بقلم اسراء خالد بني ياسين
كاتبة وباحثة في الشأن التنموي .
وادي الريان أو ما يُعرف بوادي اليابس، يُعد من أشهر الأودية الجانبية شمال الاردن، وهو من الأودية دائمة الجريان التي تجمع في مسارها الطبيعي معظم تفريعات مياه الأمطار والسيول القادمة من شمال وغرب محافظة عجلون، مرورًا بلواء الكورة، وصولًا إلى الأغوار الشمالية.
هذا الامتداد الطبيعي للوادي يجعله شريانًا مائيًا ذا أهمية استراتيجية لمناطق واسعة تعاني من فقر مائي حاد وتضييق متزايد على المصادر الزراعية.
ورغم هذه الأهمية، فإن مشروع إقامة سد على هذا الوادي تأخر لعقود طويلة، رغم وجود دراسات ومقترحات قُدمت منذ أكثر من ثلاثين عامًا، أشارت إلى جدوى بناء سد عند مصب وادي اليابس في منطقة وادي الريان، بهدف جمع المياه وتنظيمها بدلًا من ضياعها في نهر الأردن أو البحر الميت دون استفادة حقيقية منها. هذا السد، لو أقيم، لكان اليوم أحد أهم السدود التي تغذّي المناطق الشمالية بالمياه، ولخفف من وطأة الاعتماد على المصادر الجوفية التي تُستنزف عامًا بعد عام.
الواقع المائي في الأردن، ولا سيما في محافظات الشمال، بات مأزومًا بصورة خطيرة. وتُعد مناطق مثل لواء الكورة ولواء الأغوار الشمالية من أكثر المناطق تضررًا من هذا الواقع، حيث تتراجع الحصص المائية للأهالي والمزارعين، وتتراجع معها الإنتاجية الزراعية التي كانت يومًا ما تُغذي الأسواق المحلية وخصوصا منتجات الرمان ودبس الرمان الاصيله.
إن إعادة النظر في مشروع سد وادي الريان ضرورة وطنية لا تحتمل المزيد من التأخير، خصوصًا في ظل تكرار الفيضانات والسيول في الشتاء، والتي تذهب مياهها هدرًا دون تخزين.
أما من الجانب السياحي، فإن وادي الريان يشكّل منطقة خلابة بطبيعته وتنوعه البيئي والمناخي.
فهو يحتضن شلالات طبيعية، وجداول دائمة الجريان، وأشجارًا وارفة، بالإضافة إلى تدرجات تضاريسية مميزة جعلت منه مقصدًا للمتنزهين والمجموعات البيئية وطلبة الجامعات.
السياحة البيئية في هذا الوادي شهدت في السنوات الأخيرة انتعاشًا محدودًا، رغم ضعف البنية التحتية، مما يشير إلى إمكانية تطويره ليكون من أبرز المعالم الطبيعية الجاذبة في الأردن إذا ما توفرت الاستثمارات الكافية في تحسين البنية التحتية في منطقة الوادي كالطرق والمرافق الاساسية للاصطياف.
وفي حال تم إنشاء سد على وادي الريان، فإن الفوائد لن تقتصر على المياه وحدها، بل ستتعدى ذلك الى افاق اخرى لتشمل تحفيز السياحة البيئية والداخلية، من خلال إنشاء مرافق خدمية ومنتجعات بيئية حول مجرى الوادي الغني بمزارع الرمان والحمضيات، فضلًا عن تشغيل الأيدي العاملة المحلية وتنشيط اقتصاد المنطقة.
انني اكاد اجزم بأن بناء مثل هذا السد سيوفر مصدرًا اضافيا للري في منطقة الأغوار الشمالية التي تُعد من أهم سلال الأردن الغذائية، والتي تشتهر بزراعة الحمضيات والموز والخضروات.
إن إقامة سد وادي الريان هو قرار يتجاوز كونه مشروعًا هندسيًا، بل هو مشروع استراتيجي للسيادة المائية والتنمية المستدامة في منطقة تُعاني من الإهمال التنموي والمائي. وعلى الجهات الرسمية، وفي مقدمتها وزارة المياه والري، أن تُعيد فتح هذا الملف (المركون في ادراجها منذ عقود) بعين المسؤولية والالتزام الوطني، استنادًا إلى ما تملكه من سجلات تصريف مائي وخرائط طبوغرافية، وأن تسعى لتأمين تمويل مناسب من الموازنة أو من خلال الشراكات الدولية، لأن مثل هذا المشروع لن يخدم فقط الحاضر، بل سيحمي مستقبل الأجيال القادمة من العطش والانكماش الزراعي.
في الوقت الذي تُصارع فيه عجلون والكورة والأغوار الشمالية من أجل قطرة ماء، يبقى وادي الريان شاهدًا على الفرص الضائعة، والمشاريع المؤجلة، والآمال التي ما زالت تنتظر من يُنصفها.