د. عادل يعقوب الشمايلة
شهدت الحروب التي خاضتها الجيوش والتنظيمات العربية ضد الكيان الصهيوني تفوقًا إسرائيليًا واضحًا، سواء من حيث العدد أو التسليح أو التدريب أو مستوى الوعي والتعليم، فضلًا عن القدرة على استيعاب التكنولوجيا العسكرية الحديثة. وكانت النتيجة سلسلة انتصارات متتالية لجيش العدو يقابلها سلسلة هزائم مريرة للجيوش العربية.
فعلى سبيل المثال، في حرب 1973، ورغم أن عدد سكان مصر آنذاك كان يزيد على عدد سكان الكيان الصهيوني بأكثر من اثني عشر ضعفًا، وأن سكان سوريا كانوا يزيدون بثلاثة أضعاف، إلا أن حجم الجيش الإسرائيلي وتسليحه كان أكبر من مجموع الجيشين المصري والسوري معًا. ولهذا تمكن من القتال على جبهتين، الجنوبية والشمالية، وخرج منهما منتصرًا.
صحيح أن المفاجأة الأولى للهجوم المصري-السوري مكنت الجيشين من اختراق الخطوط الدفاعية الإسرائيلية، لكن بعد أربعة أيام فقط تمكن الجيش الإسرائيلي من وقف التقدم، ثم اخترق تشكيلات الجيش المصري عبر ثغرة الدفرسوار، وعبر قناة السويس إلى الضفة الغربية دون مقاومة تُذكر، إذ كان الجيش المصري بكامله شرق القناة، تاركًا غربها وحتى العاصمة القاهرة بلا حماية. وكانت النتيجة صدمة عسكرية وفضيحة سياسية رغم بطولات الجيش المصري التي زلزلت الغطرسة والخيلاء الاسرائيلية ومزاعم تفوقها الابدي.
أما على الجبهة الشمالية، فقد نجح الجيش الإسرائيلي في دفع الجيش السوري إلى التراجع وإعادة احتلال الجولان، وهو ما شكّل جرحًا دائمًا في كرامة الجيش والدولة في سوريا. ولولا تدخل القوات الأردنية والعراقية، لكانت دمشق نفسها مهددة بالسقوط.
اليوم، تتكرر الصورة بوجه آخر. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن استدعاء ستين ألفًا من جنود الاحتياط لتعزيز قواته في القطاع، تمهيدًا لإعادة احتلال غزة المحاصَرة برًا وبحرًا وجوًا. وفي الأسابيع التي أعقبت السابع من أكتوبر، تجاوز عدد الاحتياط الإسرائيلي 650 ألف جندي، أي ما يعادل عشرين ضعف مقاتلي حماس، مع فارق هائل في نوعية السلاح وكميته. هذا يثبت أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية ما زالت ترتكز على التفوق العددي إلى جانب التفوق التسليحي.
في المقابل، أعلنت الحكومة الأردنية نيتها تدريب ستة آلاف شاب فقط، ولمدة ثلاثة أشهر، مع بداية تفعيل قانون خدمة العلم العام المقبل. وهو قرار يثير استغراب المواطن الأردني وتساؤلاته، خصوصًا أنه جاء بعد أيام قليلة من تصريحات نتنياهو التي لوّح فيها باحتلال الأردن.
فهل يعقل أن تكون هذه هي الاستراتيجية الأردنية في مواجهة جيش مدجج يتباهى ببطشه من طهران إلى أنقرة، ومن دمشق إلى ضفاف النيل وشرق الجزيرة العربية؟ وهل يُعقل أن يترجم هذا الإجراء المتواضع توجيهات الأمير حسين التي كانت واضحة ومفتوحة بلا قيود ولا سقف؟ متى سترتقي الحكومات الأردنية إلى مستوى تطلعات قيادتها وشعبها؟
من هنا أقترح أن تتحمل البنوك الأردنية، إلى جانب شركتي الفوسفات والبوتاس، تمويل تدريب ودفع رواتب ثلاثة آلاف مجند عن كل جهة، ولمدة عام كامل. وبهذا يمكن تدريب ما لا يقل عن خمسين ألف شاب سنويًا ضمن خدمة العلم، ولمدة أربع سنوات متواصلة. عندها فقط يمكن بناء قاعدة ردع حقيقية قادرة على مواجهة التحديات القادمة.