اسلوب ادارة ازمة المؤامرة لتهديد الامن الوطني الاردني

7 أبريل 2021
اسلوب ادارة ازمة المؤامرة لتهديد الامن الوطني الاردني

العميد المتقاعد ايمن المطر

ينشغل الكثير من المواطنين الأردنيين، كما تنشغل وسائل الإعلام الداخلية والاجنبية بمحاولة معرفة ما شهده الأردن من تطورات خلال الايام الماضية، حيث أكدت السلطات الأردنية على أن ما حدث هي مؤامرة لزعزعة الامن والاستقرار الاردني، في حين وصفتها بعض وسائل الإعلام الخارجية بمحاولة انقلاب فاشلة تم وأدها في مضجعها من قبل الاجهزة الامنية الاردنية، في حين يجب وصفها من طبيعة الاستنتاجات التي تم الكشف عنها بانها مؤامرة مترامية الابعاد، معقدة التركيب، ومتداخلة الاطراف لقلب نظام الحكم في الاردن.

ومن خلال تحليل بسيط لهذا الانقلاب او المؤامرة (سمها ما شئت) فان لها تداعيات على العائلة الهاشمية المالكة قد يدخلها في أزمةً داخليّة غير مسبوقة ستؤثر سلباً على الامن الوطني الاردني، وهنا ترسخت القناعات لدى العائلة المالكة بأنّ تفاقم الانقِسامات والصّراعات في صُفوفها سيقوّض شرعيّة حُكمها، وقد نجح سمو الأمير الحسن بن طلال في انهائها ورأب الصدع واعادة المياة الى مجاريها من خلال إقناع سمو الأمير حمزة بتوقيع بيان رسمي تعهّد فيه بالبقاء مُخلصًا للملك ووليّ عهده ومُلتزمًا بالدستور، وهنا تنفس المواطن الاردني الصعداء لانهاء هذا الخلاف بالذات، ولكنه بقى مُتعطّشًا للتعرّف أكثر ويتنظر المزيد من المكاشفة والمصارحة لمعرفة المزيد عن حجم المؤمرة التي كانت تحاك ضد الاردن ومن يقف وراءها.

اعلنت الحكومة الاردنية إن الاعتقالات التي تمت لحوالي 18 شخصاً جاءت لأسباب أمنية بعد متابعة حثيثة ، مشيرة إلى أن التحقيق في الموضوع لا يزال جارياً وهنا لن اتحدث عن الأزمة ولكن اسلوب ادارة الازمة من قبل الجهات الرسمية، حيث بات معلوماً بان ولاء الاجهزة الامنية للأردن والعرش الهاشمي منقطع النظير، وان المواطن الاردني هو مواطن وطني يقف مع امن واستقرار بلاده وقيادته الهاشمية ضد اي مؤامرة خارجية كانت ام داخلية للعبث بامنه واستقراره.

قامت الاجهزة الامنية الاردنية بواجبها الدستوري وهو حماية الاردن ودستوره ومصالحة الحيوية ضد التهديدات والتحديات الداخلية والخارجية، بعد ان نجحت قواتنا المسلحة والتي تتمتع بثقة الشارع الاردني بالتعامل مع الازمة باحترافية عالية، حيث تم اكتشاف المؤامرة قبل عدة اشهر وتابعتها وانتظرت حتى حانت الفرصة المناسبة لاتخاذ الاجراءات المضادة اللازمة للتعامل معها وما جرى من اعتقالات وتحقيقات مع الاطراف المعنية تم باحترافية وسرية تامة، وتحملت انتقاد المواطن المتعطش للمزيد من المكاشفة والصراحة والشفافية، وكان هذا الخيار هو الانسب في ظل الضروف السائدة بدون تهديد الاجراءات الحكومية المتخذة.

أدار عطوفة رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة الازمة من خلال تقسيم الازمة الى قسمين: الاول التعامل مع سمو الامير حمزة بكل أدب ولباقة، سيما وانه جزء لا يتجزء من العائلة الهاشمية وان احترام الامراء هو احترام للهاشميين ومؤسسة العرش التي تقف على رأس منظومة الامن والاستقرار للدولة الاردنية، بعكس البعض من الشخصيات الذين تم استضافتهم من قبل وسائل الاعلام الاردنية ومنهم من كان متحيزأ وجيّش الامر الذي لم يراعي مصالح الاردن العليا في المدى البعيد.

ثانيأ: تم تعامل عطوفة رئيس هيئة الاركان مع باقي اطراف المؤمرة وكل شخص على حدى وحسب دوره بالمؤامرة بمهنية وسرية تامة، فبعض ممن اعتقلوا تم اطلاق سراحهم بعد الانتهاء من التحقيق معهم فوراً، والبعض الاخر وخصوصاً اللاعبين الرئيسيين الذي ما زال التحقيق معهم بشكل موسع والذي من المتوقع ان يفضي الى المزيد من الحقائق عن وقائع وحجم المؤامرة وحجم التدخل الاجنبي ومن يقف ورائها.

لاحظ المتتبع للازمة ان الحكومة فشلت ومن خلال وسائل الاعلام الرسمي في التعامل مع المؤامرة بشكل اعلامي وكان هناك فوضى بايصال الرواية الرسمية للجهات الداخلية ان كان المواطن الاردني او المراسلين الصحفيين المعتمدين بالاردن او حتى الطواقم الدبلوماسية على الساحة الاردنية، وعلى شكل اصدار البيانات الرسمية او بعض المحللين من مسؤولين سابقين الذين تم استضافتهم على بعض المحطات التلفزيونية، ولم يكن هناك رواية رسمية معتمدة لما حدث (official narrative) ، كما فشلوا في كشف حجم التهديد لمنظومة الامن الوطني الاردني وتوضيحها للمواطن ان كان تهديداً للامن السياسي، المادي، المعنوي او الاقتصادي، كما فشلت المؤسسة الاعلامية في اشباع رغبة الشارع لمعرفة وقائع الخطوط العريضة للمؤامرة مما اجبر المواطن الى اللجوء الى وسائل اعلام عربية وخارجية ووسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة التطورات وتفاصيلها بحثًا عن المعلومة لاشباع فضوله، مما فاقم من حجم الاشاعات والاكاذيب التي احيانا لا تمت للواقع بصله حتى اصبحت فوضى اعلاميه مصدر بعضها جهات معاديه. وهنا فعلى الاجهزة الاعلامية ومن اجل استعادة ثقة الشارع تقديم المزيد من المكاشفة عن سير عملية التحقيق بحقائق ومعلومات لا تؤثر على سير التحقيق لكسب ثقة المواطن والتخفيف من حدة الصدمة التي عاني منها منذ بداية الازمة.

     من الدروس المستفادة للازمة ان الاردن سيبقى مستهدفاً، ولمواجة اي تهديد او تحدي مستقبلي يجب ترسيخ الجبهة الداخلية وتعزيزها من خلال تعزيز الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص لاستخدامها كخط الدفاع الاول ضد أي مؤامرة مستقبلية من قبل اسرائيل واي من الاشقاء الاعداء العرب الساعين الى تهميش واضعاف الدور الاردني وتجاوزه وجعله الحلقة الاضعف لتقديم التنازلات لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي من خلال التجويع ومن ثم التركيع، ولكل من دول المنطقة مصالحها العليا التي قد تلتقي احياناً فيما بينها، مما قد تتعارض احياناً مع المصالح الوطنية الاردنية خاصة مع تراجع الحس الانساني والقومي والديني لديها.