محمد داودية
قادت مهنية وخبرة ونباهة مدير مكتب الاستخبارات العسكرية في المفرق، إلى القبض على عميل ثانٍ للموساد الإسرائيلي، بعد ان تم القبض على عميل الموساد الأول، المصور صاحب ستوديو ركس، منظم الحفلات الصاخبة في بيته، التي تشرف عليها شقيقته العازبة الحسناء. وهو ما أشرت اه هنا يوم الخميس الماضي 2021.4.29.
طبيعي جدا كما اخبرني الصديق فرّاج فرّاج دبابنة، العميد المتقاعد من سلاح الجو الملكي الاردني المقيم في لوس انجيلوس حاليا، ان يهتم جهاز الموساد الإسرائيلي بمدينة المفرق. وأن يجند لها اكثر من جاسوس، للحصول على المعلومات الضرورية عن عديد قواتنا المسلحة وتسليحها. وعن طياري وطائرات سلاح الجو الملكي الاردني في قاعدة المفرق الجوية التي اسمها الآن قاعدة الحسين الجوية.
كان الكوّى وتاجر الملابس المستعملة (البالة) ابو جلال، يتردد على مكتب الاستخبارات العسكرية في المفرق، بزعم التعاون وتقديم ما يصل اليه من اخبار ومعلومات في المدينة.
رصدته عين الصقر المدربة، عين مدير مكتب الاستخبارات العسكرية في المفرق، العميد مخلد عارف المجالي ابو مهند.
اخضعه أخو خضرا، الى مراقبة سرية ليلا ونهارا، مما أدى إلى كشف ذبذبات جهاز اللاسلكي المشفر الذي يراسل منه جهاز الموساد الإسرائيلي.
داهم “طيور شلوا” محل الجاسوس وهو مواظب على الإرسال فضبطوه متلبسا، فانهار واعترف.
نال العميلُ الخائنُ القصاصَ العادلَ فحوكم وتم اعدامه عام 1976
******
في ربيع 1967 كانت مجموعة من الضباط والجنود المغاوير السوريين تتدرب وتجوب شوارع المفرق وهي تطلق هتافاتها ضد النظام السوري الذي كان بقيادة نور الدين الاساسي وإبراهيم ماخوس وصلاح جديد
كان المقدم المغامر سليم حاطوم ابن السويداء في مقدمة المجموعة التي اختارت المفرق للتدريب فيها.
نزل سليم حاطوم ضيفا في بيت عز الدين الحلبي ابو حمزة، وهو من ابناء الطائفة الدرزية المحترمين في المفرق، وبعدها توجه الى عمان.
كان سليم حاطوم أحد صناع انقلاب 8 آذار 1963 في سوريا، إلا أنه تعرض الى التهميش، مما دفعه إلى التحضير لانقلاب تم كشفه، ففر حاطوم إلى الأردن حيث حصل على اللجوء السياسي.
حين وقع العدوان الإسرائيلي على مصر والاردن وسوريا في 5 حزيران 1967 اندفع سليم حاطوم فأعلن “العودة من أجل الدفاع عن سوريا” فتم القبض عليه في دمشق.
قام عبد الكريم الجندي رئيس مكتب الأمن القومي بحزب البعث بتكسير أضلاع حاطوم ثم اعدمه رميا بالرصاص في حزيران عام 1967. وقد انتهى عبد الكريم الجندي هذا إلى الانتحار في آذار 1969 في مكتبه بدمشق.
في خريف 1956 امتلأت شوارع المفرق بسيارات اللاند روفر العسكرية العراقية والسورية والسعودية. واكتظت الشوارع بالعسكر العراقيين والسوريين والسعوديين وشهدت المتاجر والمطاعم والخمارات ودور السينما ازدهارا كبيرا.
ولم يخلُ الأمرُ من احتكاكات بين جنود من الجيوش العربية الثلاثة. ورغم أنها كانت مشاجرات غير مسلحة، الا انها كانت عنيفة ودموية.
ولم يخلُ الأمرُ ايضا من تكسير اضلع واسنان وانوف جنود ثملين متطوحين، تطاولوا بالكلام على بنات البلدة ونسائها، فكانوا يتعرضون للضرب، من كل أبناء مدينة المفرق المتحدين: مسلمين ومسيحيين، بني حسن، بدو، شمالات، مهاجرين، معانية، شوام ومغاربة، بكل ما أتيح من ادوات: بالايدي والأرجل والهراوات والجنازير والحجارة والاسلاك الكهربائية المجدولة.
********
كانت مصر تتعرض لعدوان ثلاثي عنيف بدأته إسرائيل وانضمت إليه فرنسا وبريطانيا يوم 29 تشرين الأول 1956، بسبب تأميم قناة السويس.
