إجبارية فحص كورونا في المستشفيات والمراكز الصحية يهدد البرامج العلاجية

15 فبراير 2021
إجبارية فحص كورونا في المستشفيات والمراكز الصحية يهدد البرامج العلاجية

وطنا اليوم:لم تتقبل الثلاثينية أم مهند العلي فكرة اجبارية إجراء فحص “كورونا” لها ولزوجها اثناء مراجعتها لمركز صويلح الصحي الشامل لعلاج طفلها الذي يعاني من التهاب في الحلق رفعت حرارة جسمه.
خسر طفلها زيد (12 شهرا) فرصة العلاج على يد أطباء أطفال مختصين وأدوية مجانية من المركز الصحي، لاعتقادها أن الفيروس انتشر في المركز الصحي وسينتقل لا محالة الى أسرتها بخاصة طفلها الرضيع.
وأشارت العلي الى ما وصفته بـ “أزمة ثقة بين المواطن والحكومة تكرس خلال إدارة جائحة عالمية حصدت أرواح ملايين من البشر”، فيما توجهت وزوجها إلى أقرب صيدلية واشتريا مضادا حيويا وخافضا للحرارة.
السبعيني أبو سامر العبادي رفض هو الآخر الخضوع للفحص الاجباري الطبي الذي يمكنه من الحصول على أدويته المزمنة من مستشفى السلط الحكومي الجديد، وعبر عن رأيه بكل صراحة “انا مش مقتنع بهذا الفحص، ولويه يعملوه، بدي آخذ أدويتي الشهرية ضغط وسكري وأروح على بيتي بدون هالمسحة الي خزقت أنفي”.
كان لدى المواطن الأردني أبو سامر حجة قوية بعدم إجراء الفحص، كونه أحد المصابين السابقين بفيروس “كورونا” وقد تماثل للشفاء قبل شهرين “وذاق المر حتى أنجاه الله من الموت” بحسب وصفه لمعاناته مع المرض.
أما الثلاثيني عمار شحادة فقد عبر عن ارتياحه الشديد لهذا الإجراء وزاد من فرحته عندما تلقى رسالة نصية عبر هاتفه الشخصي بأن نتائج الفحص “سلبية”.
وكانت لجنة الأوبئة الوطنية، قررت خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي الزامية اجراء فحص كورونا لكافة مراجعي المستشفيات والمراكز الصحية بهدف الوقوف الفعلي على أعداد الإصابات وحرصا على سلامة كافة المراجعين والكوادر الصحية.
ورغم أن الفحص عن الفيروس المعدي مجانا ولن يتجاوز سوى دقيقة من التقاط مسحة أنفية، يرى خبراء في علم الوبائيات أن هذا الإجراء “غير عملي” ويهدد برامج الرعاية الصحية الأولية والعلاجية للمرضى والمراجعين في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.
وتساءل الخبراء “عن جدوى الفحص الذي تظهر نتائجه في اليوم التالي”، مشددين في الوقت ذاته على استخدام “الصرامة” في مسألة التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات للوقاية من الفيروس وسلالالته المتحورة.
وكان وزير الصحة نذير عبيدات أعلن مؤخرا في تصريح عبر وسائل الإعلام المختلفة “نحن في مرحلة انتشار مجتمعي، وما زلنا نراقب آثار هذه السلالة الجديدة على سرعة انتشار الوباء”، في حين أكد أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة الدكتور وائل الهياجنة “أن الانتشار المجتمعي لكورونا لم يترك بيتا ولا قرية ولا مؤسسة حكومية ولا خاصة، حيث أصبحنا الآن لا نتحدث عن بؤر كورونا، بل عن انتشار مجتمعي واسع لكورونا في الأردن”.
وفيما يرى وزير الصحة الأسبق الدكتور محمود الشياب “ان الفحص خطوة علمية تنعكس إيجابيا على المجتمع والمراجعين انفسهم”، قائلا، “لو كنت في منصبي لاتخذت الإجراء ذاته كونه يعطي مؤشرات دقيقة عن الوضع الوبائي في المملكة ويترتب عليه اتخاذ قرارات مصيرية”.
عبر الخبراء أنفسهم في حديثهم عن مخاوفهم من عزوف الأمهات عن تلقي خدمات الصحة الإنجابية في مراكز الأمومة والطفولة، وتحصين أطفالهن ضمن دورة البرنامج الوطني للمطاعيم من أمراض معدية وبخاصة مطاعيم شلل الأطفال والحصبة والدفتيريا والنكاف بحسب الفئة العمرية للطفل والجرعة المخصصه له.
وطالب هؤلاء الخبراء وزارة الصحة بضرورة إلغاء الفحص الاجباري وتحويله الى إجراء “اختياري”، كي لا يؤثر على تقديم الخدمة للمرضى، باستثناء من قرر الطبيب ادخالهم الى المستشفيات لإجراء عمليات جراحية ومرضى العناية الحثيثة بدون أي مرافقين معهم.
وجاءت مطالبهم، لعدة اعتبارات منها علمية وأخرى اجتماعية، حيث تساءل أستاذ أمراض الأوبئة في جامعة العلوم والتكنولوجيا أنور بطيحة عن جدوى هذا الاجراء بعد أن انتشر الفيروس بين أغلب سكان المملكة.
واقترح بطيحة إلغاء هذا القرار بسرعة واستبداله باتخاذ عينات عشوائية في مناطق مختلفة بشكل شهري لمعرفة مستوى المناعة بين افراد المجتمع، دون اللجوء الى أساليب اجبارية تزيد من منسوب الخوف والقلق لدى المراجعين يدفعهم الى عدم طلب الخدمة وحقهم
في الأدوية المزمنة.
واتفق بطيحة مع خبير في الرعاية الصحية وعلم الوبائيات فضل عدم ذكر اسمه من حيث التراجع عن هذا القرار، لأن الفحص لن يكشف عن إصابة الفيروس سريعا بل يتطلب وقتا وهذا يمنح فرصة لأي مصاب غير مكتشف إصابته بنقل العدوى للآخرين.
واقترح هذا الخبير وهو عضو في لجنة اوبئة وطنية على وزارة الصحة اعتماد إجراء الفحص السريع المعروف بـ (انتيجين) وهو الأسرع على الإطلاق لأنه يقدم النتيجة خلال 15 دقيقة، بجانب إجراء الفحص المعروف (بي سي ار) مسبقا الذي يحتاج من يوم الى يومين للمراجعين الذين لديهم مراجعات دورية أو من لديه أدوية لأمراض مزمنة أو وسائل تنظيم النسل في مراكز الامومة والطفولة.
غير أن الدكتور الشياب أكد ان فحص (بي سي ار) نتائجه دقيقة حتى لو تطلب ساعات طويلة، مبينا “انه بمجرد أن يتلقى المواطن نتيجته عبر هاتفه مباشرة من المؤكد سيتخذ القرار المناسب الذي يحميه ويحمي اسرته”.
مستشفى البشير، عصب المستشفيات الحكومية يجري يوميا حوالي 1400 فحص بشكل يومي للكشف عن فيروس “كورونا” لمراجعي المستشفى وبخاصة لأقسام الإسعاف والطوارئ والعيادات، وفق عضو لجنة الأوبئة الوطنية الدكتور محمود زريقات.
وأكد زريقات وهو مدير مستشفى البشير الحكومي “أن فحص كورونا لا يعيق ابدا تقديم الخدمات العلاجية للمرضى” بل جاء من اجل الاستقصاء الوبائي في المملكة، قائلا “يجب ان نتوسع بإجراء فحص الكشف عن الفيروس في كل مكان”.
وبالنسبة للإجراءات داخل مستشفى البشير، قال زريقات، “في حال ظهور أي اعراض مشابهة لأعراض كورونا يتم إعداد فحوصات دقيقة للمصاب ولا يسمح بمخالطة الآخرين” مؤكدا “عدم اجراء أي عملية او ادخال المرضى إلى غرف العناية الحثيثة قبل ظهور نتائج الفحص الذي يستغرق بالحد الأقصى ساعتين وذلك تفاديا لانتشار الفيروس بين المرضى والكوادر الطبية والتمريضية.”
“كنت محظوظة انا ومرت ابني لأن مستشفى البقعة الحكومي ما طلب فحص كورونا منا لأني خايفة كثير من اني انصاب” بحسب ام حمزه الطيراوي (68عاما) التي توجهت أول من أمس إلى قسم الإسعاف والطوارئ في مستشفى الحسين الحكومي لاجراء صورة أشعة لقدميها بالإضافة الى اجراء فحص شامل للاطمئنان على صحتها.