بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
لقد اصبح من الضروري اجراء مراجعة شاملة لكافة الجوانب المتعلقة بالعملية السياسية نتيجة التغيرات والصعوبات الكبيرة التي شهدها الأردن ، وأوجه الخلل في القوانين الناظمة للحياة السياسية التي يجب معالجتها من اجل تقويم المسيرة مع بداية المئوية الثانية للدولة، خصوصا مع تزايد الآراء والمواقف المطالبة بالإصلاح وطبيعة الظروف التي تمر بها المنطقة وتداعياتها السياسة والأمنية والاقتصادية وضرورة تمتين جبهتنا الداخلية من خلال سن تشريعات تتوافق عليها مختلف القوى السياسية والاجتماعية، لتشكل ارضية صلبة كقاعدة انطلاق نحو تحقيق اهداف الدولة بما فيها اشراك الناس في إدارة شؤونهم بشكل اكثر وضوحا.
هذه المعطيات جعلت صانع القرار يحزم امره ويوجه بضرورة انطلاق مسيرة الحوار الوطني حول التشريعات الناظمة للحياة السياسية وفي البداية شكك كثيرون بجدية هذا التوجه وانبرت الأقلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتشكل حالة من عدم الثقة بمسيرة الحوار خصوصا مع حالة الارتباك والتعثر في البداية اذ تنقل الملف من النواب الى الحكومة الى ان استقر الامر وقيادة هذا المشروع لدولة الأستاذ فيصل الفايز رئيس مجلس الاعيان، الذي انطلق بما يملكه من قدرة وتصميم وثقة وكاريزما لخلق حالة حوار وطني حقيقي تمكن المشاركون فيه من طرح آرائهم بكل جرأة وحرية.
في الحقيقة لم أشارك في الحوار ولم أُدعى اليه علما بان لي عشرات المقالات التي تصب في هذه الخانة، ولكن تابعت كغيري ما جرى على الساحة وبالصدفة حضرت جانب من جلسة الحوار التي جرت في مجلس الاعيان وشارك فيها نخبة من أهالي معان والعقبة.
وبعد مشاهدتي لحجم الحرية ومسؤولية الطرح وحسن الإدارة وسعة صدر السيد الفايز ايقنت ان الأمور تأخذ طابع الجدية وان قاطرة الحوار لن تتوقف اذا ستحمل الخلاصات الحوارية لتصاغ كقواعد إصلاحية توضع بين يدي صانع القرار ليتم ترجمتها على شكل قوانين ناظمة بأسرع وقت إذ الامر لا يحتمل التأخير.
ملاحظاتي على إدارة جلسات الحوار هي قناعة السيد الفايز بضرورة الحوار وذهب الرجل الى ابعد من ذلك وكان ينتقد الحالة الحكومية والترهل ويظهر الأخطاء الحكومية ويؤكد أهمية معالجة كل الاختلالات، وضرورة تغيير النهج حتى نواكب التقدم في تعزيز الديمقراطية.
صحيح ان عملية الإصلاح مسألة ليست سهلة وطويلة وتحتاج الى وقت والى إجراءات قانونية؛ لكن المهم حجم التشاركية التي حدثت والتي ادلى الناس بآرائهم ليس فقط في مسالة الإصلاح السياسي، بل تعداه الى كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية.
دولة السيد فيصل الفايز نجح الى حد كبير في قيادة دفة الحوار ولأنه منفتح على كل التيارات السياسية بما فيها الحركة الإسلامية سيوفر ذلك بيئة مناسبة لاستخلاص نتائج وتوصيات مهمة توضع بين يدي صانع القرار تفتح عهدا جديدا يواكب طموح الشعب في الديمقراطية والحرية وسيادة القانون ليواكب ما ورد في الأوراق النقاشية لجلالة الملك، التي تم التغافل عنها مدة طويلة من الزمن.
والعبرة بما يترجم الى قوانين ترضي الناس وتؤسس الى حالة حقيقية من الإصلاح المؤسس على قواعد متينة يسود فيه القانون وتجفف منابع الفساد ويمارس الناس مشاركتهم السياسية بحرية ودون أي ضغوط او تدخل ما دام المصلحة الوطنية هي الهدف.
أستاذ العلوم السياسية/ جامعة البترا