ذكريات و عِظات الحلقة الرابعة / الصلة المتميزة دائمة بين القصر وجماعة الإخوان المسلمين

16 أبريل 2021
ذكريات و عِظات الحلقة الرابعة / الصلة المتميزة دائمة بين القصر وجماعة الإخوان المسلمين

محمد داودية

* كانت الصلة السرية المتميزة دائمة بين القصر وجماعة الإخوان المسلمين.

* ركزنا في خطة التنمية السياسية على تلازم وتكامل الأمن والديمقراطية.

* تم اغلاق الفضاء في وجه بث التلفزيون الاردني لمناقشات مجلس النواب !!

تتبارى الأنظمة السياسية وتتنافس وتتبازى، تماما كما يتم بين الفرق الرياضية والقوى الاقتصادية والأحزاب والاشخاص.

يأخذ التنافس احيانا شكل التسابق او التراشق. وشكل التلاكم والتلاطم احيانا اخرى.

وتغار الانظمة السياسية كما تغار الضرائر كما حصل معنا في الغيرة المزدوجة الداخلية والخارجية عام 2004.

شرعت في عرض افكار التنمية السياسية في ندوات مكثفة في مختلف المحافظات من اجل استخلاص ابرز عناصر خطة التنمية السياسية.

كنت اقف عاجزا امام بعض الأسئلة التي لها صلة بدائرة المخابرات العامة.

اتصلت مع مدير المخابرات العامة وطلبت ان ترسل الدائرة احد كوادرها للمشاركة محاضرا في بعض اللقاءات والندوات.

جاءنا المثقف الموسوعي صالح الزيودي الذي شارك بحماسة وفاعلية وحيوية فأجاب على اسئلة الحضور بثقة واعتداد وذلك في الندوة الأولى التي عقدتها في مدينة الحسين للشباب بمشاركة دولة عبد الرؤوف الروابدة وجميل النمري وفيصل الشبول.

بعد ايام زارني صالح باشا في الوزارة ينقل الي اندهاش اجهزة مخابرات دول عديدة من هذا الانفتاح النادر، الذين اتصلوا طالبين تقييم التجربة وتزويدهم بالملاحظات الايجابية والسلبية على المشاركة العلنية لرجال المخابرات.

المهم ان الانفتاح الذي ُسجِّل لنا خرقا وامتيازا لما هو سائد وكان مدعاة غيرة من أجهزة مخابرات دول مجاورة وغير مجاورة،

اصبح ايضا مدعاة غيرة داخلية !!

تم وأد مشروع الانفتاح وكانت مشاركة العقل الأمني الاستراتيجي البارز صالح الزيودي تلك، المشاركة الاخيرة !!

2

جرّت الانتخابات النيابية والحوار الديمقراطي وخاصة مناقشات مجلس النواب الأردني الناقدة الصريحة الحارة في التسعينات، استياء ملحوظا من انظمة القرون الوسطى الثيوقراطية والدكتاتورية، التي عمدت الى اغلاق فضائها في وجه البث التلفزيوني المباشر لجلسات مجلس النواب ومناقشاته !!

كان استحداث وزارة التنمية السياسية عام 2003 التي توليت تاسيسها، مدعاة هلع جيراننا كما علمنا. وكان ذلك الإستحداث ذا صلة بغزو العراق واسقاط النظام.

فقد توقعنا مع العالم ان يصبح العراق نظاما ديمقراطيا متقدما. وان يتقدم علينا في هذا الاستحقاق الديمقراطية الضروري. وان نتراجع الى الخلف فنفقد حظوتنا لدى الغرب عموما ولدى اميركا على وجه الخصوص.

وكانت ذلك تنافسا عظيما لانه سيصب في خدمة شعبنا العظيم.

وحين عمدنا الى وضع خطة التنمية السياسية لعام 2004، عرض عليّ أحدهم ان احول مشروع الخطة الى “شركة متخصصة !!” مقابل 70 الف دينار، يضمن هو ان يدفعها الديوان الملكي. وان تتضمن الخطة ما يرضي كل القوى المحافظة وغيرها.

اشتغلت الخطة مع الصديق معالي العين مازن الساكت بكلفة: صفر دنانير. فاتهمني كبار اعداء التقدم والنجاح وخاصة بعض الرسميين، ان الخطة ستسلم البلد الى الاخوان المسلمين. وانني ترجمتها عن الانجليزية، رغم انها كانت ذات لون ومحتوى وطني بحت.

