المصري يكتب : مؤثرو السوشيال ميديا… بين صناعة الشهرة وصناعة الوعي هل أصبح التأثير مسؤولية إعلامية أم مجرد أرقام؟

3 دقائق ago
المصري يكتب : مؤثرو السوشيال ميديا… بين صناعة الشهرة وصناعة الوعي هل أصبح التأثير مسؤولية إعلامية أم مجرد أرقام؟

بقلم : الدكتور هشام المصري

في زمنٍ أصبحت فيه شاشة الهاتف أقرب إلى الإنسان من شاشة الوطن، تحوّل مؤثرو السوشيال ميديا من مجرد صانعي محتوى إلى فاعلين في تشكيل الوعي الجمعي، وصانعي رأي عام، وأحياناً موجّهي سلوك وثقافة.
لم تعد الكلمة محصورة في الصحيفة، ولا الصورة حكرًا على شاشة التلفاز، بل بات “الترند” هو العنوان العريض، وعدد المتابعين هو المعيار، والتفاعل هو شهادة القبول أو الرفض.
لكن السؤال الجوهري يبقى:
هل كل مؤثر هو إعلامي؟ وهل كل تأثير هو رسالة؟
من التأثير الرقمي إلى التأثير القيمي
المؤثر الحقيقي ليس من يملك أكبر عدد من المتابعين، بل من يملك أثرًا أعمق في العقول والقلوب.
فالإعلام الهادف لا يُقاس بالانتشار فقط، بل بـ:
صدق الرسالة
سلامة المحتوى
احترام القيم المجتمعية
خدمة الإنسان والوطن
وهنا تبدأ المفارقة:
بين مؤثر يصنع ضحكة عابرة، وآخر يصنع فكرة باقية.
بين محتوى يستهلك الوقت، ومحتوى يبني الوعي.
الإعلام الهادف: عندما يصبح التأثير أمانة
الإعلام الهادف ليس خطابًا وعظيًا جامداً، بل رسالة ذكية، تستخدم الأدوات الحديثة، وتخاطب لغة العصر، دون أن تتنازل عن القيم.
وحين يدخل المؤثر إلى هذا المسار، يتحول من:
“صانع محتوى”
إلى
“صانع وعي”
فالكلمة أمانة، والصورة موقف، والتأثير مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون فرصة ربح أو شهرة.
مخاطر التأثير غير المسؤول
غياب الوعي الإعلامي لدى بعض المؤثرين أدى إلى:
ترويج التفاهة على حساب القضايا الحقيقية
تشويه القيم الاجتماعية والأسَرية
نشر الشائعات والمعلومات المضللة
تحويل المنصات إلى ساحات استهلاك فارغ
وهنا يصبح المؤثر – دون أن يشعر – أداة هدم ناعمة، بدل أن يكون وسيلة بناء.
المؤثر الواعي: إعلامي بصيغة جديدة
المؤثر الواعي هو:
صاحب رسالة قبل أن يكون صاحب حساب
يوازن بين الحرية والمسؤولية
يدرك أن المتابعين أمانة لا جمهورًا فقط
يستخدم شهرته لخدمة قضايا مجتمعية، إنسانية، وطنية
هو إعلامي حديث، لا يحمل ميكروفوناً، بل يحمل ضميرًا رقميًا حيًا.
نحو شراكة بين المؤثر والإعلام الهادف
المطلوب اليوم ليس إقصاء مؤثري السوشيال ميديا، بل:
تأهيلهم إعلامياً
دمجهم في مشاريع توعوية وطنية
تدريبهم على أخلاقيات النشر والتأثير
تحويل منصاتهم إلى أدوات تغيير إيجابي
فالمستقبل للإعلام الذي يجمع بين قوة الانتشار وعمق الرسالة.
خاتمة: التأثير الحقيقي لا يُقاس بالترند
في زمن السرعة، تبقى الرسائل الصادقة هي الأبطأ انتشارًا… لكنها الأطول عمراً.
ويبقى السؤال لكل مؤثر، ولكل إعلامي، ولكل صاحب منصة:
ماذا نترك خلفنا بعد أن ينتهي التفاعل؟
ضجيجًا رقميًا؟
أم وعيًا يصنع إنساناً أفضل ومجتمعاً أقوى؟
الإعلام الهادف ليس خياراً… بل ضرورة وطنية وأخلاقية في عصر التأثير المفتوح.