وطنا اليوم:”حياة أفضل وكلف أقل وبلاد جميلة ذات فرص واعدة”، إذن لا أسباب سياسية وراء نزوح نخب أردنية ووزراء ومسؤولين سابقين إلى تركيا بعد التقاعد، هكذا وصف الحال مالك إحدى الشركات الخاصة الصغيرة والذي ينوي اللحاق بالركب بعد بلوغ سن التقاعد وتقاضي دخل الضمان الاجتماعي..
يقول مالك مكتب سفر في الأردن، إن تركيا تعوض الأردني عن العناء الذي يواجهه خلال فترة عمله في الأردن وإلى حين الحصول على راتب التقاعد، مشيرا إلى أنها بلاد جميلة ومريحة للسكن، وذات كلف معيشية منخفضة بمراحل عن الأردن، كما ان العيش بها سياحة دائمة.
ويضيف، “عندما يحصل الأردني على تقاعد 1500 دولار (نحو ألف دينار) بعد عمل 30 عاما، في عمّان فهي لا توفر له حياة كريمة كما يجب، لكنها توفر له حياة ممتعة في تركيا، حيث ينفق على الطعام والشراب والعيش اليومي ما لا يزيد عن 500 دولار للعائلة (355 دينارا)، اما المبلغ المتبقي فهو للاستمتاع بالحياة، وهذا ما يبحث عنه أي شخص بعد بلوغ مرحلة التقاعد من العمل.
أما الشروط للحصول على الاقامة في تركيا فهي ليست أمرا صعبا، فتكتفي الدولة هناك بأن تتملك منزلا لتحصل على اقامة تجدد سنويا، وهو أمر يمنح المقيم حقوقا واسعة تقترب من المواطن فلا يحتاج المرئ الى الحصول على الجنسية، حتى وإن أراد تأسيس عمل خاص فيها، إضافة الى توفر البنية التحتية الجيدة لحياة كريمة، إذ تنتشر الحدائق والمتنزهات في كافة الاماكن، وتتوفر كافة مقومات الحياة السعيدة، وفق مالك مكتب السفر.
ولا يقطع الأردني الذي يتجه الى العيش في تركيا صلته ببلاده، فالذهاب والعودة الى تركيا أمر سهل ومتاح بأي وقت، الأمر الذي يجعل الأردنيين يعتبرونها الأفضل للحياة بالخارج.
* احصاءات
كشفت أرقام هيئة الإحصاء التركية أن عدد الأردنيين المقيمن في تركيا بلغ عام 2020، 14 ألفا و260 نسمة بينهم 8300 ذكر مقابل 5960 انثى.
واشترى الأردنييون خلال عام الكورونا 2020 والذي توقف به السفر 1080 منزلا، مقابل 1596 منزلا بيعت للأردنيين عام 2019، و1362 منزلا عام 2018.
وخلال شهر حزيران الماضي اشترى أردنيون 83 منزلا في تركيا ما يعني أن 83 عائلة جديدة حصلت على إقامة، ليرتفع عدد المنازل المباعة لأردنيين خلال النصف الأول من 2021 إلى 436 منزلا.
ووفق الهيئة كان عدد السكان الذين يحملون الجنسية الأردنية في تركيا عام 2019، 19 ألفا و550 نسمة بينهم 11900 ذكور مقابل 7650 إناث.
ويصنف الأردنييون في قائمة الجنسيات الـ10 الأكثر شراء للعقارات في تركيا.
ويذكر أن الطلبة الأردنيين المقيمين في تركيا بهدف الدراسة عادوا إلى عمّان مع بدء جائحة كورونا في عام 2020 الأمر الذي يفسر انخفاض عدد السكان الأردنيين عن عام 2019 بنحو 5 آلاف نسمة.
* العمل
ليس المتقاعدين الذين يعتمدون على دخل ثابت يتلقونه من الأردن وحدهم الذين ينتقلون للعيش في تركيا، بل من يبحث عن فرص أفضل للعمل ايضا.
مواطن أردني انشأ شركة جديدة له في تركيا بعد أن اوقف أعماله في العاصمة عمّان، ابراهيم النجار الذي حزم حقائبه وعائلته وبدأ إقامته في تركيا يقول : إن قصص النجاح الكثيرة لأردنيين حسنوا احوالهم من خلال عملهم هناك هو الدافع الأبرز للشباب للبحث عن اقامة في احدى محافظات تركيا بالرغم من تسجيل قصص فشل ايضا، لكن الأمر يعتمد على دراسة المشروع جيدا قبل الانتقال.
ويضيف النجار الذي عمل قبل تأسيس شركته الخاصة بين الأردن وتركيا، إن أكثر المحافظات التي يتوجه لها الأردنييون هي أزمير وبورصة وأطراف اسطنبول، وذلك لأن التكاليف في اسطنبول السياحية مرتفعة نوعا ما.
