الشيخ جاسر حمد الطراونة… إرث متجدد وصوت الحكمة والوفاء

39 ثانية ago
الشيخ جاسر حمد الطراونة… إرث متجدد وصوت الحكمة والوفاء

كتب: ليث الفراية

في كل زمن يولد رجال، لكن قلّة قليلة فقط هم الذين يتركون بصمة تتجاوز حدود اللحظة وتستمر عبر الأجيال. أولئك الذين لا يُعرّفون فقط بأسمائهم، بل بما يحملونه من قيم ومواقف وعطاء. ومن بين هؤلاء، يسطع اسم الشيخ جاسر حمد الطراونة “ابو بهجت” ، الذي لم يكن مجرد شخصية اجتماعية أو شيخ عشيرة، بل مدرسة قائمة بذاتها في الأصالة والكرم والشهامة، وصوت حق لا يلين، ورمز وطني يعكس صورة الكرك المشرقة ووجه الأردن الأصيل.

ليس غريبًا أن يحظى الشيخ جاسر بمكانة رفيعة ومحبة واسعة، فهو ابن بيتٍ حمل راية المجد منذ عقود طويلة. فجده الشيخ فياض الطراونة، ووالده الشيخ حمد الطراونة، لم يكونا مجرد شخصيات عشائرية عابرة، بل كانا أعمدة من أعمدة الكرك والأردن، قدّما المواقف الوطنية المشرّفة، وغرسوا قيم العزيمة والكرامة في نفوس من حولهم ومن هذه الجذور الضاربة في التاريخ، انطلق الشيخ جاسر ليكمل المسيرة، فحمل لواء الحكمة والوفاء، وكرّس حياته لخدمة الناس، وواصل مسيرة آبائه وأجداده بوعيٍ وإخلاصٍ قلّ نظيرهما.

الشيخ جاسر الطراونة لم يكن يومًا بعيدًا عن أبناء مجتمعه، بل ظلّ حاضرًا بينهم في كل تفاصيل حياتهم عرفه الجميع بتواضعه الجم وبساطته التي تُقربه من الكبير والصغير على حد سواء. كان مجلسه مفتوحًا على الدوام، يستقبل الضيوف ويستمع للناس، ويقف إلى جانبهم في أفراحهم وأحزانهم، متجسّدًا قيم العشيرة الأردنية التي تعني أن تكون السند الحقيقي لا مجرد شاهد ومع مرور الزمن، لم تتغيّر صورته في عيون الناس، بل ازدادت قوة ورسوخًا، حتى صار واحدًا من أكثر الشخصيات المحبوبة التي يُجمع على احترامها أبناء الكرك وكل من عرفه.

آمن الشيخ جاسر بأن المجتمعات لا تنهض إلا بشبابها، فكان حاضرًا في كل فعالية ومبادرة تسعى إلى تمكينهم أو فتح الأبواب أمامهم. لم يتأخر عن دعم أي نشاط شبابي أو مجتمعي، إدراكًا منه أن الشباب هم الامتداد الطبيعي للإرث العشائري والوطني، وهم رأس المال الحقيقي للوطن لذلك لم يكتفِ بالمشاركة الرمزية، بل كان سندًا ومعينًا، يمد يده بالخير ويزرع الأمل في نفوس كل من حوله، لتصبح سيرته شاهدة على رجل دعم الناس لا بالكلام بل بالفعل.

في كل موقف تطلّب كلمة حق، كان الشيخ جاسر حاضرًا بصلابة وثبات، مؤكدًا أن الشجاعة لا تكمن في القوة وحدها، بل في قول الحقيقة عندما يسكت الآخرون هذا الموقف المتأصل فيه جعله محل ثقة وإجماع، إذ اعتاد أن يقف دائمًا بجانب العدل والحق، محافظًا على الإرث الذي ورثه عن والده وجده. وإلى جانب مواقفه المجتمعية، كان ولاؤه للوطن وقيادته الهاشمية الحكيمة ولاءً مطلقًا لا يقبل التأويل. فقد كان يرى في القيادة الهاشمية صمام أمان الأردن، وضمانة استقراره، فالتف حولها بإخلاص، مجسدًا المعنى الأعمق للانتماء والوفاء الوطني.

اليوم، حين يُذكر اسم الشيخ جاسر الطراونة، فإن أول ما يخطر في البال ليس صفته العشائرية فحسب، بل رمزيته الجامعة التي تعكس صورة الكرك والأردن في آن واحد بيته بقي وما زال بيتًا للكرم والضيافة، ومجلسه فضاءً للصلح والإصلاح، وصورته في أعين الناس لم تُبْنَ على موقع أو منصب، بل على قاعدة صلبة من الأخلاق والصدق والمواقف المشرّفة وهو بذلك لم يعد مجرّد شخصية محلية، بل أحد رموز الوطن الذين يمثلون الأصالة والثبات في زمنٍ تتغير فيه الملامح بسرعة.

قد يرحل الزمن وتتغير الوجوه، لكن سيرة الرجال العظماء تبقى خالدة في القلوب والذاكرة. والشيخ جاسر حمد الطراونة واحد من هؤلاء الذين يصعب أن يتكرروا سيرة ممتدة من إرث الأجداد والآباء، إلى حاضر مليء بالعطاء والوفاء، إلى مستقبل سيظل يروي للأجيال أن هناك رجالًا جسّدوا معنى الرجولة والشهامة والوطنية الصادقة هو رمز للأصالة، وعنوان للكرامة، ووجه مشرق للكرك والأردن، وأثره سيبقى شاهدًا على أن الوفاء والولاء قيم لا يطويها الزمن.