فراس عوض
كأن السياسة الأردنية تعيش لحظة امتحان حقيقية، لحظة لا رجعة فيها. المحكمة الإدارية أيدت قرار حزب العمال بفصل النائب محمد الجراح، لتفتح الطريق نحو مشهد قانوني شديد الوضوح: إما أن يطعن الجراح أمام المحكمة الإدارية العليا ويظفر بمعجزة تقلب الحكم، أو أن يستسلم لمسار بات شبه محتوم، فتدور عجلة القانون بلا توقف.
هنا، القطعية هي كلمة السر. ليست مسألة شكلية أو إجرائية، بل نقطة فاصلة تقرر المصير. فالقرار الحزبي حين يكتسب الدرجة القطعية لا يعود قراراً داخلياً، بل يصبح بمثابة حكم نافذ يطال المقعد النيابي نفسه. والقانون كان صارماً وصريحاً: ..النائب الذي يخرج من حزبه بقرار قطعي، يخرج معه مقعده من البرلمان.
النص الواضح في قانون الانتخاب لعام 2022 يحسم الجدل: إذا استقال النائب الفائز على القائمة الحزبية من حزبه، أو فُصل منه بحكم قطعي، يُملأ مقعده بالمرشح الذي يليه في القائمة نفسها. لا اجتهاد ولا مساحات رمادية، بل قاعدة صلبة ربطت المقعد الحزبي بالانتماء الحزبي. والنتيجة المباشرة إذا بقي الحكم كما هو: الجراح يغادر القبة، وخليفته في القائمة يتأهب للدخول.
الخطوات التالية محسوبة بدقة. بعد أن يكتسب الحكم صفة القطعية، تصل الأوراق إلى مجلس النواب، فيُعلن رسمياً شغور المقعد. بعدها تتحرك الهيئة المستقلة للانتخاب لتسمية المرشح التالي، ليؤدي اليمين الدستورية تحت القبة. وهكذا يثبت أن المقعد الحزبي ليس ملكاً شخصياً، بل عهد بين الحزب والناخبين، ومن ينقض العهد بحكم قطعي، يسلّم المقعد لغيره.
من يظن أن المسألة ستظل رهناً للمساومات السياسية يخطئ، فالقانون جاء واضحاً لا يقبل المناورة. الإصلاح السياسي الذي تبنته الدولة يقوم على فكرة ربط النائب بحزبه حتى النهاية. الفوز بالمقعد الحزبي هو فوز جماعي، وليس تذكرة فردية قابلة للاستخدام الشخصي. ولهذا فإن قول الفصل لن يطول: إذا رفضت المحكمة الإدارية العليا الطعن، أو لم يُقدَّم الطعن أصلاً، يصبح القرار نافذاً، ويغادر الجراح البرلمان ليجلس خليفته مكانه.
الخلاصة النارية أن الوقت فقط هو ما يفصل بين الجراح وبين فقدان مقعده.. فبمجرد أن يصبح الحكم قطعياً، لا مجال للجدل أو المساومة. القانون لا يرحم، والمقعد سينتقل مباشرة إلى من يليه في القائمة. والرسالة واضحة لكل نائب حزبي: الكرسي ليس امتيازاً شخصياً، بل التزام حزبي وشعبي، ومن خرج عن الحزب بحكم قطعي خرج عن البرلمان أيضاً.