أعلام وأقلام: الشاعر الإعلاميّ الأردنيّ نضال برقان والنضال .. تحت سماء واحدة

دقيقتان ago
أعلام وأقلام: الشاعر الإعلاميّ الأردنيّ نضال برقان والنضال .. تحت سماء واحدة

بقلم فايزة عبد الكريم الفالح

مِن على شُرفة الأيام ، حيث ترقص الظلال في مساءات الأكوان ، وتتلألأ الأفكار في قلب مدوّنتي كالنجوم في سماء الليل. أمدّ يدي إلى القلم ،فتتحرّك نسائم الفكر على الورق، وتتشكّل سطور الليل في نثر المقال ، يُعبّر عن عمق الروح. في هذه الّلحظة تتلاقى الكلمات والليل والقلم في لوحة الخاطر من الإبداع، تعكس الرؤى في مرايا وجه الحياة. وها … يتدّفق الحبر من قلمي كالنهر العذب، على ضفّتيه تتشكّل الحروف يانعة متفتّحة في ربيع النصّ . والقلم ما زال يرقص في يدي ؛ على لحن وتر شغاف الأدب والشعر . في هذه اللحظة فقط، أُصبِحُ جزءًا من الكون، والكون يُصبَحَ جزءًا مني. الكلمات والليل والقلم يصبحن أصدقائي اللواتي يشاركنني رحلتي في عالم الإبداع ؛ المتفرّد به الإعلامي الشاعر الأردني ” نضال برقان” .

قافلة الشتاء والصيف …
درب التاريخ طويلةٌ ممتدةٌ إلى الأفق، و”الخليل” خليلة “عمان” على موعد ترنو إليها مع الشفق مع القافلة ، وفي أوّل الرَكَب ثمّة ساعٍ يسعى بحملٍ يسير ، علّه يزداد رزقه حِمل بعير…! . يذهب ويعود مع القافلة ؛ واليقين يملكه ؛ بأنّ درب الأهل والديار قريبة ، والحرّيّة مفتاح باب الذهاب والإياب؛ يعبُر ويلج منه متى وكيفما شاء ، في جيبه قليل من الربح كثير البركة ، والقصص تملأ جعبته في آن . كلّ مرّة تتشابه ملامح الرحلة مع ملامح ” البرقاني. كم طويل درب الرحلة بالمشقة…! إلا أنّها في طريقها تمرّ بجبال من العنب والزيتون؛ يضيء درب القافلة قنديل النور ؛ فيتواقد وجه التاجر الشابّ المغومس في التعب والنصب نورًا منه ؛ ولو لم يمسس تلال الزيتون نار . و من ينابيع الماء العذب تشرب قافلة الشتاء والصيف ؛ لتروي ظمأ الشوق في قلب التاجر “البرقاني” لأولاده وزوجه بالحب والسلام. وها هي … الأعوام القمريّة تمرّ مسرعة،وإذ بالسنين الخريفيّة تأتيه على غير موعدٍ ؛ حازمًا أمره ؛ لكن هذه المرّة يُساق عنوة إلى مقصلة التّرحيل والتهجير، لا خيار أمامه إلّا النزوح عن بلده وداره ؛ والحرقة تحرق أنفاسه …! يتبع خطاه إلى مأوى ، لا شيء معه سوى أثمن ما يكون من زينة الدنيا من البنين، وحسنة الدنيا والآخرة الزوج الصالح…! إلّا أنّه استمر يبكي أعزّ مكان لديه ، وإنّها أحبّ البقاع لديه ، لولا أنّ الغزاة أخرجوه عنوة لما خرج . عمان التى أرخت اهدابها له ؛ تبكي معه خليلتها “الخليل” وعشقها “فلسطين” …!. حتّى وأن أناخت القافلة ركابها؛ إلّا أنّها لم تضع رَحلَها…! على أمل العودة .غير أنّ …! الدار أمان، وجنّاتها روح وريحان ؛ “جبل النصر” مغروسٌ في أرض “عمان” جبل من أصل سبعة؛ صافّات يسبحن بالسبع المثان …! ما أن يبدأ أحدهم ب”بسم الله الرحمن الرحيم” حتّى يتضرّع ثانيهم “الحمد لله رب العالمين” فيؤمن سابعهم ” اللهم آمين”… والأبُ”البرقاني” يردّد: ” ربّي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ” ، والأمّ تتصبّب عرقًا من بعد مخاض عسير ، طفل يرتعش صارخا، معلنًا نضاله من أوّل شهقة له في الحياة …! الوالدان مناضلان على دروب الصعاب ؛ من أجل الأبناء، فكان اسم الطفل حاضرًا ، “نضال برقان” .
قليل من ندى الأعوام ، كثير من عجاف السنين مرّت على عائلة لم تعرف غير الكفاح لها عنواناً. عشرة كواكب، منهم ستة أبناء، وأربع بنات ، والشمس والقمر ، كلّهم لله ساجدون . سقف بيت مفتوق تقرض الشمس ساكنيه في مطلعها وعند زوالها ،جدرانه المتآكلة تضمّ بين جوانحها قلوباً ليّنة ؛ إلا أنّها مُعَدَّة جيّداً لتحمّل ضنك العيش رغم صِغر الأبناء والبنات …! . المطبخ الخارجيّ نار موقدته الطينيّة مُشتعلة صيفاً شتاء ؛ لإعداد الطعام وللتدفئة في آن . و لخبز الصاج رائحة معتّقة رامت عليه الأمّ بركة ، فزاد وهج النار حناء أكفّها حمرة داكنة لَوَّحها لون سواد دُخان الحطب …! ، ماهرة هاتيك اليدان بنسج الخيط على الخيط ، والأنامل تعزف على وتر إبرة الخياطة ؛ يدندن ببهجة الالوان خيط التطريز الحريريّ ؛ على قطعة قماش من (الإيتامين) ، ثمّة في كلّ ثقب حكاية لثوب امرأة …! . وبهذا كان عمل الأمّ بالخياطة والتطريز هو مصدر رزق أساسيّ بجانب عمل الأب ، وما أسمى الطهر حين يتشابك مع القوّة …! .