هبت الدول العربية لنجدة مصر، فأرسلت قواتها المسلحة إلى الاردن تمهيدا للهجوم على إسرائيل.
تفاعل ضباط الجيش العراقي: عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واخرون، واصبحوا يترددون على دكان محمود الأحمد العكور، فيجلسون في ساحة الدكان المبلطة يلعبون طاولة الزهر مع رجالات المفرق: محمد سلامة الحسبان ابو الشهيد فرحان رئيس البلدية. ومحمد عبدالقادر سكر العقايلة وثلجي فريح النمري عضو المجلس البلدي ومهاوي حرب آل خطاب وشوكت المصاروة ابو صقر.
******
عاد عبد الكريم قاسم الزبيدي إلى العراق سنة 1957 حيث دبّر مع الشقيقين عبد السلام وعبد الرحمن عارف الجميلي واحمد حسن البكر التكريتي وعبد الرزاق سعيد النايف وإبراهيم عبدالرحمن الداوود وذياب محمد العلكاوي وطاهر يحيى العنزي وعدد اخر من الضباط، الانقلاب الوحشي على النظام الملكي الهاشمي في 14 تموز 1958.
أصبح عبدالكريم قاسم رئيسا لوزراء العراق حتى 9 شباط 1963، حين انقلب عليه شريكه عبدالسلام محمد عارف الجميلي واعدمه رميا بالرصاص.
ومن عجائب الثوار، ان عبدالكريم قاسم كان اعتقل وحكم بالاعدام على عبد السلام عارف، الا انه اشفق عليه وأمر بوقف تنفيذ حكم الإعدام.
اصبح عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية العراقية في شباط 1963 بعد ان أعدم شريكه عبد الكريم قاسم،
اثر محاكمة ثورية صورية في مبنى الاذاعة مدتها دقيقة.
وقد لاقى عبد السلام عارف مصيرا داميا مروعا في 13 نيسان 1966، حين قفز من المروحية التي كانت تحترق في الجو، فسقط على رأسه ولاقى مصير عبد الكريم قاسم، شريكه في ذبح الهاشميين في قصر الرحاب في 14 تموز 1958.
وحل عبدالرحمن عارف محل شقيقه عبدالسلام رئيسا للجمهورية في 16 نيسان 1966الى ان اطيح به في 17 تموز 1968 فنفي الى إسطنبول وعاش في الأردن بعد 2003 ودفن في مقبرة شهداء الجيش العراقي في المفرق في 25 آب 2007.
هناك عدة سيناريوهات عن تنازل أحمد حسن البكر عن الحكم والاستقالة في 16 تموز سنة 1979، ابرزها انه أُكرٍه عليها.
وعاش إبراهيم عبدالرحمن الداوود الذي شارك في مذبحة قصر الرحاب، منفيا في السعودية
واعتقل الانقلابي طاهر يحيى العنزي في معتقل الفضيلية وتم تعذيبه ووضعه في الإقامة الجبرية حتى وفاته في أيار 1986.
واغتيل الشريك عبد الرزاق النايف رميا بالرصاص في لندن يوم 9 تموز 1978 وحكم على قاتله سالم احمد حسن بالسجن مدى الحياة.
لقد حلت لعنة آل البيت على عبد الكريم قاسم والضباط الذين قارفوا مذبحة النساء والأطفال والشيوخ الهاشميين.
******
عندما فتحتُ عينيّ في “كامب” شركة أل (I.P.C) الإنجليزي المترف في الإجفور (الرويشد الان)، تلفتُ حولي طويلا، لم اجد حسن سليمان محمود صالح الداودية.
لم أجد والدي حسن- ابو علي الطفيلي الطويل الأسمر النحيل، الذي كان يرسل من الإجفور الى عمان كل شهر، على ظهر باص بغداد- الإجفور- المفرق-الزرقاء- عمان، “خَصَفَ” التمر وتنَكات “الودك” والسمن وأكياس الطحين، إلى أقاربه المعوزين في الطفيلة.
لم أجد حَسَناً.
لكنني وجدت نفسي محاطا بسور فولاذي من الحنان والرِّفق والعناية. لقد عوضني الله عن والدي الراحل.
كان في خط الدفاع عني في الساحة الأولى، امّي جظّة، السيدة السميراء الوافية الباسلة، التي ذادت عني دون توقف ولا هوادة حتى انقطع منها النّفَس وغابت في الأثير النوراني.
وكان حاضرا عمّي جعفر سالم محمود الداودية، أحد ملائكة الأرض واطهارها وأخيارها.
وكان يملأ عليّ المكان، جدي مزعل مشري آل خطاب، الرجل الكثير.
