نضال ابوزيد
في الوقت الذي تطالعنا فيه لُمع الاخبار يومياً بقرارات تتعلق بالشأن الاقتصادي يقف متصلباً في تنفيذها وزير المالية العسعس والطاقم الاقتصادي المساند له، فيما تتقاطع هذه القرارات مع قرارات سياسية من العيار الثقيل، لفت انتباه الشارع امس قرارات تتعلق بتخفف أعضاء مجالس إدارة الهيئات المستقلة وقرارت اخرى محشوه في متن التصريحات الحكومية ظهرت تمشي على استحياء بين صفحات السوشال ميديا والمواقع الإخبارية، وكل هذه الإجراءات تهدف إلى محاولة إعطاء شعور ان هناك طاقم حكومي يعمل ويحاول النهوض بالمعيشة اليومية للشارع، فيما الواقع معاكس تماما، حيث الطاقم الحكومي يعيش في الرابع حالة تخبط تعمقها الخلافات بين اعضاء الحكومة نفسها.
ثمة أطراف حكومية تحاول إثبات نفسها من خلال العمل الميداني رغم نعومة اظافرهم في العمل الوزاري، فيما طرف اخر يعيش هالة المخضرم والحرس القديم وانه لايمكن الاستغناء عنه، وثلة تعيش مراهقة سياسية وحالة فطام لأنها تنظر للمنصب من باب المنفعه الشخصية لا النفع العام، هذا كله أفسد الواقع والخطط والاستراتيجية وافشل إجراء اي تغيير أو تحول نحو الافضل، في ظل انكفاء القطاعات وتراجع مؤشرات الاقتصادي وتدهور المعيشة اليومية للفرد الأردني، مقابل تعاظم نسب الفساد الذي أصبح يرتع بشكل منظم في موسساتنا دون أن نخبئ راسنا في التراب، حتى تفاجأ الجميع بقرار الحكومة بأن الحلول للأزمات العميقة التي يعيشها الشارع سهله وقد تمحورت في رفع الضرائب وخفض الوظائف في القطاع العام وتقليص الرواتب.
دولة الرئيس…. ان الحل للواقع الاقتصادي المتدهور ليس على حساب المواطن وانما في قمع الفساد والفاسدين وتخفيف الترف الحكومي وهدر المال العام وتحقيق العداله في الفوارق الفلكية في الرواتب الشهرية، وملخص الحلول كلها وجد في قصة رويت في عام 1720م في حادثة تاريخية اسوقها بالتصرف لعل حكومتنا تجد ضالتها في هذه القصة التي رواها الرحالة الفرنسي ڤولني عن والي دمشق أسعد باشا العظم خلال رحلاته بين دمشق و بيروت حيث يقال :
أن اسعد باشا كان في يوم ما بحاجة إلى المال للنقص الحاد في مدخرات خزينة الولاية، فاقترح عليه حاشيته أن يفرض (ضريبة) على المسيحيين، وعلى صناع النسيج في دمشق. فسألهم أسعد باشا: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟ قالوا :من خمسين إلى ستين كيسا من الذهب. فقال أسعد باشا: ولكنهم أناس محدودي الدخل، فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال؟ فقالوا: يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا. فقال أسعد باشا: وماذا تقولون لو حصلت المبلغ المطلوب بطريقة أفضل من هذه؟! في اليوم التالي.. قام أسعد باشا بإرسال رسالة إلى المفتي.. لمقابلته بشكل سري.. وفي الليل وعندما وصل المفتي.. قال له أسعد باشا: نما إلى علمنا أنك ومنذ زمن طويل.. تسلك في بيتك سلوكا غير قويم.. وأنك تشرب الخمر.. وتخالف الشريعة.. وإنني في سبيلي لابلاغ اسلامبول.. ولكنني أفضل أن أخبرك أولا.. حتى لا تكون لك حجة على، فاخذ المفتي المفجوع بما يسمع يتوسل، ويعرض مبالغ مالية على أسعد باشا.. لكي يطوي الموضوع.. فعرض أولا ألف قطعة نقدية.. فرفضها أسعد باشا.. فقام المفتي بمضاعفة المبلغ.. ولكن أسعد باشا رفض مجددا.. وفي النهاية تم الاتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية! وفي اليوم الثاني.. قام باستدعاء القاضي.. وأخبره بنفس الطريقة.. مضيفا أنه يقبل الرشوة.. ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة.. وانه يخون الثقة الممنوحة له؟ وهنا صار القاضي يناشد الباشا.. ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي.. فلما وصل معه إلى مبلغ مساوي للمبلغ الذي دفعه المفتي.. أطلقه ففر القاضي سريعا وهو لا يصدق بالنجاة! بعدها جاء دور المحتسب.. وآغا الينكجرية.. والنقيب.. وشيخ التجار.. وكبار أغنياء التجار.. من مسلمين ومسيحيين.. بعدها قام بجمع حاشيته الذين أشاروا عليه أن يفرض ضريبة جديدة لكي يجمع خمسين كيسا.. وقال لهم: هل سمعتم أن أسعد باشا قد فرض ضريبة جديدة؟ فقالوا: لا ما سمعنا. فقال: ومع ذلك فها أنا قد جمعت مائتي كيس.. بدل الخمسين التي كنت سأجمعها بطريقتكم.. فتساءلوا جميعا بإعجاب.. كيف فعلت هذا يا مولانا؟ فأجاب :
“إن جزَّ صوف الكباش.. خير من سلخ جلود الحملان”
مرجع الرواية: قسطنطين فرانسوا ڤولني (1757 – 1820 م) و هو فيلسوف و رحالة و مؤرخ و سياسي فرنسي.