“حجرة بحجم القصر” …
ضاق الحال على الحال، وإذ بأفراد العائلة “البرقانيّة” تكبر يوما بعد يوم ، ولا معين للأب غير الأمّ …! خارت القوى ومسؤوليّات الراعي تجاه الأسرة جِسام … والقلب يا _برقان_ ما زال مشتعلا بالآمال …! فاستعر الرأس شيباٍ قبل الأوان…! . وأصبح لا خيار للأبناء أمام ضنك العيش المستمرّ ؛ إلا أن يتخلّوا عن أمآلهم الكبيرة بإكمال المرحلة الدراسيّة الثانويّة … تاركين على مقاعدهم ظلّ أحلام مبعثرة في عتم الأفق …! ؛ ولا بدّ من البحث عن فرصة عمل في مطعم ، ورشة دهان ، (كراج سيارات)، أو حتّى حمّال في سوق شعبيّ ، ليس مهماً مقابل أن يحصلوا على ربح يَسير …! . وإذ بالحجرة تضيق مساحاتها على أحبّتها يوما بعد يوم…! ، فكان لِزاماً على الأب أن يضيف حجرة جديدة كلّ مرّة بجانب أختها . يتعاون أفراد العائلة في بنائها من الطوب … وما أن يحين الأوان لسقفها حتّى يستعين الأبّ بمعلم بناء ؛ فالسقف أولى أن يكون مُحكم البناء …! فالحجرة التي كان فيها معاشهم وسباتهم حاضرة دوماً في قلب المناضل الصغير ” نضال برقان” باقية في عينه “حجرة بحجم القصر” تماماً كما صوّرها قلم الكاتبة “فايزة عبدالكريم الفالح” ذات مساء : ” في الوقت مُتّسعٌ ، والفضاء مندهشٌ ، لحُبٌّ قديم للعب في الحارات بغبارِ الطُّرقِ ، لا زِخام، ولا ازدحام…! ولا تعرقلٌ بالأقدام …! بيتنا الصغير ، حجرة نعيش فيها … نلهو.. نمرح…نأكُل… ننام على فراشٍ واحدٍ … كلٌّ له من الحُبِّ مّتّسع ” .
وها قد … كبُرَ الشاعر الفتى “نضال” ولم يكن بأوفر حال من إخوته .ما إن أنهى المرحلة الإعداديّة حتّى جاء دوره بالبحث عن فرصة عمل … وبعد ممارسة كثيرة من الأعمال استقر به الحال ؛ لأن يعمل صانع حلوى … ثمّة سرّ جمع ما بين الشاعر العربي الكبير “نزار قباني” والشاعر الواعد آنذاك ” نضال برقان” ، مع مفارقة كبيرة بينهما أيضاً …! فالأوّل كان يعمل بمصنع والده، والثاني كان أجيراً في مصنع غيره …! لكنّها الحلوى التي جمعت بينهما على أيَّة حال …! . نعم … هكذا تساوت مقادير الحلوى مع مقادير الأقدار …! .

