فقد الأحبة غربة… إهداء لروح والدتي و أخي

2 مايو 2021
فقد الأحبة غربة… إهداء لروح والدتي و أخي

بقلم:د. مرام أبو النادي
فقد الأحبة غربة عبارة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، كنتكثيرًأ ما أرددها لأواسي من تألم لفقد أحبته فلم أشعر بها تجرح الفؤاد إلا بعد أن فقدت أخي الطبيب شهيد الواجب في جائحة كورونا، و انفطر قلب أمي على رحيله حزنا ليأمر الله بأمره فتلتحق به إلى السماوات العلا.
أن تعيش تجربة الفقد لأمر صعب؛ كيف لا يكون صعبا وقد عاشها سيد الخلق صلوات الله عليه فكان لمرارة ما عاشه من ألم أن سمي العام الذي تألم فيه بعام الحزن؛ وجميعنا نعرف كيف كان جبر الله لرسولنا الكريم .. فهو الرحيم الرؤوف ..
سنة الحياة تعيد أحداثها دون توقف: بدءًا بالولادة .. فتفاصيل حياة كلها ستكون أرشيف ذكريات ليأتي الموت و تتكرر هذه السنة على الجميع.
واساني الجميع بمصابي و ما أجمل أن تتلقى فيضا من الدعوات ممن يحيطون بك فكلماتهم بلسم لروح مكسورة تطيب الخاطر لكنها لن تغير شيئا من إرادة الله -ونعم بالله -فله ما أعطى و له ما أخذ و لا اعتراض على حكمه.
أما عن فقد الأحبة غربة .. فهو شعور لا أزال أعيشه وكلما مر يوم بل دقائق و ساعات زاد شعوري بالغربة .. أن تشعر بالاغتراب على الرغم من وجود أناس كثيرين حولك .. أن تشعر بأنك غريب عنهم .. أن تشعر بأنك وحيد على هذا الكوكب .. كأنك تبحث عن ضالتك بين الناس و لا تجدها..
غربتي في بداياتها الأولى ..فأنا أفتقد أصوات من فقدتهم .. فأسمع صوت أمي تناديني باسمي .. أجلس و أتعمّد أن لا يكون مكان جلوسي مقعدها الخاص سواء كان على طاولة الطعام أم في غرفة المعيشة .. أفتقد من كانت تعاملني كطفلة رغم سنواتي الأربعينية.. أفتقد حضنها … لا سيما حينما أكون بحاجة إلى عناق طويل لأنسى ما يعكر صفوي .. أذكر في طفولتي أنني كنت أشتم رائحتها، فأقول لها : ماما رائحة عطرك جميلة … كانت تبتسم بحنان لن أراه بعيون أحد من الخلق .. لأن الرائحة كانت رائحة عرقها بعد تعب يوم طويل .. لم يمر صباح يوم لم أقل لها: صباح الخير يا حلوة ..صباح الخير يا قديستي الحلوة… لتعطيني ابتسامة و أجمل صباح خير مباركة ..
لم تكن تجعلني أخرج من بيتنا إلا بعد ان تتفقدني إن كنت بكامل أناقتي لتعطيني إيماءة الرضا بعينيها .. تفاصيل كثيرة في أرشيف ذكرياتي مع أمي التي أسميها أسطورتي التي لا تشبه أي أم .. أدرك أن كل شخص يرى أمه الأنموذج الأوحد … لكن أمي هي عالم من المعرفة و الثقافة و الحكمة و الإرادة .. أمي من صنعت مني كياني .. أتمنى أن أشبهها ؛ لكن لم تكن لتقبل أن أكون إلا أنا لأنها تؤمن بما أمتلكه من مقدرات و إمكانات .. أمي سبقت نظريات التربية و علم النفس ..
تفاصيل .. تفاصيل .. تتدفق لا قدرة لي لأستجمعها بأن أرصها على شكل كلمات ذات معان … يكفيني أن أعيشها و أتذوتها يكفيني أنني أتنفسها .. يكفيني إيماني بأنها عند رب كريم، سيرفع درجاتها عنده و سيكرمها … ليست كلمات وداع لأمي أو لمن فقدت .. لكنني أعتذر لمن لم أستوعب ألمه عندما كنت أردد عبارات المواساة كفقد الأحبة غربة دون أن أشعر بها .