و جدتي فضيّة محمد عبد الغني البزايعة، الأميرة الآمرة الضئيلة البنية، الشديدة الحضور والمِراس والهيبة.
وكان هناك في خط الدفاع عني في ساحة الإجفور، اخوالي ابراهيم ومشري وعبد الحليم. وخالاتي حليمة وهدية وسامية.
ترسانة من العناية الإلهية احاطتني وحمتني.
******
عندما توقفت أعمال شركة أل (I.P.C)، في اواخر الخمسينات، انتقلت كل العوائل إلى المفرق.
من هنا كانت البداية.
خروج كامل من النعيم أشبه بالطرد. وانكشاف على فوهة الضنك وثقبها الأسود وانهيار كامل لعالمي الوردي العطري.
تحديات صلبة متماسكة، جَبَهَت الفتى اليافع الذي كان عليه ان يواجه ويحل سؤال: ما العمل، كيف نعيش ؟!
وجدتُ الحلَّ. كان عليّ ان أصبح رجلا رشيدا صلبا شديدا.
شمّرت عن ذراعيّ الغضّين. فقد كان علي أن اعمل بلا توقف ولا راحة، كي احصل على ابسط حاجاتي الأساسية: حذاء، بنطلون كاكي، دفاتر واقلام. وكرة قدم إن تمكنا انا ورفاق الحارة من جمع ثمنها.
لم يكن الكفاح من اجل البقاء محصورا بي. كان كل أبناء جيلي صلبين مكافحين. كان كل أبناء شعبنا نشامى عصاميين، يعملون في المعامل والورش والحقول وميادين العرق والعطاء.
******
عملت في “النافعة” عشر ساعات في اليوم مقابل عشرة قروش. قمنا برصف جزء من طريق المفرق – المنشية على الطريقة الإنجليزية مع عدد شبان المفرق:
محمود ابراهيم كساب. توفيق هلال النمري. عبدالمهدي علي التميمي. سرحان ذيب النمري. علي خلف الحمود. خالد جدوع. محمد خالد الرواد. سمير نواف الدخيل (سمير اسحق)، فخري ثلجي النمري، كمال موسى شحاتيت. ميشيل ثلجي النمري والياس القسيس.
اشتغلتُ في كسارات عيسى سليمان النبر الواقعة على بعد 7 كيلومترات غرب المفرق. كنا نمشيها ذهابا وايابا، فجرا وغروبا.
وعملت في دك الطوب بورشة النبر الواقعة خلف منزلنا في الشارع الرئيسي بمنتصف البلدة.
لا شقاء ولا تعب ولا هلاك، يهد الحيل، يعادل التعب والعناء الذي في العمل بالكسارات و في دك الطوب.
تلك اعمال شاقة ينوء بها الرجال.
كانت جارتنا القابلة المربوعة لوسي، أم فيكتور وهيلين النشيوات، واحدة من الواحات الوارفة الندية التي مدت ظلها عليّ في الزقاق الذي جمع خيرة الرجال والنساء، الذين يمكن أن يتعرف عليهم الإنسان:
دار محمد هاشم المغربي ابو علي وهشام وخالد ويوسف. ودار فارع النهار الشواقفة ابو دواس. ودار احمد عقيل الدويري ابو فراس. ودار نايل سلامة حجازي ابو احمد ومنصور. ودار الاستاذ الداغستاني ابو علاء وصلاح وعز. ودار ابو عبدالله النبر ودار علي الشلبي. ودار احمد ومحمود السخني. ودار عطا قويدر ابو سعيد وأسعد أبرز حارس مرمى عرفته ملاعب كرة القدم في الشمال.
********
كانت قاعدة المفرق الجوية البريطانية متصلة ومتفاعلة مع اهالي المدينة في مختلف المجالات: كرة القدم والعروض الجوية والقمار والبارات والسينما.
وكان ابرز لاعبي كرة القدم الانجليز في تلك القاعدة الجوية، جفري ولفزي وستيف وبوب، ضيوفا دائمين على منازل اهل المفرق الذين تعرفوا عليهم في نزالات كرة القدم شبه الاسبوعية مع لاعبي نادي الصحراء المرعبين:
سبع جدوع وفايز عودة والأخوين فيليب وحبيب المخامرة واحمد التكروري والأخوين مشري وعبد الحليم مزعل والاخوين شوقي وشواق دبابنة وشوقي حمارنة ومحمد الشوشي ومحمد العجلوني ومحمد القهوجي وسعيد حامد وجمال ماهر واحمد هويمل كريشان وصلاح شفيق.
كان موسى فريح السهاونة اول حكم عرفته المفرق. وكان التفوق في معظم المواجهات، لفريق نادي الصحراء الرهيب.