تخبرنا الأيام …
تنهض الأيام على ذراع الزمن …! تخلع الأعوام
عنها جلباب السنين…! ومن تحت رُكام الصعاب قام المناضل ينفض عنه عجاج المستحيل…! في طريق الذهاب والأياب يجذبه مشهد بسطات الكتب المترامية على جنبات الرصيف هنا وهناك ؛ ثمّة شيء يتحرك في خوالجه، تنتفض أنفاسه لهذا الشيء…! يتحسّسه بيد الأس، بذات الأنامل التي تضع مقادير الحلوى دون زيادة أو نقصان ، راجحة كفّة الميزان…! إنّه الشغف الذي بات يُشعل قريحة الشاعر الذي ولد معه ؛واللوم على الأيام التي أسكتته طويلاً…! وقف مليًّا أمام كتاب “الأيام ، فقرّر أن يقتنيه. سار به إلى ركنه الهادئ ، ولا ركن هادئ له مثل نفسه رغم الزحام…! كتاب “الأيام” كان له أثر كبير على المناضل ؛ حين وجد نفسه أخيراً في تجارب وذكريات “طه حسين” ، وكيف كان بصراع مع الإعاقه ، والبحث عن الذات ، تماما كما إعاقة الظروف القاهرة التي أعاقت عثراتها اكتشاف “نضال برقان” لذاته ، والبحث عن هويته كشاعر ، وماهيّة تفكيره حتّى يرى العالم من منظور جديد . وبعد أيام من بعد قراءة كتاب “الأيام” والذي كان أوّل كتاب يقرأه بحياته انكسر حاجز الصمت فيه ؛ ليقتني مجدداً كتاب “ألف ليلة وليلة” ممّا ترك أثراً كبير في نفسه . هو البحث عن الهروب من واقعه الأليم إلى عالم آخر من الخيال بعيداً عن الواقع ، والبحث عن المعنى لأن يكون …أنامل تقطر بالقطر … وقلم يقطر بالشعر …
تَبِعَ المناضل حقيقته، ناظراً إلى عُرْجَةَ ذاته، ثمّة بهجة تقطر من خلجاته، حين تناصف شعوره كلّ جهاته، أنسلّ من الصفّ ، وفرّ الصمت من الزحف ، رَبَعَ في ربضَتِه ، وطَفَقَ يرتع في خيال روضتة ، في لحظة عجولة وأنامله تقطر قطراً، التصقت ورقة بها ، وإذ بقلمه يقطر عليها من لباب وجده شعراً …! فتفجّرت قريحته الشعوريّة من مصنع الحلوى اتقن حرفته . وها … من الحرفة تُولَد الحروف، ومن القطر يُولد الشعر .ومن الشعر ما أحيا…! . فاضت تنانير السطور بعذب المِداد ؛ بعد أن أعدّ الشاعر المناضل عدّته من رباط الكَلِمِ الأصيل ، وقوّة المعنى الجميل ، شاهراً قلمه ، بارزاً اسمه على صفحات جريدة “العرب اليوم” من حسن المقال ، والتي فيها ما فيها من الكلمات الجِزال…! ، ممّا أثار إعجاب القراء لهذه الصحيفة ، حتّى بات القائمون عليها ينتظرون كلّ جديد من الشاعر “نضال برقان” … وما أن تنفس المناضل الصعداء ، وأخذته الغفوة تحت ظلّ الحلم الوارف فيه؛ بساعة استراحة محارب
أخبره رئيس عمله ، أنّ مصنع الحلوى قد توقف عن العمل . وإذ بالحال يضيق مجدداً على الحال …باقة الكتابة متنفسه الوحيد ، على موعد مع “العرب اليوم” لتسليم إحدى كتاباته إليها … وإذما فتح المرء نافذة الكون ؛ عليه أن يتنفس عظمة الله … فكان اللقاء مع رئيس التحرير لجريدة “العرب اليوم” الإعلامي الأردني “طاهر العدوان” ورئيس قسمها الثقافي الإعلامي الأردني “إبراهيم جابر” وبدون ترتيب مسبق سأله رئيس التحرير: : عن حاله وعن عمله . فأجابه “برقان” : لا عمل لديّ
“وإذ ما أراد الله شيئا يقول له كن فيكون” ، فعرض عليه الإعلامي “طاهر العدوان” العمل معهم بجريدة “العرب اليوم” ، مندوباً صحفيّاً رسمياً فيها . من هنا بدأ درب المناضل في مجال الإعلام منذ عام 2005 إلى يومنا هذا من عام 2025 مدير للدائرة الثقافية في جريدة [الدستور] الأردنيّة . وما زالت أنامله تقطر بالقطر ، وقلمه يقطر بالشعر …

