القبائل والعشائر الأردنية، الكف الذي يواجه المخرز

26 مايو 2021
القبائل والعشائر الأردنية، الكف الذي يواجه المخرز

بقلم:الكاتبة فايزة عبدالكريم الفالح تكتب
الإتحاد يورث القوة ، وإنّ لإرادة الشعوب قوة ، وعزيمة و سطوة لا تهزم ، و لا تقهر ، وإنتصار غزة على إسرائيل على مدار سبعة عقود ، ما هو إلا عقيدة ثورية هزمت كل المبادئ الماسونية ، و أستطاعت أن تكون بمثابة خنجر في خاصرة الكيان الصهيوني ، ولم يكن بحسبان العدو الغاشم يوما حين أحتل كل المدن الفلسطينية
وعمل على عزل غزة عن فلسطين الأم ، بأنه زرع بخاصرته خنجر مسموم، يدمي قلبه كل حين ،و يُورثه الموت .

ولم تدرك إسرائيل يوما بأنها على خط النار مع أبناء الشعب الأردني ، و أبناء الشعب اللبناني وأبناء الشعب السوري ، كونها على خط التماس معهم ، إلا في آخر ساعاتها الحرجة مع غزة ، حيث عاشت إسرائيل أحلك اللحظات وأصعبها والتي رأتها على وجوه مستوطنيها ، حين دب الرعب والهول في قلوبهم ، حيث وقفت إسرائيل موقفا حرجا أمام الجبهة الداخلية للفصائل الغزاوية الفلسطنية ، لا سيما وهي ترمي بكل قوة صواريخها و نيرانها المؤججة بالموت الزؤام عليهم ،في حين الجبهات الخارجية لأبناء الشعوب العربية المتماسة معها على خط النار ترمي عليهم ، و بكل قوة وسؤدد كلمات الحق المدوية المؤججة بالغضب على مسامع الصهاينة ، مما جعل إسرائيل تلتفت إليهم بأنهم قوة ضاغطة ، وليست مجرد مظاهرات فحسب ، و إنما هي رديفا قويا للفصائل الغزاوية على وجه الخصوص ، و لكل المجاهدين في المدن الفلسطينية ، حيث لا يفصل بينهما سوى حد وهمي ، لا وجود ولا إعتبار له في عيونهم المتقادحة شررا من الغضب والسخط على إسرائيل ، ناهيك عن موقف أبناء الوطن العربي، والعالم الإسلامي ،و العالم الغربي ، مما جعل أعداء الغفلة “الصهاينة” في موقف لا تحسد عليه .

للكرامة موعد لا يخون مع النصر ، و للنصر موعد لا يتقهقر منذ أرتوت أرض الكرامة من دم الشهداء الزكية عليها ، وجُبِلت دمائهم بترابها ، وأنبتت زهور حرة كريمة لا تذبل ولا تموت أبدأ ، و لا زال شذا عطرها يجذب كل حر أردني ، وما زالت سماء الكرامة تَسوق المتراكمات المشبعات بوابل النصر و بِطَلِّ الظفر المتساقط خيرا على أرض الكرامة ، وما زال دوي المدافع يضرب بالمسامع ، و عجاج ساحاتها يكحل العيون ، و رصاص بنادق الجيش العربي تعج بأركان الحدود الأردنية الإسرائيلية .

