بقلم: المحامي حسين أحمد الضمور
قولوا لِمَن يروّج أن المنسف مجرد نسف قمح إن كلامه مردود عليه؛ فالمنسف ليس طبقًا عابرًا على موائد الأردنيين، بل هو تاريخ وهوية ورمز أصالة.
يعود تاريخ المنسف إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، وقد ارتبط منذ القدم بالنضال والتميّز عن اليهود. ففي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، طلب الملك ميشع من شعبه أن يطبخوا اللحم باللبن، مخالفةً لليهود الذين كانوا يحرّمون ذلك، وليُميّز أبناء شعبه عنهم، وليقطع الطريق على أي تقارب أو اختلاط قد يهدد وحدة الجماعة وهويتها.
منذ ذلك الوقت، لم يكن المنسف مجرد وجبة، بل صار رمزًا للتمايز والانتماء والكرامة. على مر العصور، ظل شاهدًا على الكرم الأردني وعلى نقاء الولاء، وعلى أن الأرض والهوية تصان أحيانًا حتى في تفاصيل الطعام الذي يجتمع عليه الناس.
المنسف ليس قمحًا ولحمًا ولبنًا فحسب، بل هو ذاكرة وطنية وموروث حضاري، بقي شامخًا عبر آلاف السنين، ينسف الجوع عن موائد الأردنيين، وينسف معه كل محاولات التشويه والتقليل من أصالته.
فالمنسف ليس أكلةً تُؤكل… بل هو حكاية تُروى، وهوية تُحفظ، وكرامة تُصان.