درب النضال…
للحقيقة مرآة واحدة ، تنعكس صورتها في كلّ الاتجاهات ، بحجم ثقلها يكون الرضى ، وبمساحة الصدق لها يكون العبور إلى الضفّة المقابلة منها ، ومعنى أن يخاطب الشاعر “نضال برقان” الحقيقة بتجرّد ، يتبع مؤشّر بوصلة اكتشاف ذاته. فيبوح لها : “أيّتها الحقيقةُ كشرفةٍ في القلب …أيّتها الحقيقة كزهرة في صدع البلاد …أيّتها الحقيقة كأغنيةٍ لم تزل نديّةً منذ حروب كثيرةٍ” . نعم … قد آن الأوان لتحقيق حُلُمٍ كاد أن يكون عفا عليه الزمان ، بعد عشرين عاماً من خروجه من المدرسة مبكّراً ؛ تقدّم إلى امتحان الثانويّة العامّة لأوّل مرّة وهو على رأس عمله في جريدة الدستور الأردنية ؛ فكان النجاح حليفه وبتفوّق. وقتئذ كان ربّ أسرة، وراعياً لزوج معطاءة، وقفت معه متحديّة كلّ الصعاب ، لطالما كان يرى في عينيها طيبة فؤاد وقوّة عقل والدته ، وابتسامتها الدائمة التي رامت على فؤاده بالتعطّف والحنو… وها هو بالسرِّ يبوح لها : “في عينيكِ أرى وطني ..في ابتسامتكِ أرى مستقبلي… في صوتكِ أرى أمنياتي” . وإذ بهذي الأمنيات تتحقّق ؛ بعد أربعة عقود ونيّف كانت ما بين عجاف السنين، ورشح قليل من ندى الأعوام ؛ لوّح النضال بيد الهمّة للشاعر “برقان” بعد أن حصد غلال أربعة أعوام من زرعه ، فكانت حنطته (بكالوريس) اللغة العربيه وأدابها من أمّ الجامعات . الجامعة الأردنية .

