وليد عبد الحي
يشير السجل الدبلوماسي الامريكي الى أن الولايات المتحدة هي-بالمقارنة العامة- اقل الدول رضا عن اداء الأمم المتحدة بخاصة في موضوع الشرق الاوسط، ومع تسلم دونالد ترامب تحول عدم الرضا الامريكي الى ” الغواية” اللفظية ،لكنها غواية قصيرة العمر، وهو ما يستدعي من كل زعيم عربي ان يضع الى جانبه استاذا لعلم النفس لفهم شخصية ترامب التي وصفها علماء النفس الامريكيون بأنه يعاني من نرجسية مرضية بمعدل 88%، ورصدت له كل من نيويورك تايمز والواشنطن بوست معدل يفوق الكذبة الواحدة يوميا، ناهيك عن عدم اكتراثه على الاطلاق باية معايير اخلاقية ، وهو ما تكشف تفاصيلة دراسات منها دراسة مستشار ترامب السابق للامن القومي جون بالتون وعنوانها:
The Room Where it happened :A White House memoir.2020
فترامب لا ينظر للعرب –حسب بولتون- الا “كأكياس مال” ، اما الكتاب الثاني وهو من تأليف ابنة اخ ترامب Marry Trump، وعنوانه “Too Much and Never Enough-How my Family created the World,s Dangerous Man-2020
وغير هذه الدراسات الكثير ،لكنها تجمع على ان ترامب “لا يرى في الكذب اي عيب،ولا في الابتزاز منقصة، ولديه وهم عميق جدا بالمعرفة “.
في ظل هذه الصورة المعقدة، سنعيش غدا فصلا جديدا ستقدم ادارة ترامب خلاله مشروع قرار لمجلس الامن بخصوص غزة،ويستند على عدد من الركائز الجوهرية التي نص عليها وهي حرفيا:
1- بعد تنفيذ برنامج السلطة الفلسطينية الاصلاحي ..واحراز تقدم في اعادة تطوير غزة “قد” تتوفر اخيرا الظروف المناسبة لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني واقامة الدولة”.وجاء النص الانجليزي”Conditions may finally be”، أي ان الامر ليس قطعيا بل كاحتمال ، والملاحظ ان الدولة المشار لها غير معينة الحدود رغم ان قرارات الامم المتحدة 242 و338 والاتفاقات العربية-المبادرة العربية 1982، تشير لها بانها على حدود 1967، بما فيها القدس
والنص السابق كما هو واضح نص ملتبس يضع اقامة الدولة الفلسطينية تحت تعبير ” قد”، فهي دولة قد تكون في غزة فقط ، وقد تكون حكما ذاتيا وناقصة السيادة لكن ترامب يراها دولة، وقد تكون هي غواية لجر الطرف العربي للقبول الاولي، ثم تبدا لعبة التأويلات المعهودة، ناهيك عن أن النص لا يشير بشكل واضح لقبول الولايات المتحدة الاعتراف الواضح بالدولة الفلسطينية.
بالمقابل فان المشروع الروسي الصيني المشترك-المقترح تقديمه من الدولتين- ينص على دولة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وطبقا لحدود 1967، وتخضع لسلطة فلسطينية واحدة.
2- ينص المشروع ألامريكي على مجلس سلام انتقالي سيدير غزة برئاسة امريكية الى حين تكتمل اصلاحات السلطة الفلسطينية ، وهذا المجلس سيكون ترامب رئيسه ومع توني بلير كادارة تنفيذية، وقد يستغرق استكمال السلطة الفلسطينية عشرات السنين- رغم الحديث عن عامين مقترحين- ،تكون اسرائيل قد استكملت استيطانها في كل الضفة الغربية، مما يجعل الظروف المناسبة التي اشار لها النص الامريكي غير متوفرة.
اما المشروع الصيني الروسي فتركيزه على دور الامم المتحدة ، وهو الامر الذي لن تقبله الولايات المتحدة، لانه سيجعل المهام الامنية وموضوعات الاعمار والمساعدات بيد هيئات الامم المتحدة التي تناصبها اسرائيل كل العداء وبخاصة وكالة الغوث التي ينطوي المشروع الامريكي على تغييبها.
3- يؤكد المشروع الامريكي على نزع سلاح المقاومة واستبعاد حماس من السلطة، ولا تظهر هنا نزعات الديمقراطية، إذ يمكن اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد انسحاب اسرائيل- رغم عدم تحديد مواعيده بشك واضح- لتحديد من يقود الدولة، لكن الولايات المتحدة واسرائيل ودول التطبيع تخشى ان تكون نتائج اية انتخابات لغير صالح سلطة التنسيق الامني ، وهو ما يفسد على هذا المعسكر خطته.
التصويت على القرارين: يبدو ان ملامح التصويت على مشروعي القرار-إذا لم يتم ـتاجيله- ينطوي على احتمالات عديدة للتصويت:
أ- احتمال ان تقوم الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو ضد المشروع الروسي الصيني.
ب- احتمال ان تستخدم روسيا والصين حق النقض ضد المشروع الامريكي او احدهما تستخدم الحق والاخرى تمتنع عن التصويت.
ت- من المرجح ان تساند الجزائر الموقف الروسي الصيني ،ولكن من الضروري ان تحشد الجزائر اصوات اخرى تجعل القرار الامريكي اقل احتمالا للحصول على الثلثين او جعل القرار الروسي قابل للحصول عليه، فهناك دول اعضاء في المجلس حاليا لها موقف قريب من الموقف الجزائري تجاه الدولة الفلسطينية ، مثل سلوفينيا والصومال وباكستان ،بل ان موقف سيراليون يمكن الرهان الى حد ما عليه، فاذا استبعدنا موقف بنما وكوريا الجنوبية(لا تعترفا بدولة فلسطينية) فان بقية الأعضاء غير الدائمين يؤيدون الاعتراف(وهي غيانا واليونان والدنمارك ) فذلك يعني ان هناك 9 دول احتمالات تاييدها للنص الامريكي أقل من احتمال تأييدها للنص الروسي الصيني او على الاقل الامتناع عن التصويت، وهو ما يعني ان جهود الجزائر الدبلوماسية يجب ان تذهب الى اقصى درجة لافشال المشروع الامريكي حتى لو لم تستخدم روسيا او الصين الفيتو.
مرة اخرى ، يجب التعامل مع كل ما يقوله ترامب على ان نسبة الخداع والكذب هي الاعلى ، ففي كتابه The Art of the Deal يقول حرفيا ” My business expertise can be translated to government success”
أي ان خبرته في عالم الاعمال يمكن ترجمتها لنجاح حكومي، ولعل سلوكه مع كل الدول ومع موظفيه يؤكد انه ” لا يمكن الوثوق به”، فالقيمة العليا لديه هي “الربح ” وتغذية نرجسيته المرضية، فالحذر منه ومن عرب التطبيع امر ضروري….ربما.