وما أشبه اليوم بالأمس ، ها هي قوافل أبناء الشعب الأردني من القبائل و العشائر الأردنية تسير جحافلها المقدامة لأرض الكرامة غير آبهة بجبروت
الصهاينة، و بإسطورة جيش الصهاينة الذي لا يقهر
هاهم أبناء القبائل والعشائر الاردنية مسيحيين و مسلمين سطروا على ضفاف النهر أجًلَّ وأعظم نصر حتى وصل مسير رِكابهم ، إلى العاصمة “عمان” من كل حدب وصوب ، حاملين علم فلسطين العربية ، وتجشموا ما تجشموه من عناء ،ومشقة ،مدوية أصواتهم المجلجلة بالحق لتجلجل وتزلزل الأرض من تحت أقدام المستوطنين المحتلين أرض أقدس الأقداس”فلسطين” وتزعزع كيان الجيش الأسرائيلي ، حيث تٌعتبر العشائر الاردنية هي الجبهة الخارجية ، مما كانت رديفا قوي للجبهه الداخلية للمجاهدين الأحرار داخل فلسطين ، وعلى وجه الخصوص جبهة غزة الأبية ، التي سطرت أعتى نصرا في تاريخ الإمة العربية المعاصر ضد أمة الضلال و جيشها الذي كان العالم بأسره يَحسبُ أنه لا يقهر .

إنَّ الجبهة الخارجية مِن أبناء القبائل و العشائر الأردنية والجبهة الداخلية مِن المجاهدين في غزة
قد استطاعوا أن يضعوا قميص الحق على أعيُن العالم ؛ لكي يبصروا بأن الله حق ، و لكي تبصر أعيُن مًن يدعوا بأنهم صٌناع القرار ، بأنَّ معرفة الحق أحق ، و بأن الغضب قادم لا محالة ، وبأنَّ الموت رخيصا أمام عقيدة الإيمان بالله ‘ تعالى’ ، الممتلئة بها صدورهم و مَن أمنوا بالله ورسله – عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – ، ومًن أحبوا شراء الآخرة بالأولى ، معلنين النصر لله و بالله .

رغم أنَّ أبناء القبائل و العشائر الأردنية العربية الذين أعلنوا الإحتجاج والمقاومة،بكل شراسة وسؤدد على الحدود الأردنية الإسرائلية ، كانوا عُزَّل من السلاح إلا أنهم كانوا يمتلكون السلاح الأقوى ، مِن الجرأة والجسارة الكافية ؛ لقول الحق ، وصدى أصواتهم يضرب بالنار على كل معاقل أمة الكفر ، ولعل كلمة الحق المنبثقة من العقيدة الإيمانية،و الشرعية الثورية أقوى وأعتى من كل سلاح ، ضد أصحاب المبادئ الرخيصة المتهاوية ، والذين يعتبرون بأنَّ حشود أبناء القبائل و العشائر العربية الأردنية ما هي إلا فزعة عشوائيه ، وبأنها مجرد تجمعا وتلويحا بالشعارات والتنديد ، و بأنهم يقولون مالا يفعلون في حين أن القمة العربية لوزراء خارجية الحكومات العربية إكتفت بالتنديد بخطابات متوارثة قد حُفظت بأدراج واهية منذ أول تنديد لهم من عام 1948متناسين بأنَّ إذا الشعوب أرادت الحياة ، فلابد بأن يستجيب القدر ، وبأنَّ الشعوب إذا أرادت قولا فعلت ، و نهضت غير أبهة بما تمليه عليهم حكوماتهم ،ولسرعان ما هبّوا لنداء ضمائرهم الحية ، و لعقيدتهم التي لن تموت في صدورهم ، فما خُلقت إلا أن تحيا بأمر من الله تعالى .

هذا هو الشعب الأردني مازال يصنع المعجزات ، رغم شح إمكانياته المادية ، إلا أنه يملك بجانبيه جيش مصطفوي سليل الأمجاد و العروبة، فمعظم أبناء العشائر الأردنية قد نالت شرف الخدمة العسكرية ، فهم يمتلكون روح الجندية الواحدة الباسلة ، المتأهبة دوما لنصرة دينهم ، وعروبتهم ، وما زالت كوكبة الشهداء من الجيش الأردني العربي المصطفوي ، “يستبشرون بالَّذين لم يلحقوا بهم مِّن خلفهم ” ، بإحدى الحسنيين ، النصر أو الشهادة ،ولعل أسوار القدس وضفاف نهر الأردن ، وساحات وقرى فلسطين العربية ، تشهد ببسالة الجيش العربي المصطفوي ، المُنَقَعَة دمائمهم الزكية بجذور ثرى فلسطين ، بإمضاءٍ من أرواحهم التي أرخصوها مِن أجل عقيدتهم ، وكرامة عروبتهم ، والذود عن حِيَاضِ قدسهم بكل غالي ونفيس .

