وطنا اليوم- خاص- كتب محرر الشؤون الاقتصادية- تمثل صفقة استحواذ بنك الاتحاد على البنك الاستثماري محطة مفصلية في تطور القطاع المصرفي الأردني، ليس فقط من حيث حجم العملية وتركيبتها القانونية، وإنما أيضًا من حيث تأثيرها العميق على الأداء البنكي، والاستقرار المالي، ومستقبل التنافسية المصرفية في المملكة. هذه الخطوة، التي جاءت بعد موافقة الهيئتين العامتين غير العاديتين لكلا البنكين في الخامس والعشرين من حزيران 2025، وضعت الأساس لتحول نوعي في بنية أحد أهم البنوك الأردنية، حيث أصبح بنك الاتحاد مالكًا لكامل أسهم البنك الاستثماري مقابل إصدار أسهم عينية لصالح مساهمي الأخير.
يأتي هذا الاستحواذ في سياق سعي بنك الاتحاد إلى تعزيز رأس ماله، الذي ارتفع بعد الصفقة إلى 325.2 مليون دينار، وهو ما يمنحه قدرة أكبر على التوسع في الإقراض وتمويل المشاريع التنموية الكبرى، إضافة إلى دعم توجهاته في الابتكار الرقمي وتعزيز الخدمات المصرفية الشاملة. ومع بلوغ موجودات البنك الموحد نحو 11 مليار دينار أردني، وتجاوز حقوق الملكية حاجز المليار، يصبح الكيان الجديد أحد أكبر الكيانات المصرفية في الأردن من حيث الحجم والقوة المالية.
الدمج بين المؤسستين لا يقتصر على تجميع الأرقام، بل يشكل خطوة استراتيجية لتوحيد الهياكل التشغيلية والتنظيمية والأنظمة التكنولوجية، وهو ما سينعكس على رفع كفاءة الأداء وتقليص التكاليف وتحسين جودة الخدمات المقدمة للعملاء، دون التأثير على استمرارية الخدمات اليومية خلال فترة الانتقال. ومن المؤكد أن التكامل بين الكوادر البشرية في كلا المؤسستين سيخلق طاقات جديدة تسهم في تعزيز موقع البنك الموحد كمؤسسة مالية أكثر مرونة واستجابة لمتطلبات السوق.
الأثر الأوسع لهذه الصفقة يتجاوز حدود البنك ذاته، إذ تشكل نموذجًا متقدمًا في مسار إعادة هيكلة القطاع البنكي الأردني وفقًا للمعايير الحديثة، وهي المرة الأولى التي تتم فيها صفقة استحواذ بهذا الشكل القائم على تبادل الأسهم، ما يفتح الباب أمام عمليات مشابهة بين مؤسسات مصرفية أخرى قد تسعى إلى توسيع نطاق أعمالها وتحقيق نمو مستدام في ظل بيئة مصرفية تتغير بسرعة. كما أن هذه الخطوة ستعزز من استقرار الجهاز المصرفي، وتقلل من التشتت المؤسسي لصالح كيانات كبيرة أكثر قدرة على تلبية حاجات الاقتصاد الوطني في التمويل والاستثمار.
على المستوى الكلي، تعزز هذه الصفقة ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأردني، وتبعث برسائل إيجابية حول كفاءة الأطر التنظيمية والتشريعية التي تتيح مثل هذا النوع من العمليات المعقدة بكل سلاسة وشفافية. كما أنها تدعم جهود النمو الاقتصادي من خلال توفير أدوات تمويل أكثر فاعلية للمشاريع الكبرى، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتوسيع نطاق الخدمات المالية لتشمل شريحة أوسع من الأفراد والشركات.
إن صفقة استحواذ بنك الاتحاد على البنك الاستثماري لا يمكن النظر إليها كحدث مصرفي فحسب، بل هي تحول بنيوي في المشهد المالي الأردني، يؤكد نضج السوق ويعكس إرادة حقيقية في بناء قطاع مصرفي أكثر صلابة، وأكثر قدرة على استيعاب التحديات والتحولات، وأكثر التزامًا بخدمة الاقتصاد والمجتمع في آن واحد.