القلم لا يقتل..ما تعرض له فارس حباشنة جريمة مركبة

29 ثانية ago
القلم لا يقتل..ما تعرض له فارس حباشنة جريمة مركبة

د. هاني العدوان

 ما تعرض له الصحفي فارس حباشنة من اعتداء سافر أمام منزله في عمان، يعد جريمة مركبة، جريمة بحق إنسان أعزل، وجريمة أعمق بحق المجتمع وحقه المقدس في المعرفة والحقيقة، فالصحفي، في جوهر رسالته لا يملك سوى قلمه، ولا يحتمي إلا بدرع الكلمة الحرة، الصحفي فارس حباشنة، الذي عرفناه دوما مقداما في ميدان الكلمة، مكافحا في كشف الحقائق وتسليط الضوء على الملفات المعتمة، وجد نفسه أمام عنف أعمى، عنف لا يجيد الرد إلا بالسكين والقنوة والمشرط، في دلالة واضحة على إفلاس الحجة وضياع المنطق

   لو كان ما نشره هذا الصحفي افتراء أو كذبا، لكان المعتدي أولى باللجوء إلى ساحات القضاء، حيث كفل الدستور الأردني في مادته (101) حق التقاضي لجميع الأشخاص، ونصت المادة (15) على أن تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بل وأكد قانون المطبوعات والنشر، في مادته الثامنة أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة، ولا يجوز تعطيلها بأي وسيلة، أما اللجوء إلى العنف، فهو في حقيقته إعلان عجز عن دحض الكلمة بالكلمة، ودليل قاطع على فقدان القدرة على مواجهة الحقيقة في ساحة الفكر والعدل

  إن الاعتداء على الصحفيين، أيا كانت

خلفياتهم، هو جريمة ضد حرية الصحافة، وإرهاب صريح موجه لإسكات الأصوات الحرة، ومحاولة فاشلة لزرع الخوف في صدور الكتّاب وأصحاب الرأي وهو ما عبر عنه الفيلسوف جون ستيوارت ميل، حين قال إسكات الرأي هو سرقة للبشرية، سواء للرأي المخالف أو للرأي المؤيد، لأنه يمنع الصواب من أن يظهر، والخطأ من أن يدحض

   إن الدولة، في أي نظام قانوني سليم، مسؤولة عن حماية الصحفيين بوصفهم حماة الكلمة وصوت الحقيقة، ونحن في الأردن، إذ نعتز بأجهزتنا الأمنية والقضائية التي أثبتت مرارا يقظتها وحرصها على صون الحريات وحماية الحقوق، نثق بأنها ستلاحق كل من سولت له نفسه العبث بأمن الكلمة، وتقديمهم للعدالة بلا تهاون، حتى لا يبقى في الفضاء العام من يعتقد بأن السكين قد تنتصر على الحبر

  إن حماية الصحفيين هي واجب وطني وأخلاقي، ومسؤولية مشتركة بين الدولة، والمؤسسات الإعلامية، والمجتمع بأسره فالصحافة الحرة هي رئة المجتمع التي يتنفس بها، وهي مرآته الصافية التي يرى من خلالها عيوبه وأخطاؤه ليصحح مساره

نحن، حين نكرس أخلاقيات الصحافة كرسالة شريفة، نؤكد أن الكلمة الحرة، وتبيان الحقائق، والإشارة إلى الأخطاء، لا تبرر أبدا اللجوء إلى العنف لإسكات الحقيقة، فالاعتداء على الصحفي هو شروع بالقتل، وجريمة كبرى تمس هيبة الدولة والقانون، وتفتح باب الفوضى على مصراعيه

   إنه من المعيب، بل من المخجل، أن تتحول الكلمة إلى جريمة، والقلم إلى هدف، والحق إلى دم

كل التضامن مع الكاتب الصحفي فارس حباشنة، ومع كل قلم شريف لا يهاب في الدفاع عن الحقيقة وكشفها، ليبقى الوطن عاليا بكلمة الحق، لا بسكين الظلام