تعتبر القبائل والعشائر الأردنية النسيج الرئيس المكون للمجتمع الأردني حتى قبل تأسيس إمارة شرقي الأردن عام 1921 ، ثم قيام المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946،إلى حد يومنا هذا ، وهو نسيج غُزِلَت خيوطه مِن القبائل والعشائر العربية التي سكنت شرقي الأردن ، أو ارتحلت إليه في القرون الماضية ، حيث ما زالت أيقونة الثبات ، و السد المنيع ، وقاعدة النظام ، وكفة التوازن للدولة الأردنية ، وهي الكف الذي يواجه المخرز .

كان عجبا و أيَّ عجب ! مِن المتقولين – أهل الجَلَبة و اللَّغط – بأنَّ المجتمع الأردني، ما هو إلا مجتمع عشائري ،وهذا من باب الإستخفاف والإنتقاص من مكانة القبائل و العشائر الأردنية العربية ، فبالرغم أن الشعب الأردني المكون من نسيج عشائري متعدد الأطياف ،ما هو إلا قوة وسد منيع للدولة، هذا الشعب الذي استطاع بتضحياته الجمة ، وبصموده أن يرسم قوس النصر ، ويرمي بنباله على العاتيات ، بل يُعتبر نموذجا إستثنائيا لن يتكرر على حمل الصعاب ،وقدرة التحمل على كل الظروف الجسام ، مما جعله يتعدى قدراته، وإمكانياته على إستيعاب الاشقاء العرب الذين لحق بهم التهجير بمختلف أغراضه السياسية ، والإقتصادية ،والإجتماعية، الذي وقع عليهم نتيجة الحروب والويلات سواء كانت استعمارية ، أم ثورات داخلية ، مما أدت بهم للهجرة عنوة وقسرا عن بلدانهم ، باحثين عن الأمن والأمان ؛ ليجدوا بالأردن مرادهم المنشود ، حيث فتح الشعب الأردني ذراعيه لهم بكل رحابة صدر ، وقدم لهم كل الإمكانيات رغم قلة موارده ، إلا إنه تقاسم معهم شربة الماء ورغيف الخبز .

وربما هذا دليل أبلج لكل من سكن في قلبه دمس
الليل وشكك باليقين، بأن حشود أبناء العشائر الأردنية على الحدود مع إسرائيل ، ما هو إلا حق مدعاة للفخر والإعتزاز بهم ، وما أرض الكرامة و العزم الأردنية إلا أرض الحشد والرباط، منها وبمن عليها سيتحقق النصر والفتح المبين للقدس ، وتحرير كل شبر من فلسطين العربية ، و فيها يُزرع كل ما هو طيب ، ومنها تنبت باسقات الجهاد ، ومنها تشمخ أردان رايات إعلاء كلمة الحق -والله أكبر- ، ويستظل بظلها النصر والظفَر ، لينظر الله يومئذ لوجوه مستبشرة ، ويقول لهم : سلام قول من رب رحيم ، أدخلوها اليوم أمنين، فنعم المأوى ونعم المصير ، وما دولة الصهاينة إلا للزوال بها يُزرع كل ما هو خبيث ، ومنها تنبت أشجار لا جذور لها أُجتثت من فوق الأرض ، فلا عاصم لكم اليوم من أمر الله. صياصيهم اليوم في قلوبهم هاوية ، خَرِبة خاوية وغردقهم لذي يزرعون حطب لهم بجهنم إليها يُساقون ، فبئس المستقر وبئس المصير .

ترفع القبعات تحية إجلال وإكبار لهذا الشعب الكبير
الأردن أرض، وقيادة، وشعب، في بعض حجم مقبض متن السيف ، إلا أن له سيف لا يشهر إلا على الأعداء.