هو و”ذئب المضارع” …
ينام يقظا ذئب المضارع في خلده ، يجوب فيافي قلبه عَدوَاً ، يسابق نبض القوافي والشعر فيه ، يجول سرّاً في غابات السحب عند مشرق عينيه، يصعد قمم فكره الشارد في وجه البدر الساطع، مرتدياً فِراء الليل…! ، يطارد شيطان السنين وظلمتها، يقصّ على “الفرزدق” وذئبه الذي كان مثل صاحبه رحلة المشتهى…! . فإلى أين تريد الوصول يا _ذئب_ المضارع…؟! والمضارع فيك يصارع عقارب الزمن في الماضي تارة …! ، وطوراً يسارع إلى الأتي حيث اللامنتهى…! حين اكتتبتَ الشاعر “نضال”على سطورك، وخبّأتَه بين دفّتيك شعراً ؛ فكنتَ أنتَ الكتاب المضارع الأوّل له ، في حين كان هو الشاعر الذئب فيك . يوم تجلّى شعراً، وارتدى حُلَّة الشعر في ديوان “ذئب المضارع” . وذاك “الكميث” وذئبه ايضا الذي كان مثل أخيه والليل مَلَمُ أوجاعهما؛ حين أستأنسا نار الشعر في ” ذئب المضارع” بعدما استفاق ذئب الأربعين عاماً في قلب الشاعر “نضال” ، وكتب “صور عائلية” : “استيقظُ صبحا ، أمشي بين غيومِ الصمتِ المتلبِّدِ في أركان البيت ، الأولادُ نيامٌ في جنّات الخِفّةِ ، جنبَ الشبّاكِ الصبّيرةُ لا باس عليها …و”رولا” ما أن تتركَ حرْفَ صلاةٍ حتى تمسكَ بالأخرى ، وأنا لا أمسكُ إلا خيطَ الحيرةِ…ثمّةَ وزنٌ يتكسّرُ ، ثمّةَ إيقاعٌ يتنفّسُ ، ثمّةَ قافيةٌ في الأثناء… وذئبُ مجازٍ يبحثُ عن دمه بدمي ،هي رائحةُ الظُلَمِ يا أبتا: كيف أناديك بغير فمِ …؟” . إنّه هو الشاعر “نضال برقان” ، المناضل البارع ، وذئبه المجازيّ المضارع ما زال في ساحة النضال يصارع .

رسائل من … ” تحت سماء واحدة” …
الشعر خيمته الوحيدة ، ويد أمّه قنديل هذه الخيمة…! ، وحبل وتينه معقودٌ بتلابيب سرّها، اكتتبها رسالة من مآقي البحار ، فكان هو وهي تحت سماء واحدة: أمّي.. التي لم أحدِّثُكِ عنها بعدُ ، تستطيعين معرفةَ كلِّ شيءٍ عنها …إذا نظرتِ إلى أمّكِ ،من خلالِ ثقبٍ في القلبِ ،أو شَرخٍ في جدارِ الروح …! هما شقيقتان..
ولدتهما أمٌّ كونيةٌ واحدة ،تمشطان، كلَّ صباحٍ، شعرَ الشمسِ ، وتغنيان، كلَّ مساءٍ، الأغاني ذاتَها للنجوم ؛ كي يحلمَ أبناؤهما أحلاما سعيدة …
وهما شريكتان في الجراحِ ذاتِها ، تلكَ مِن هناك… هذه مِن هنا … وكلاهما، دائما، تحتَ سماءٍ واحدة” . على ناصية الكلمات ترقرق عين القلم وانسكب على أسيل السطور يكتب : إلى ذاك الفتى الحييّ الذي ما برح مكانه يوماً في عصمة الشاعر “برقان” لقد آن لك أن ترفع عن نافذة روحك ستائر الخوف ، إنّ الظلام قد تبدّد وانقشع عن سمائها، فالغربة التي كانت تعيشها ذاتك بسبب غرابة الزمن ، حين كنت ابن زمان مغاير وكأنّك سبقته بعشرات السنين ذهنيّاً وعاطفيّاً، ها هو الآن قد وصل إليك؛ ووجدت زمانك الذي تبغاه ذاتك ، تؤنسها ببوحك لها :
“أحاولُ تجريدَكِ … يا _الله_ ، بينما يأتيكَ الناسُ بالإجاباتِ التي تحبُّ ؛ آتيكَ بالكثيرِ من الأسئلةْ..أحاولُ تجريدَكِ: لا أسألُ عن الحربِ ،
أسألُ عن أربابِها… لماذا عبروا طفولتَهم من دون أن يتعلموا الغناء؟ أحاول تجريدَكِ ” .

