زهدي جانبيك
اليوم الخميس السادس عشر من شهر تشرين اول 2025 قررت ان اتوقف عن الكتابة على الفيسبوك وتجميد حسابي، قرارا يدعوني ان اعتذر من جميع اصدقاء صفحتي ال 5000 المحبين المؤيدين لتوجهاتي او المعارضين، واعتذر من جميع متابعي هذه الصفحة ال 8700 شخص الذين اختاروا متابعة صفحتي سواء كان سبب متابعتهم لهذه الصفحة الحب او الاستفادة من المكتوب أو الافادة بارائهم وتعليقاتهم، او كان السبب الكره او التصيد او المراقبة او اي سبب آخر خيرا كان او شرا. كما اعتذر لل 950 شخصا الذين ارسلوا لي طلبات صداقة ولم اتمكن من اضافتهم بسبب وصول اصدقاء الصفحة الى الحد الاعلى المسموح به وفقا لأنظمة الفيسبوك وليس لأي سبب آخر …
وحتى نبتعد عن التأويل فإن سبب التوقف والتجميد هو:
انني كنت قد وضعت لنفسي معاييرا للكتابة، هي الحق، والصدق، والخير، والفائدة او المصلحة العامة، وملاءمة الكلام للزمان والمكان، وتأثير الكتابة في احداث التعيير…
هذه المعايير اليوم ، وتحديدا المعيار السابع المتعلق بالتغيير لم يعد من الممكن تحقيقه من خلال اي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى العكس وبدلا من نصرة الحق وتحقيق الفائدة والمصلحة العامة، اصبحت الكتابة تتسبب بالضرر الشديد والشر لي شخصيا ولكثير ممن احب من الاهل والاصدقاء،… وحيث ان السبب الاساسي في هذا الضرر هو وجود اعداد كبيرة من الرؤوس التي يغطيها الريش وليس عليها ريشة واحدة فقط، واعداد كبيرة من الرؤوس التي عليها “بطحات” وليس “بطحة” واحدة فقط… فاصبح اصحاب هذه الرؤوس يتحسسون البطحات والريش الذي على رؤوسهم كلما كتبنا في موضوع عام او كتبنا قصة فيها عبرة مبنية على الخبرة، او حتى كتبنا خاطرة نحادث فيها نفسنا وروحنا … ومثل هؤلاء كمثل المنافقين يحسبون كل صيحة عليهم:
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) ۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4)
مثل ذلك التأويل و”طعج” النصوص من قبل تلك الفئة والضرر الشديد والشر الذي اصابني منهم، وتسبب بسوء فهم كبير من اخوتي وأصدقائي في الوزارات والمؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة، كما اساءت هذه التأويلات الشريرة وتسببت بخلل كبير في علاقاتي برفاق السلاح والزملاء في الاجهزة الامنية من الجيش والمخابرات والامن العام…
وبدلا من ان تكون الكتابة معولا من معاول البناء ووسيلة لبيان الانحرافات عن الطريق وتصحيحها ، حولها وأولها الاشرار الى وسيلة هدم لكل ما هو جميل في المجتمع.
وأصبح من المألوف لدي كلما كتبت شيئا اريد به وجه الله ومن ثم تحقيق المصلحة العامة، أو اريد ان ارفه عن نفسي بخاطرة او طرفة من الطرائف، أن يتصل بي العديد من القراء لسؤالي: بالله من تقصد؟… أو ماذا تقصد؟ أو ما هو هدفك من هذه الكلمة؟ أو ما معنى تلك العبارة؟ …الخ. وفي كثير من الحالات أو غالبها لا يكون بذهني شيئا مما خطر ببال من على رؤوسهم ريش وبطحات، … وكلهم يدعي انه يعرفني ويعرف ما أقصد ويقرأ ما بين السطور … ومثلهم مثل الشاعر:
وكل يدعي وصلاً بليلى … وليلى لا تقر لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموع في خدود … تبين من بكى ممن تباكى
ولو أني استطعت كففت طرفي … فلم أبصر به.. حتى أراكا
لم أكتب ولا اخترت الكتابة الا من قلب عاشق للوطن، حريص على مصالحه العليا، مشفق عليه مما يحيط به من مؤامرات وما ينخره من دود وسوس، … وما أشرت الى نقيصة الا ابتغاء الكمال للوطن وأهله، وليس هذا بأمر طاريء على أحوالي وانما هو ديدني اليوم، كما كان عهدي وأنا على رأس عملي في الاردن وخارجه… ولكن مثلي معهم عندما كتبت ما اؤمن به، كمثل ما قاله المتنبي:
أَنامُ مَلْءَ جُفوني عَنْ شَوارِدِها … وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ
وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي … حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إِذا رَأَيتَ نُيوبَ اللَّيثِ بارِزَةً … فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَّيثَ يَبتَسِمُ
ولكن، وحيث ان معاييري للكلام والكتابة من الحق والصدق والخير وتحقيق المصلحة العامة لم يعد بالامكان وصولها الى الناس بسبب كثرة تأويل وتفسير اصحاب الريش والبطحات على رؤس هؤلاء الناس الذين وصف احوالهم الله تعالى في القرآن الكريم الكريم:
• ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ٤٦﴾ [النساء]
• ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ ١٣﴾ [المائدة]
• يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
وحيث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرنا ان: “أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك” … واما وقد بلغت من العمر معدل اعمار امة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، وبما انه ليس هناك من ضامن بأنني قد اكون من القليل الذي يجاوز هذا المعدل من العمر، فقد آن الاوان ان أتفرغ لما هو آت وأبني ما يدوم في جنات الخلود باذن الله ورحمته ان أكون وإياكم من اهلها، … وأتوقف عن البناء الفاني في هذه الدنيا الفانية، … واتوقف عن المساهمة في سوق عكاظ الدائم للكلام في ساحات وأسواق وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت الى محطات وقوف لكل حامل بطحة او ريشة على رأسه…
وحتى امنعهم من التفسير الاعوج والتأويل الشاذ لكل ما هو نبيل ومفيد فقد قررت تنفيذ هذا التجميد لحسابي على الفيسبوك اعتبارا من الساعة الثانية من بعد ظهر الغد الجمعة حيث سيتوقف هذا الحساب بشكل نهائي، ولكن الحياة لا تتوقف… وتقبلوا مني خالص الود ومحض الثنا، ولسان حالي يقول:
إِنّا لَنَفرَحُ بِالأَيّامِ نُقطِعُها
وَكُلُّ يَومٍ مَضى يُدني مِنَ الْأَجَلِ
فَاعمَل لِدارٍ غَدٍ رِضوانُ خازِنِها
وَالجارُ أَحمَدُ وَالرَّحمَنُ مُحتَجِبُ
بِها مَنازِلُ صِدقٍ عِندَ رَبِّهم
وَالْحُسنُ فيها وَالأَحبابُ وَالْكَرَمُ