خاطرة | حين يوشوش الليل في أذن القصر

13 ثانية ago
خاطرة | حين يوشوش الليل في أذن القصر

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة
في قلب الممالك، لا تكون الخيانة سيفًا يلمع في وضح النهار، بل ريحًا باردة تتسلّل من شقوق الجدران، تحمل في طيّاتها الهمس المسموم.
هناك، حيث ينام الأمير مطمئنًا لوفاء حاشيته، يقف ناصحٌ أمين، عهده الكلمة الصادقة، ودرعه الأمانة، وعينه على أفق الوطن أكثر من عينه على موطئ قدمه.
لكن في دهاليز الحكم، حيث تختبئ الذئاب بثياب الحملان، تبدأ المؤامرة برشة عطر من كلمات معسولة، وبلمسة مجاملة ظاهرها الولاء وباطنها الحسد. يقتربون من العرش كما يقترب الظل من الضوء، لا ليدفئوه بل ليطفئوا أنفاسه.
إنهم يعرفون أن النصح الحقيقي مرّ على من تعوّد طعم السكر، وأن الأمانة عبء ثقيل على من لا يجيد غير حمل الريش، فيشرعون في نسج الحكايات وتلوينها بألوان الخداع، حتى تبدو للناظر حقائق.
وحين يكتمل القيد حول قلب الأمير ، يختفي الناصح من المشهد، لا لأنه ضعيف، بل لأن الطعنات في الظهر لا تعلن موعدها. وعندها، يخلو الجو للذئاب، فيرقصون على أرض الحكم كما لو كانت غابة بلا حارس.
لكن التاريخ علّمنا أن الغدر، مهما طال، يترك رائحته، وأن الساسة ، مهما أُغشي على أبصارهم، تعود إليهم البصيرة يومًا… فيجدون أن من أبعدوه كان السدّ الأخير قبل أن يغرق القصر في ماء الخيانة.