ثمّ ماذا بعد …؟! .
أريد أن أنسج من هدب الليل رسالة أيضا … إليك أيها البنّاء الصغير ، الذي صقل غصنك حمل جرن الخرسانة من قبل الأوان ولم ينحنِ عودك … قم فإنّ الرؤى تحقّقت فيك ، ووصلت طموحاتك عنان السماء .وها أنا وأنتَ تحت سماء واحدة… مازال في الليل مُتّسع …! ارتدت أوراقي منه قميصاً ، وأدلج قلمي فيه خميصاً ، فأطرق ينكث سطور النضال مخاطباً صانع الحلوى: أنا المُشير بكَ وإليك ، حين ألتقيتك فكنتَ رفيقي الذي أذهب عن كفّيّ مُرّ مذاق السنين ، وأضفت على صبري نكهات اليُسر ، ولازمتني طويلاً في هزيع العسر.
وها قلمي ما زال منغمساً بالقطر ؛ ليكتب عنّي وعنك من تحت سماء واحدة . حتّى نهض من داخلي ذئب المضارع، أطلس اللون مِداده، يتماهى شعراً نثراً ومقالا ، والفخر يكسو أغلِفَة كُتُب المناضل ومؤلّفاته : “مصاطب الذاكرة” تطلُّ على “مصيدة الحواس” ، والحواس تسجد بعد أن توضّأت فارتوت من “مطر على قلبي” . حين سأل “نضال” : “لمَن تزرعين النجوم في حوض النعناع” ..؟ . فأجابه الشاعر فيه إنّه “مجاز خفيف” من أجل رشفة مسائيّة تعيد وجه الصباح ل “ذئب المضارع” . حين أكتتب كتاب “مقاوم من أجل الحياة / هشام عودة شاعرا” . ويسأل القلم : كيف يجتمع ضدّان في كتاب للشاعر “برقان” العذوبة والعذاب في رواية (عذبة) لصبحي فحماوي” .

ثمّة رسالة لا تنسى …

في ليلة مكتملة النور، حيث البدر البِكر يضيء السماء بنوره الفضيّ، وقف ذئب المضارع وحيداً في كتاب واسع، فارداً سطوره، رافع الرأس، ممشوقاً جسد قلمه بلياقة ومرونة. يتحرّك بخيلاء ، وكأنّه يرقص تحت ضوء القمر.

ذئب المضارع والليل والبدر متلائمين
في ذات الشاعر الإعلاميّ الأردنيّ “

نضال برقان” فكان ذئب المضارع يُعبّر عن الشاعر بكلّ ما فيه من قوّة وحرّية، وكأنّه يقول: “أنا ملك الليل، وأنا سيد هذا الكتاب .” وحق لي الفخر بكَ أيها الشاعر “برقان” . انظر إلى إنجازاتك وحصد ثمار جوائزها اليانعة : جائزة الدولة التشجيعية في حقل الآداب/ الشعر – 2006. جائزة الحسين للإبداع الصحفي من نقابة الصحفيين الأردنيين، لأفضل قصة إخبارية، للعام 2020.

جائزة “تلك الأشعار” للعام 2021، عن قصيدته “تحت سماء واحدة”.جائزة مجمع اللغة العربية الأردني لأفضل تحقيق صحفيّ حول اللغة العربيّة للعام 2022. جائزة الحسين للإبداع الصحفيّ من نقابة الصحفيين الأردنيين، لأفضل مقال صحفيّ للعام 2023، عن مقاله “الذكرى الـ60 لمولده… حبيب الزيودي الراعي الذي شيب على قلبه المثقوب”. وما زال ذئب المضارع يطلق صوت المناضل فيه ، يقول : هو ذا “نضال برقان، شاعر، صانع حلوى، طفل حييّ. هو كلّ هذه الأشياء، و أكثر من ذلك. هو إنسان حيّ، يستحقّ الحياة ، لا يخاف من الفشل، بل يخاف من أن يكون غير نفسه. أنا النضال … سأستمرّ في الكتابة، و في صنع الحلوى، وفي أن أكون نفسي” من تحت سماء واحدة أمّا أنا … والقلم والكلمات والليل … ما زلنا نجمع أوراق الأيّام ل “أعلام وأقلام” في خلجات سابحة” .

نٌشِر في يوم الجمعة 9 محرم ١٤٤٧ هـ الموافق 4 تموز 2025 م العدد 20788 جريدة الدستور الأردنية الرسمية لسلسلة الأولى من كتاب :
[ أعلام وأقلام في خلجات سابحة]
الكاتبة:فايزة عبدالكريم الفالح العجارمة.