجنسية:

1. كل من حصل على الجنسية الاردنية او جواز سفر اردني بمقتضى قانون الجنسية الاردنية لسنة 1928 وتعديلاته والقانون رقم 6 لسنة 1954 وهذا القانون .

2. كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/ 5/ 1948 ويقيم عادة في المملكة الاردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20/ 12/ 1949 لغاية 16/ 2/ 1954.

3. من ولد لاب متمتع بالجنسية الاردنية.

4. من ولد في المملكة الاردنية الهاشمية من ام تحمل الجنسية الاردنية واب مجهول الجنسية او لا جنسية له او لم تثبت نسبته الى ابيه قانوناً.

5. من ولد في المملكة الاردنية الهاشمية من والدين مجهولين ويعتبر اللقيط في المملكة مولوداً فيها ما لم يثبت العكس.

6. جميع افراد عشائر بدو الشمال الواردة في الفقرة (ي) من المادة 25 من قانون الانتخاب المؤقت رقم 24 لسنة 1960 والذين كانوا يقيمون اقامة فعلية في الاراضي التي ضمت الى المملكة سنة 1930 .

كلمة مواطن لم يتم ذكرها في الدستور الاردني ولا مرة واحدة ، ولم يتم استخدام وصف الوطنية للأشخاص نهائيا في الدستور الاردني ، لانها قيمة لا تخضع للقياس في السلوك، ولا يمكن أن يتم الصاقها بالسلوك المتغير للانسان… ولكن المشرع استخدمها في الدستور لوصف الأشياء مثل النشيد، العلم، العاصمة، اللغة ، الدفاع ، الاقتصاد… ولم تستخدم الكلمة نهائيا لوصف الإنسان..

الدستور والقانون هو الذي يحدد من هو الاردني ، وما عداهما غثاء كغثاء السيل يذهب جفاء…. وما ينفع الناس هو ما يمكث في الأرض.