بين العبث و التحريض ترقد هوية …!

5 أغسطس 2021
بين العبث و التحريض ترقد هوية …!

بقلم : سهل الزواهره

سُحقًا لليلٍ استطال و غدا ظله المارق اللعوب قدرًا يضرب أطنابه الثقيلة على أرض يخجل غينيس و أرقامه من مؤشرات بات صبر أهلها مثلًا في السرمدية التي تأبي أن تبوح بأوان تقاعدها.

لعل المصطلحات النطيحة لا تكفي لتوصف حالنا في هذه الأيام المتردية ، أُفق ينوء بحمل أثقاله الجبال و شعبٌ اكتسى بِبُردة مُهلهلة غزت جنباتها ثقوب لا تُحصى، في كل صباح لطمة جديدة حتى أصابت جسد وطن بطوله و عرضه في كل مفاصله، منطق تم تخديره و سوقه كشارف في حارات اعتلى الغلاء و الإفقار شرفاتها الجرداء و تحكم الأبالسة الصغار بنواصيها فلا دخول و لا خروج إلا بصكوك التسليم و الثناء الأعمى، و أصبحنا شخوصًا على هامش مأساة مُلهِمة تعنونت كرائعة فيكتور هوجو.

شخصيا لست معنيًا بتلك العناوين الهوليودية التي تباغتنا ليل نهار بتدافع على شكل ملهاة بتنا نتلقفها بأحضان أم رؤوم لفتاها الغائب دهورًا ، لست معنياً بتائب واشنطن الذي أنجب بعد ذم و عسر وليدا تتراقص كل حواسه مدحًا و امتنانا و ندمًا ، و لا بعرش كسرى الذي تنازعته العقول المثقوبة قبل الأجساد الغاضبة في مشهد يكفينا لنعلم الى أين وصلنا افلاسًا و سطحية ، و لا بلجنة الغفلة التي ادخلتنا في حسابات الفلك و مسابقة نفسها في حلبة بلا خط بداية و لا نهاية لها و لا حتى طريق يشابه مسار ذلك الكائن السريع الذي توهمناه تنينًا فإذا به عشرة سنوات شقت عمان و تلاعبت بمساراتها دون أثر أو قيمة .

كل ذلك لا يعنيني و غيره، و قد تم و فاض كأسه المُعَتَق و أغرق ادمغتنا المُرهقة فسادًا و استبدادًا، و زينه بقبح تحريض يتطاير بكل الإتجاهات مرسخًا كراهيةً للذات و قنابل موقوتة ندحرجها صوب كل من لا يعجبنا أو لا نعجبه، و لم يبق لنا من حصة أثيرة إلا هوية كلما اشرأبت مُطلةً برأسها المتخم جروحًا كلما لاحقتها ألسُن التبخيس و العجب أن نقول أنا أهل هوية جذورها راسخة و إن بهتت بعض معالمها بفعل هجمات سوء مُبرمجة لم ترى غير هذا الضرب وسيلة لتمرير مياه آسنة على أرض جال الأنبياء و التاريخ في زواياها متلازمين كنديمي جذيمة أو أشد قربا .

هذه الأرض لم تكن يوما ممرًا أو مجرد صحراء برمال تتطاير مع أول هبة ريح أسود ، بل كانت و ستبقى مفصلًا فارقًا في سردية لن تنتهي حتى يلتقم إسرافيل بوقه .

من لا يعرف التاريخ لا يعرف الاردن و المثل بالمثل فالأردن و أهلها مَثَلٌ راسخ غيَّرَ بِمحوريته وجهَ دول و حضارات ، لا نقولها تيهًا و كبرًا و تحويرًا بل هي الحق لمن يقرأ و لمن يعي.

الأردن هي الأردن ستبقى بهذا المُسمى و بشكلها و سيبقى أهلها كما هم، مهما حاولت أيدي العبث تفكيكَ حروفنا و تحويلها الى أسماء أُخرى و سنعاود إحياء هويتنا من تحت ركام التآمر المنقوص أو الديموغرافيا المشبوهة أو التباكي على عدالة عرجاء ستُرَسِّخ ظُلمًا لم يُغلَق بابهُ يوم تمثلنا بقول حاتم الطائي :

و إني لعبد الضيف ما دام ثاويًا

و ما في إلا تلك من شيمة العبد

أهل الاردن لم يكونوا أهل إقصاء و استحواذ و تجبر بل كُنا دوما أهلَ ترحيبٍ و تشاركٍ و تسامح، و لا نفترض من أيًّ كان إلا أن يحترم ذلك و يكُف أحلامَه المَشبوهة عن إراقة آخر ما بقي لنا من هوية و أرض و سماء.

هويتنا الجامعة هي هوية هذه الارض و هذا الشعب و من استظل بظلها فليذُب فيها لا أن نُذيب هويتنا و شكلنا فقط لنرضي مصطلحات مشبوهة و لندخل السرور على قلب وايزمان و جولدامائير في قبورهم أو ليقول فينا بايدن الشعر بلكنته الإيرلندية وتصفق لنا إدارته و ننال الثناء و العطايا .

التابوهات المُحرمة وطنياً يجب أن تُفتح مشرعة و توضع نقاطها على حروفها و في صدرها ” ان الهوية الاردنية هي الأصل و ما دون ذلك تفاصيل دورها ان تذوب في الأصل مَُشكِلةً إثراء و تميز لا ميوعة و طمس.