هل تُحقق المعارضة مكاسب من انتقاد السياسات الدستورية؟

دقيقة واحدة ago
هل تُحقق المعارضة مكاسب من انتقاد السياسات الدستورية؟

بقلم: المحامي حسين أحمد عطا الله الضمور

في خضمّ المشهد السياسي الذي تتسارع أحداثه وتتعدد قراءاته، يبرز سؤال يتردد على ألسنة كثيرين:
هل انتقاد السياسات الحكومية التي تنسجم مع الدستور يحقق مكاسب للمعارض؟
وهل التشكيك في جدوى تطبيقها أو نتائجها بعد دخولها حيّز التنفيذ يُعدّ ممارسة سياسية ناضجة… أم مجرد محاولة لصناعة حضور زائف؟

بدايةً، لا بد من التأكيد أن المعارضة حق دستوري أصيل، وأن وجودها ضرورة لسلامة أي نظام سياسي رشيد. غير أن هذا الحق لا ينفصل عن واجب المسؤولية؛ فالمعارضة التي تتناول سياسات منسجمة مع الدستور دون منهجية أو بدائل، لا تضيف للمشهد إلا ضجيجًا، ولا تترك خلفها إلا فراغًا.

أصبح واضحًا أن النقد السياسي لم يعد كافيًا لخلق تأثير حقيقي.
الجمهور اليوم أكثر وعيًا، ولم يعد يستجيب لخطابات “الاستعراض” التي ترفع السقف دون أن ترفع الفكر.
فالمعارض الذي ينتقد كل شيء لمجرد الظهور، إنما يقدّم نفسه كصوت يبحث عن الضوء، لا كفكرة تبحث عن إصلاح.

قد ينال المعارض بعض المكاسب الشعبية المؤقتة عندما يخاطب عواطف الناس أو يقدم نفسه كمن يقف في مواجهة الحكومة.
لكن هذه المكاسب لا تدوم ما لم تُدعَّم بخبرة، وبحجة، وبمعرفة دقيقة بالمنظومة الدستورية التي تحكم الدولة.

أما المكاسب السياسية الحقيقية، فلا تتحقق إلا لمن يمارس نقدًا عقلانيًا مسؤولًا، يفرّق بين ما هو دستوري راسخ وما هو قابل للنقاش، وبين ما هو إجراء وما هو مبدأ.

من حق المعارض – بل من واجبه – أن يسأل عن نتائج السياسات بعد تطبيقها، وأن يقيس مدى فعاليتها، وأن يرصد نقاط ضعفها.
لكن التشكيك في التطبيق شيء، والطعن في دستورية السياسة شيء آخر تمامًا.

التشكيك البعيد عن الدليل يُفقد صاحبه الاحترام والوزن،
أما النقد المبني على بيانات وأرقام ومقارنات وتجارب، فيُكسب صاحبه مكانة سياسية ومصداقية لا ينالها إلا قلة.

ان المعارضة الراقية تصنع وعيًا… لا ضجيجًا

ما يحتاجه المشهد السياسي اليوم هو معارضة تقدم حلولًا، لا صرخات؛
وتضع بدائل، لا تُعيد إنتاج النقاش ذاته؛
وتحافظ على منسوب عالٍ من المسؤولية الوطنية التي تقوم على حماية الدستور لا مزاحمته.

المعارضة ليست خصومة… بل شراكة في بناء الوطن.
وهذه الشراكة لا تُقاس بنبرة الصوت، بل بما يضيفه الصوت من حكمة، ورؤية، وصدق.

إن انتقاد السياسات التي تنسجم مع الدستور دون تقديم بدائل عملية، لا يحقق للمعارض مكاسب تُذكر، بل يضعه في خانة “معارضة الاستهلاك الإعلامي”.
أما المعارض الحقيقي فهو الذي يمسك بميزان العدل:
يُنصف حين يوافق، ويُحاجج حين يختلف، ويقترح حين يعترض.

فالوطن لا يبنى بالصدى… بل بالفكرة.
ولا يزداد قوة بالخصومة… بل بالنقد المسؤول الذي يرفع الوعي ويصنع التغيير..