بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
تمر الدولة هذه الأيام بمخاض عسير خصوصا مع التوجهات الملكية بضروة الخروج بتشريعات ناظمة للحياة السياسية تكون مقبولة من جميع الشرائح السياسية والاجتماعية، واهمها على الاطلاق قانون الانتخاب الذي تدور حوله إشكاليات كبيرة وانتقادات واسعة لأنه الأساس الذي ينتج عنه البرلمان وفي كل مرة نكون امام مجالس ضعيفة مهزوزة كانت سبباً لازمات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة وكرست الجهوية والعشائرية والمناطقيه وقتلت روح الحياة السياسية وابعدت الشباب وركزت على طبقة البزنس وأصحاب الثروات مما جعل أدائها مشوها ساهم في توسيع فجوة الثقة بين المواطنين ونظام الحكم فتعالت الأصوات في كل المناسبات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة تبني نهج إصلاحي حقيقي يتجاوز كل هذه المشكلات نحو تغيير شامل لا محاذير فيه الا مصلحة الوطن العليا.
جلالة الملك كان قد وجه بشكل واضح ولا يقبل الشك من خلال أوراقه النقاشية منذ سنوات حول آلية الإصلاح السياسي بكل جوانبه وصولا الى الحكومة البرلمانية وهذا يعني تغييرا في النهج القائم ولكن للأسف من افشل هذه الجهود هو حكومات الملك المتعاقبة التي سوفت وماطلت حتى افقدت الأوراق النقاشية بريقها وهذا ما دفع بالمنشغلين بالهم العام الى التردد وعدم ثقتهم بما يجري الان من حوارات بسبب التراجع عن إصلاحات تبنتها لجنة الحوار الوطني قبل سنوات تقريبا وكانت مدعومة من الملك الا انه تم التراجع عنها.
الأردن اليوم على مفترق طرق فلا يجوز اطلاقا ان يبقى يدور في دائرة مغلقة تضع قوى الشد العكسي العصي في الدواليب لتعطل الحركة، ولدينا مئات الالاف من الشباب المؤهلين بالشهادات العلمية ولدينا تاريخ وتجربة عميقة بدأت عام 1928 بأول مجلس تشريعي وتشكلت الاحزاب الوطنية ولعل ماضينا قبل الاستقلال يضيء لنا جانب من العتمة التي تلف طريقة تفكير المسؤولين هذه الايام الذين يدّعون الديمقراطية ولا يؤمنون بها لانها بالتأكيد تنهي نفوذ الفاسدين.
الحالة الاردنية تشير بشكل واضح الى تعثر الحياة السياسية وازدياد السخط الشعبي وحجم التدخل وتزوير ارداة الناخبين التي كرست انطباع لدى المواطن بأن اي انتخابات لن تكون نزيهة وللاسف هذا ما نسمعه حتى من المسؤولين انفسهم، ولن يكون لدينا مجلس نواب فاعل ما دام الطريقة هي الطريقة والوجوه هي الوجوه، وهذه الحالة تحدث عنها كثيرون اصحاب فكر وسياسيون واعلاميون وتناولتها الصحافة الاجنبية بأكثر من مناسبة رافقها بطء في النمو الاقتصادي وازدياد حجم البطالة والفساد ولان الاصلاح السياسي مقدمة حقيقية لاي اصلاح فكان لابد من وضع القاطرة على السكة لتنطلق المسيرة فجاءت دعوة الملك لمراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية.
هذا الملف تدحرج بين النواب والحكومة وُشكلت لجان ثم انطفأت شعلتها وتصدر المشهد فيما بعد رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز الذي قال ان حراكه بمبادرة شخصية اي انه غير مكلف من الملك وهذا يزيد الامر ضبابية بمعنى ان لم تكن مكلف فما قيمة الحوار اذن، علما بأن الرجل له خبرة في هذا المجال واعتقد جازما انه لعب دورا مهما اثناء تشريع قانون نقابة المعلمين عندما كان رئيسا لمجلس النواب، يعني ممكن ان يحقق شيء رغم وجود آراء تشكك بجهود الرجل وتعتبره غير مؤهل لمثل هذه الغاية.
الافكار والاراء التي رشحت من خلال الحوارات التي اجراها السيد الفايز تبشر بشكل مبدئي ان حسُنت النوايا ، وابرز ما رشح عن شكل القانون الجديد سيعتمد القوائم وللمواطن اكثر من صوت والغاء الكوتا ودمجها ضمن القائمة، وهذا مقترح جيد وقد يجري حوار معمق حول هذه النقاط التي اعتقد انها جوهر اصلاح القانون الانتخابي ويا حبذا لو توجه دعوات لمختصين لوضع اكثر من سيناريو لفكرة القائمة ليتم تجاوز بعض العقبات وازالة الشكوك حتى يجري فيما بعد طرح هذه الخلاصات لإخراجها بصورة مشروع قانون ثم اتباع الطرق القانونية لمثل هذه الغاية.
كلمة تغيير النهج القائم لم تعد من المحرمات في قاموس السياسة الرسمية مما يعني ان الفايز لديه رحابة صدر للاستماع لكل الآراء ومناقشتها بما في ذلك تعديل الدستور لضمان الفصل بين السلطات، ولكن تبقى الشكوك قائمة حول نوايا الإصلاح مالم يتم تحديد مدة زمنية للحوار تفضي الى نتيجة ملموسة.
رئيس مجلس الاعيان بما يمتلكه من حضور وثقة على المستوى الرسمي وبما انه شاهد على كل الاختلالات والثغرات التي أدت الى ما نحن فيه سيكون قادراً على ضبط إيقاع كل الأفكار وموازنتها للخروج بتصور يرضي كل الاطراق ويأخذ بمصلحة الدولة بتقوية مؤسساتها من خلال منهج واضح لا مجال للعب فيه وان تكون الدولة ومصلحتها العليا هي قبلة كل القوى والاطياف السياسية دون مزاودة .
استاذ العلوم السياسية جامعة البترا
ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري