تهاني روحي
بعد الاستماع لندوة حوارية نظمتها مؤسسة عبدالحميد شومان بعنوان : “ما هو الاصلاح الذي نريده”، جعلتني اكّون انطباعا واضحا بأن الارداة للاصلاح باتت حقيقة وواقعية. بعيدا عن التجاذبات والنقاشات والتغريد خارج السرب أحيانا، الا ان هناك قناعة شبه أكيدة بأننا نحتاج لعقد من الزمان لنرى نتائج الاصلاح على أرض الواقع ان ما رافقه عمل دؤوب وجهد حثيث. فهناك اجماع بأننا لا نريد ان نبقى على ما نحن عليه، لان هذا سيؤدي الى الانفجار، وعلى الناس أن تقتنع بأن ينتخبوا ممثليهم بدون تدخلات وعلى اساس الكفاءة والنزاهة. اذن، نحن بحاجة لخطة واحدة لا تراجع فيها والعشر سنوات امر واقعي لاستعادة الثقة .
وتم التساؤل عن الأوراق النقاشية الملكية وأين هي حاليا ولماذا لم تتحول لنقاش عام في المجتمع خاصة وانها تعتبر خارطة طريق كما قال الاستاذ سائد كراجة- وهو احد المتحدثين في الندوة- . وبالحديث عن لجنة الاصلاح الملكية التي تشكلت قريبا، كان هناك أيضا تساؤل ان كان النص سيغير ذهن أمّة بأكملها؟ وايهما يسبق الثقافة أم التشريع ؟ وهل سيغير بشكل سحري انقلابي في الثقافة التي تشكلت منذ عقود طويلة. فالقانون والتحرك السياسي وحدهما لا يفيد، وهناك حاجة ماسة باجراء اصلاح شامل. وجاء التساؤل اكثر تشاؤميا من احد المتحدثين بأن هذه الفجوة المجتمعية قد حدثت من نتاج المؤسسات التعليمية، وكما نعلم بأن عملية التغيير فيها حداثة كما فيها خاسرون وفائزون.
ولا بد من الاقرار بأن هنالك عوائق مجتمعية وتحتاج لتجربة في الميدان ومن ثم التفكر بها وتكرارها وتطويرها ومن ثم ثباتها وتحتاح لارادة مجتمعية قد تدوم لعشرات السنوات ولكن لا يوجد طرق مختصرة، خاصة وان استعادة الثقة تحتاج لفترة طويلة من التجريب وتحقيق نتائج على ارض الواقع، ان ما عرفنا بأن البرلمان هو اقل مؤسسة يثق فيها الشعب الأردني بحسب د. حسن البراري وهي اقل من 14 بالمئة ولهذا فان القوانين لوحدها لن تكون البلسم الشافي للاصلاح.
وفي حين لا يوجد وصفة واحدة محدودة ولكن نحتاج ان نجذر ثقافة الثقة مرة اخرى في مجلس نيابي يقوم بعملية المشورة في طريقة واعية للبحث والتقصي الجماعي وتعمل على خلق الوحدة لا الانقسام. وبانخراط اعضاء مجلس النواب المنتخبين في المناقشات، يُشجع المشاركون على التعبير عن أنفسهم بكل حرية، وفي نفس الوقت، بكلّ وقار واحترام. لا مجال فيه للتعلّق بالآراء والمواقف الشخصيّة فيما يخصّ المسألة قيد البحث – فالرّأي المطروح لا يعود ملكًا لصاحبه فور طرحه بل يصبح مادة لدى المجموعة لتتبناه أو تعدّله أو تطرحه جانبًا. “وعندما تبسط المشورة وتتفتح يجهد المشاركون في تحديد المبادئ الخُلقية ذات الصلة وتطبيقها. بهذه الوسيلة، وعلى عكس المواجهة التحزّبيّة والجدال، تعمل على تحويل مسار المداولات نحو البؤرة، مبتعدة فيها عن المصالح المتنافسة المتضاربة، دافعة إيّاها إلى ميدان المبادئ حيث تكون الأهداف الجماعية ومسارات العمل أكثر قابلية للظهور والانتشار”.
واخيرا لا بد من التركيز على فئة الشباب في عملية الاصلاح الجارية، لان هذه الفئة العمرية تمثل مصدرًا هائلا للإمكانات الفكرية والاجتماعية التي تنتظر من يقوم بتطويرها وتوجيهها نحو غايات اجتماعية بناءة. ولا يمثل النمو العددي المتوقع لهذه الفئة في الأردن تحديات فقط بل فرصًا متعددة للحكومة ومؤسسات الدولة. ولا يمكن اغافل دور المؤسسات التعليمية في الحديث عن الاصلاح، لانه البداية نحو ضمان تحقيق قدرات الجيل الصاعد في المساهمة في حياة المجتمع، غير أن هذا ليس كافيًا بحدّ ذاته، فلا بدّ من تعزيز الظروف بحيث تتضاعف فرص العمل بشكلٍ جاد ويتم تسخير المواهب، وتصبح امكانية التقدم على أساسٍ من الاستحقاق والجدارة لا التميّز والمحسوبية. فطموحات الشباب السامية وتطلعاتهم العالية تمثّل ائتمانًا لا يملك المجتمع ككلّ – وحتى الدولة في الواقع – تجاهله اقتصادياً أو معنويًا.