#عاجل لماذا اصبحت كلمة لا أثق وغير متفائل هي السائدة في الأردن

20 سبتمبر 2021
#عاجل لماذا اصبحت كلمة لا أثق وغير متفائل هي السائدة في الأردن

وطنا اليوم:أظهرت أرقام وبيانات نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية امس عدم وجود حاضنة اجتماعية حقيقية من أي نوع يمكن أن تدعم مخرجات وتوصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. وتقدم استطلاع موسمي خاص أجراه المركز ببيانات رقمية انطوت على مفاجآت رغم كل عملية التسويق التي رافقت اللجنة وجدول أعمالها؛ فقد صرح 68% من أفراد العينة العامة المختارين باسم الشارع الأردني بأنهم لا يثقون بتلك اللجنة.
وأفاد 69% من المستطلعة آراؤهم بأنهم غير متفائلين بأي نتائج يمكن أن تصدر عن اللجنة، الأمر الذي يعيد التذكير بما سبق أن أعلنه عبر نائب رئيس الوزراء والبرلماني الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، محذراً من عدم وجود حاضنة اجتماعية تحمل اللجنة وتصوراتها وبرامجها، على أهميتها.

تلك النتائج الرقمية من الصعب حسابها باعتبارها حجة على اللجنة أو مكتبها التنفيذي أو حتى رئيسها المخضرم سمير الرفاعي، بقدر ما هي حجة وبنسبة كبيرة على المنطق الذي يفترض بأن الرأي العام الأردني في حالة رضا وتوافق. بمعنى آخر، تعكس هذه الأرقام على نحو سياسي أو آخر وجود أزمة حقيقية، وهي على الأرجح نفس الأزمة التي تطلبت أصلاً وجود لجنة ملكية استشارية عريضة يشكك بعض الخبراء مبكراً ليس بدستورية نتائجها فقط التي تحتاج إلى شرعي برلمانية، لكن بدستوريتها بالمقام الأول
بعيداً عن الجدل الدستوري، كان لافتاً للنظر أن يصدر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الآن تقريره الاستطلاعي المثير بتوقيت غامض عملياً، وحتى قبل الإعلان رسمياً عن عبور توصيات اللجان الفرعية الست من الهيئة العامة للجنة الملكية نفسها
بمعنى أن له صلة مباشرة بجوانب البحث العلمي المنهجي، فقد وجهت لعينة استطلاعية تمثل الجمهور أسئلة محددة بعنوان: هل تثق باللجنة؟ هل أنت متفائل؟ وهي أسئلة وجهت لجمهور لم يقرأ وثائق اللجنة بعد عملياً، كما وجهت زمنياً في توقيت سبق الإعلان عن تلك المقترحات التي قالت اللجنة إنها تنضج لإقرار تحول إصلاحي وسياسي وطني.

الاستطلاع، بصرف النظر عن من خلفيته وعن التوقيت، يساهم ضمناً في محاصرة شرعية ما ستقرره اللجنة، وبالتالي تسليط الضوء على التشكيك الاجتماعي الشعبي بها قبل التوصيات. وهو أمر يمكن النظر إليه من زاوية التسطيح السياسي باعتباره محاولة للتشكيك في اللجنة وتمثيلها الوطني الأفقي عبر ارتداء ثوب الاستطلاع العلمي البحثي. لكن من زاوية أبعد وأعمق سياسياً، يخدم التقرير الاستطلاعي اللجنة في جوهر المسائل؛ فهو يؤشر على أزمة المصداقية مع كل ما له علاقة بالدولة والدوائر الرسمية
وهو يؤشر أيضاً على تلك الحاجة الموضوعية التي يتلمسها القصر الملكي ودفعته أصلاً في اتجاه تشكيل لجنة عريضة من هذا النوع خلافاً لأنه مؤشر ضمني بالتوازي يعمم الحاجة لسلسلة طويلة ومعقدة من اللجان الملكية التي ينبغي أن تعمل بكفاءة ولسنوات فقط لاستعادة ما يمكن استعادته من المصداقية بين الخطاب الرسمي والناس
استطلاع مركز الدراسات المشار إليه هنا يقول ضمناً وبصرف النظر عن الخلفيات والدوافع بأن الذهنية الشعبية الأردنية لم تعد تثق باللجان الاستشارية، بما فيها تلك التي تحمل صفة الملكية، وهو تطور نوعي في آليات الحفر البحثي العلمي السياسي أغلب التقدير أن مركز الدراسات الاستراتيجية كان يقصده من باب لفت النظر إلى حجم الأزمة وتوقف ثقافة الإنكار، فعبارة اللجان الملكية الاستشارية بالنسبة لذهن المجتمع -وحسب الدراسة الاستطلاعية المنشورة، ظهر الأحد- لم تعد محصنة من عكس الثقة والتفاؤل
يحتاج الأمر إلى تفكيك أعمق هنا.

تشكيك

لكن استطلاع الأحد مثير للغاية في ترميزاته ودلالاته، وإذا كان يعبر عن محاولة جديدة لإعاقة اللجنة والطعن بشرعيتها فهو يحقق في المقابل خدمة إضافية لتلك اللجنة، عنوانها تسليط الضوء وبذراع البحث العلمي هذه المرة على حجم أزمة المصداقية بين الدولة والناس، وبتعبيرات أفقية لا تشمل الحكومات والبرلمانات فقط، وبصيغة تبرر الحاجة لما هو أهم من تشكيل لجنة عريضة لتحديث المنظومة السياسية، ثم إشغالها بمحاولات إعاقتها المستمرة سواء في الشارع أو حتى داخل بنية مؤسسات الدولة. في كل حال، تظهر الأرقام التي نشرت أمس ضعف البنية الشعبية التي تتحرك بين حواضنها لجنة شكلت بتعجل وبعدد ضخم لا يبرر من الأشخاص، فكرته تمثيل المكونات أفقياً، وهو أيضاً أمر لا يخص الرفاعي ورفاقه في المكتب التنفيذي بقدر ما يخص المطبخ الذي حاول تنفيذياً تلبية التوجيه الملكي لكنه أخفق بوضوح في كثير من التفاصيل وبصورة دفعت في اتجاه الإيحاء بأن اللجنة نفسها تحتاج إلى لجنة أخرى لتوفير عبور آمن لها وسط المجتمع
لا يمكن في المحصلة التعامل ببراءة بحثية فقط مع الاستطلاع الغريب والمهم أيضاً، خصوصاً أن مجموعة من أركان مركز الدراسات المعني ومؤسسيه ومستشاريه أعضاء في اللجنة الملكية أصلاً، فيما التشكيك بعدم دستورية بعض المقترحات المسربة حتى الآن تحصيل حاصل، وفقاً لما أفاد القطب البرلماني والمشرع البارز صالح العرموطي، وهو يشير إلى بعض ما يقرأ ويسمع من توصيات وتعديلات مخالفة بوضوح للدستور، لا بل لبعض قرارات المحكمة الدستورية
تلك مقتضيات سيشتبك العرموطي وغيره من أعضاء سلطة التشريع مع تفصيلاتها عندما يتم تمرير التعديلات والتوصيات بصيغة قانونية محكمة عبر الحكومة إلى مجلس النواب وممثلي الشعب، حيث الكلمة الأخيرة في التشريع، لا بل الأساسية والختامية، كما يشرح ويوضح منذ أسابيع وعبر وغيرها، سياسي ومشرع مثل الدكتور ممدوح العبادي.