أما تأسيس العمل فلم يستغرق سوى 7 أيام كانت فيها كافة الأوراق والتصاريح والموافقات جاهزة، وبدأ تشغيل الاستثمار وفق النجار الذي سجل شركته للعمل بقطاع المطاعم والاستيراد والتصدير، موضحا أن تكاليف انشاء الشركة مقاربة لما هي عليه في الأردن إلا أن الاجراءات أسهل بكثير.
وبين أن عدد لا بأس به من الأردنيين في تركيا يعملون بتخصصات معينة مثل الهندسة، وفنيين في قطاعات المطاعم وغيرها.
* التكاليف
“يمكنك شراء شقة بـ 50 او 60 ألف دينار أردني مساحتها 150 مترا وبمواصفات تضاهي شقق تباع بـ 100 ألف دينار في الأردن وبموقع جيد” وفق ما أكد النجار.
وقال إنه عند السفر الى تركيا يحصل الأردني على اقامة سياحية غالبا ما تكون لمدة سنتين يمكنه السفر والعودة خلالها بأي وقت يشاء، وتكلفه نحو 300 دولار شاملة التأمين الصحي، وعند شراء عقار تتحول إلى إقامة عقار تتجدد تلقائيا، وكذلك عند تسجيل عمل.
إضافة إلى أن تكاليف التعليم مناسبة ايضا حيث يتوفر مجانا في المدارس الحكومية، كما تتوفر مدارس عربية خاصة ومعترف بشهاداتها في الأردن، إلا أنها اغلى نوعا ما، أما التعليم الجامعي فتكاليفه تقدر بنحو 300 – 400 دينار للفصل الواحد في الجامعات الحكومية والتي تقبل الأردنيين بسهولة.
* الحقوق
يقول النجار إن الحقوق المدنية للاجانب في تركيا متساوية بحقوق المواطنين، باستثناء الحقوق السياسية فقط.
وأعتبر أن البلاد تتعامل مع الحقوق على أساس إنساني لا علاقة له بالجنسية، فيمكن للأردني هناك منافسة الاتراك بفرص العمل وتلقي التعليم والحصول على تأمين صحي وتلقي العلاج وغيرها من الحقوق..
* الإقتصاد الأردني
وزير المالية الأسبق عمر ملحس يرى أن هذا الانتقال إلى العيش في تركيا حتى الان لا يؤثر على الاقتصاد الأردني فبالرغم من وجود اشخاص ينفقون رواتبهم التقاعدية التي تصرف من الأردن في تركيا إلا ان الأعداد قليلة ولا تشكل أي نسبة خطر.
ويرى ملحس أن هناك من يعملون ويستثمرون اموالهم في تركيا، وبالتالي تعود كحوالات إلى الأردن، مشيرا إلى أن ما تخرجه العمالة المصرية من أموال بشكل شهري خارج المملكة أكبر بكثير مما يخرجه الأردنيون في تركيا.
وعن انتقال وزراء ومسؤولين سابقين نفى ملحس أن يكون هناك اسباب سياسية لذلك، فيما يرى أن البعض لا يحتمل الخروج من موقع المسؤولية وامتيازاتها الاجتماعية فيقرر أن يعيش في الخارج.
* يستثمرون كل شيء من أجل الاستثمار
الخبير في علم الاجتماع البروفيسور حسين الخزاعي، يرى أن تركيا تستثمر كل شيء من أجل الاستثمار، وتمكنت بذلك استقطاب استثمارت بـ 200 مليار دولار العام الماضي من 176 جنسية بينها الأردنية، فهم يستثمرون حتى زراعة الشعر وفق ما قال.
ويرى أن كافة العوامل المتوفرة في تركيا هي متوفرة في الأردن أيضا، إلا أنها تتميز بانخفاض الأسعار وبالتالي كلف المعيشة، وينطبق ذلك على ايجارات الشقق وأسعار بيعها إضافة إلى الانجاز السريع لمعاملات الاستثمار.
أما عن النخب وأصحاب الرواتب التقاعدية الذين يقررون الانتقال الى العيش في تركيا يقول خبير علم الاجتماع إن اولائك أكثر الناس بحثا عن الحفاظ على رأس المال دون انخفاض، إضافة إلى حاجتهم النفسية لتغيير نمط الحياة والخروج من رتابة العيش في الأردن، كما يبحثون عن الاستثمار منخفض التكاليف وبعيدا عن أعين الناس.
ويضيف أن تركيا توفر أيضا عوامل جذب بجمال طبيعتها وطريقة الحياة فيها، فرغم علمانية الدولة إلا أنها تتيح الدين للمسلمين ويرى الناس المساجد في كل مكان ويسمعون اصوات الآذان من منازلهم، الأمر الذي لا توفره دول اوروبية اخرى قد تتيح مميزات الاستثمار ذاتها، كما أن تركيا تحافظ على العادات والتقاليد العربية، فتوفر بالمحصلة اجواء مناسبة للأردنيين والعرب.
وأشار إلى أن وسائل الترفيه المتاحة أمام الجميع دون قيود، تزامنا مع إنخفاض تكاليفها يعد عاملا آخرا مهما لجذب السكان، خاصة لمن يبحث عن الاستقرار بعيدا عن ذويهم واقاربهم.