وطنا اليوم – أصدرت مؤسسة عبدالحميد شومان المنتدى الثقافي، كتابا بعنوان “الهوية العربية-بين التفتيت والترميم”، وهو عبارة عن محاضرات ألقاها تسعة متحدثين، هم “محمد أبو رمان، هشام غصيب، رضوان السيد، مروان المعشر، فتحي التريكي، علي أومليل، عبدالإله بلقزيز، محمد بن عيسى، خالد الحروب”، بفترات مختلفة.
كتب مقدمة للكتاب الباحث حسن البراري، الذي رأى أن الباحثين يقدمون مقاربات في موضوع الهوية العربية بين التفتيت والترميم، مشيرا الى ما جاء في ورقة الباحث محمد أبو رمان، التي يطرح فيها موضوع الهوية والأمن القومي العربي، مبينا أن الأمن القومي العربي الذي حددته شعارات رفعها عدد من الأنظمة لم يتحقق، وجاءت مؤتمرات القمم العربية من دون قدرة على وضع آليات أو حتى أهداف قابلة للتحقق، ضمن سقف الشعارات المرفوعة، والحق أن هناك تنافرا في بعض الأحيان بين مستلزمات الأمن القومي العربي والأمن الوطني “القطري”، وكثيرا ما تم توظيف شعارات الأمن القومي للتغطية على سياسات داخلية هدفها بقاء الأنظمة.
بينما يتحدث رضوان السيد عن مسألة الهويات الفرعية في ما إذا كانت تهديدا أو شراكة، حيث يشير الى حقيقة أن المجتمعات العربية بدت مندمجة وموحدة في مرحلة الصراع مع الاستعمار. لكن الأمر اختلف مع ترسيخ الدولة الوطنية، وبخاصة بعد هزيمة حزيران في العام 1967، فالدولة الوطنية لم تتمكن من خلق الهوية الجامعة، ولهذا السبب أصبح كل تنافس أو تمايز قابلا للتحول إلى صراع، فالانتماء إلى هويات فرعية شكل تحديا لخلق الهوية المتخيلة التي تحدث عنها “أندرسون”.
وعن مسألة العولمة والهوية الوطنية، جاءت ورقة د. هشام غصيب الذي اعتبر أن العولمة ليست واقعا بل خطاب يحجب حقيقة ما يجري من تغول النظام الرأسمالي، الذي نشأ وتطور، وقد يندثر عالميا، لافتا الى أن النظام الذي دخل مرحلة الإمبرايالية منذ العام 1870، هو من يسعى الى تفتيت الدول إلى هويات متناحرة بغية ضمان السيطرة عليها.
بيما رأى مروان المعشر أن الهوية والمواطنة، هما دعوة إلى عقد اجتماعي جديد يتم التوصل إليه بين مكونات المجتمع، من خلال حوار وطني غير إقصائي وشامل، مبينا أن حل الكثير من مشاكل الأردن يستلزم إصلاحا سياسيا عنوانه التعددية السياسية والديمقراطية، واحترام الدستور الذي ينص على المساواة بين الأردنيين، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو اللغة.
هل يمكن للهوية أن تتأقلم مع التوجهات التعددية لمجتمعاتنا، ومع الطموحات الديمقراطية للشعوب العربية؟ هذه إشكالية تحدث عنها فتحي التريكي، داعيا إلى التجديد الذي يستوجب تفكيك ربط الهوية، بقراءات فاسدة للتراث العربي بشكل عام، والديني بشكل خاص، فثمة إشكالية في الهوية والدين في الثقافة العربية؛ إذ لابد من إعادة صياغة بعض المفاهيم والتصورات اللازمة للتواصل إلى فهم أفضل لانفجار الهويات داخل الإقليم العربي. وهذا بدوره يتطلب، أيضا، إعادة صياغة معالم معاصرة لنهضة عربية تعتمد على التجاوز عن كل الهويات؛ لكن من دون إقصاء أو هيمنة، مؤكدا الاعتراف بالتنوع الخلاق في مجمل الثقافات والهويات المكونة للعالم العربي.
ويرى علي أومليل أن المنطقة العربية لم تتأثر كثيرا بموجات الديمقراطية الثلاث، التي تحدث عنها المفكر الأميركي “صموئيل هنتنتغتون”، إلى أن جاء الربيع العربي وارتفع سقف التوقعات عند الكثيرين. وعلى الرغم من رغبة الشعب في التغير، إلا أن الأحزاب السياسية لم تكن قادرة على قيادة الانتقال الديمقراطي، ما أنتج حالة من الارتداد الى هياكل المجتمع التقليدية، سواء كانت إثنية أو قبلية أو دينية، بمعنى العودة إلى ما قبل الدولة، أو عودة الدول إلى ما دون السياسة التي تؤطرها عادة الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، فالشعب الذي ثار ضد الاستبداد -كما فعل ذلك ضد الاستعمار- قام بذلك موحدا وصفا واحدا في لحظة استثنائية اختفت، وعاد الشعب السوسيولوجي المتنوع والمختلف.
وعند الحديث عن الهوية، فإنه لا يمكن تجاهل تأثير العولمة وإشكالية الأمن الثقافي، كما يذهب إلى ذلك عبدالإله بلقزيز، حيث يميز بين زحف المدنية الأوروبية في أثناء الاستعمار، وقوى العولمة وتأثيرها بالثقافات الوطنية، مبينا أن الاستعمار الأوروبي قام بتدمير البنى الاقتصادية والسياسية، إلا أن تأثيره في البنى الثقافية لم يكن من دون مقاومة، فلم تتعرض البنى الثقافة والاجتماعية في البلدان المستعمرة، للتقويض الكامل كما هو الحال مع البنى المادية، لكن في عصر العولمة اختلف الأمر كثيرا، بعد أن أحدثت العولمة انقلابا كبيرا في التوازنات الكونية، فهي ثورة أطلت برأسها على البشرية بحوامل ثقافية ووسائط جديدة تجلب بالمعلومات والثورة الرقمية.
وتحدث محمد بن عيسى عن دور النخب في الأزمات القائمة ورهانات المستقبل، مشيرا الى أزمات كبرى تتمثل في انهيار الدولة الوطنية هي “انسداد النظام الإقليمي العربي، وتأزم العلاقات في منطقة الجوار الجغرافي “إيران، تركيا”، وتوقف مسارع عملية السلام مع إسرائيل، وتصاعد موجة التطرف الديني”، وهذا كما يرى يطرح تساؤلات حول دور النخب في ما آلت إليه الأوضاع ومسؤوليتها في انتشال الشعوب العربية مما تمر به من محنة كبيرة، تعكس الأدبيات الفكرية العربية دور النخب في عملية الإصلاح والبناء الوطني.
ورأى خالد الحروب أن بناء الدولة الوطنية ما يزال التحدي الأبرز الذي يواجه المجتمعات العربية، مشيرا الى أن ثلاثة سياقات تكوينية للدول الوطني في المنطقة العربية هي “انهيار الدولة العثمانية، السيطرة الاستعمارية التي فرضت حدود الدول وأشكالها، ونزعة العروبة والأفكار الوحدوية خلال الحقبة الكولونيالية”.