ركزنا في الخطة على اهمية وضرورة تلازم وتناوب وتكامل الأمن والديمقراطية. فالديمقراطية أمن وفق الحسابات الوطنية والدولية الصحيحة.

3

كانت امامنا عقبات جدية تتمثل في شكوك عميقة لدى اجنحة في النظام من جماعة الإخوان المسلمين. وبروز وغلبة تيار الصقور المتشددين في الجماعة. وصلة الحماعة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. والتقية والباطنية ووجود تنظيم سري داخل التنظيم.

كانت الحياة السياسية الاردنية “تتبندل” -من بندول- على حركة ثنائية المخابرات والإخوان.

يمكن الاشارة الى ان جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حركة تحمل ملامح النظام الأردني المتسم بالاعتدال. وسمات المجتمع الأردني المتصف بالوسطية.

فلم يؤخذ على الجماعة أنها نادت بالعنف او رفعت شعاراته بل ظلت حركة سلمية اصلاحية. وكانت في محطات عديدة احدى صمامات أمان النظام الأردني.

ومثل غيرها من الحركات و التيارات الجماهيرية، فقد شهدت الجماعة حراكا وتجاذبات حادة لأسباب مختلفة ذات صلة بضعف منسوب الرأي الآخر وحرية الحركة داخل الجماعة. وبسبب المشاركة او عدم المشاركة في الانتخابات النيابية. وبسبب التجاذب بين البرنامج الاردني والبرنامج الفلسطيني (حماس). و بسبب الاستهدافات التي تتعرض لها حركة استحوذت على نحو 25 % من مقاعد مجلس النواب الحادي عشر و16% من مقاعد المجلس الثاني عشر الذي كنت نائبا فيه.

في الأردن، كان ثمة صلة سرية متميزة دائمة بين الملك الحسين والقصر وبين قيادات الجماعة، تفاوتت بين التنسيق وتوزيع الادوار والتصدي لخصوم النظام و تشكيل مصدات اعلامية صلبة دفاعا عنه. وكذلك الاستعداد للتفاهم وعقد الصفقات والتمتع التام بثمار ذلك.

 تم ذلك في حرص شديد من الملك الحسين على رأب اي صدع في الجماعة ذي منظور اقليمي اردني/فلسطيني والحيلولة دون وقوع اي انشقاق طولاني مؤثر على اعتبار ان الجماعة هم احدى قوى الاحتياط السياسي للنظام، الذي ظل كريما مع الجماعة ووفر لها ملاذات آمنة ورعاية كريمة، في مراحل اضطهادها المصرية الاولى (حادثة منشية البكري واعدام سيد قطب ورفاقه عام 1954) وفي مراحل اضطهادها السورية الثانية (مذبحة حماة 1982).

لا بل اشرك الملك قيادات بارزة من الجماعة في الحكم وزراء واعيانا: محمد اسحق الفرحان، عبد خلف داودية، عبدالله العكايلة، بسام العموش، عبدالرحيم العكور، ابراهيم زيد الكيلاني، علي الحوامدة، يوسف العظم واخرين.

ولأن الماء من شكل الإناء، ولأن النظام الملكي الهاشمي الأردني ظل نظاما متزنا بعيدا عن العنف والدم في ادارة الحياة في بلاده، فقد ظل الإخوان المسلمون متناسبين في ردود فعلهم مع طبيعة النظام وخصائصه. فلم يلجأوا الى العنف كما في الحالتين المصرية والسورية. فتحقق الرشد المتبادل أدى الى التعايش الذي عرفناه في مراحل مختلفة.

تثار قضية القبضة الأمنية في كثير من الأحيان نقدا لتدخل المخابرات في الشؤون السياسية الداخلية !

لقد تدخلت المخابرات في مراحل مختلفة من اطوارنا حياتنا السياسية مما حمى الحياة السياسية ومنع التغول والهيمنة ومغالبة الحكم. وحقق التوازن

4

الحزب الاكبر في مناخ منافسة غير صحي ولا عادل، هو اقرب الى صيغة الحزب الأوحد. وهو عدو نفسه في كثير من المحطات.

هذا الحزب سيستهدف سواء اكان معارضا او مواليا.

استهدف حزب التيار الوطني- عبدالهادي المجالي صالح ارشيدات، حيا القرالة، منير صوبر، عبدالله الجازي، مفلح الرحيمي، محمد الذويب واخرين، عندما اصبح كبيرا، خوفا من تغوله وعدم القدرة على احتوائه وخشية تفرده وفرض املاءاته.

وقد شكا رجالات السلطة والموالاة في لقائهم مع الملك بمنزل المرحوم العين مروان دودين في رمضان- تموز عام 2012 من استهداف حزب التيار الوطني.

واقتبسُ من مقالة الصديق الاستاذ فهد الخيطان 29 تموز في صحيفة الغد الغراء:

“وقد أشار معالي النائب محمد الذويب في اللقاء، اثناء حديثه عن التجربة الحزبية، بمرارة الى دور “جهات رسمية” لم يُسمِّها، في “تكسير” كتلة حزب التيار الوطني في البرلمان.

وقال للملك إن عددا من مرشحي التيار، الذين فازوا في الإنتخابات، أجبروا على التخلي عن عضويتهم في الكتلة”. انتهى الاقتباس.

5

ظلت اللقاءات المنزلية السياسية ولا اقول الصالونات السياسية، احدى ادوات القياس والسبر والاستطلاع الملكي، العفوية غير المتكلفة وغير الرسمية.

وسوف اتناول ثلاثة لقاءات مهمة جدا.

الاول: لقاءات عدة ضمتني وسمير حباشنة مع معالي السيدة ليلى شرف في منزلها. اسفرت عن تكليفنا سمير وانا بالاعداد للقاء نخبة شبابية موسعة مع الملك.

حددنا الأسماء واتصلنا بهم وعقد اللقاء السياسي اللطيف مع الملك اللطيف مساء يوم لطيف.

حضر الملك الى منزل السيدة شرف برفقة الامير زيد. وبعد السلام على الحضور وكان عددنا 18 شخصا، وقف الملك مرسلا نظره الى الغرب وكأنه يناجي القدس والضفة الغربية المحتلة.

تحدث الملك عن جدية العمل لتكريس الديمقراطية وتطوير الحياة الحزبية. وتحديث بلادنا. و تطوير مرفق القضاء. والاهتمام بكل ما يعزز الوحدة الوطنية. وعن الثقافة والصحافة والفن والمسرح والاغنية الوطنية. وعن دعم حقوق شعب فلسطين.

وتحدثنا كلنا باختصار عن ابرز الموضوعات والهموم العامة التي تشغلنا.

اللقاء الثاني: عشاء خاص مع الملك الحسين بحضور الملكة نور وحضور الأمير زيد بن شاكر والسيدة عقيلته في منزل معالي السيدة ليلى شرف عام 1991.

كنا اربعة: سمير حباشنة، زياد مطارنة، احمد الهباهبة وانا.

لقد اشعرنا الملك اننا في منزلنا.

واللقاء الثالث: سياسي مهم مع الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في منزل معالي العين مروان دودين في رمضان 2012 حضره عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية هم: رجائي الدجاني، رجائي المعشر، جواد العناني، بسام العموش، آمنة الزعبي، محمدالذويب، عقل بلتاجي، حماد المعايطة، باسم فراج، سائد كراجة، محمد علي الجعبري، مصطفى فياض وصخر دودين.

وحضر برفقة الملك عامر الفايز ومنار الدباس وعماد فاخوري.

واقتبس من مقالة الصديق فهد التي اشرت اليها اعلاه:

وكان هذا اللقاء الاول في سلسلة لقاءات، تجمع الملك عبد الله بشخصيات من مختلف التلاوين السياسية والاجتماعية وتهدف الى استجلاء الصورة في مرحلة سياسية دقيقة وحساسة وتعكس حرص الملك على الإحاطة بكل الآراء حيال القضايا والتحديات الماثلة.

ومعلوم إن الملك عادة ما يلجأ الى قنوات اتصال غير رسمية مع النخب السياسية، قبل الإقدام على مراجعة السياسات وتبني مقاربات جديدة، من شأنها استعادة تماسك الجبهة الداخلية وترميم جسور العلاقة بين الدولة والمجتمع”. انتهى الاقتباس.

لقد انفتح الملكان الحسين وعبد الله على الشعب ونخبه وقياداته وعقدا آلاف اللقاءات المعلنة وغير المعلنة الموسعة والضيقة في تقاليد عريقة هدفها ابقاء قنوات الاتصال على اعلى حرارتها.