صديق الوالد (قصة قصيرة)

30 مايو 2025
صديق الوالد (قصة قصيرة)

د. محمد عبد الله القواسمة

كان في مركز صيانة الحاسوب وحده عندما اتصلت به فتاة، قالت إن البيانات والملفات اختفت من حاسوبها، وتسأل إن كان بإمكان المركز مساعدتها على استرجاع ما فقدته. وهي على استعداد لدفع أي مبلغ مالي في سبيل ذلك. أعلمها بأن مركزهم لا يختص بهذه المسائل، ولكنه على دراية واسعة بمحاربة البرامج الضارة، وإصلاح ما أفسدته. قالت إنها لا تستطيع أن تأتي إلى المركز، وتحبذ أن يتم العمل عندهم في البيت تحت عينيها. فربما في ذاكرة الحاسوب بعض الصور ومقاطع الفيديو العائلية. قال إنهم يحافظون على سرية المعلومات، فهي جزء مهم من عملهم، وهو جاهز لخدمتها في عمل إضافي لا علاقة له بالمركز.

بعد انتهاء عمله، أخبر مديره بما جرى بينه وبين الفتاة. وأنه سيذهب إلى منزلها حسب الموقع الذي أرسلته إلى هاتفه النقال.

حسب النقود التي في جيبه، وجدها تكفي لتناول وجبة الغداء وأجرة التاكسي. وقال في نفسه إنه سيكون غنيًا بعد لقاء تلك الفتاة التي يشبه صوتها شدو العندليب. عرج إلى مطعم، ملأ معدته بقطعة كبيرة من البيتزا، ثم استقل التاكسي الذي تلقفه حالما وصل إلى الشارع الرئيسي.

دهش بجمال المنطقة، واتساع شوارعها، وهدوء قصورها، التي تحيط بها الحدائق ذات الأسيجة من أشجار السرو والزينة. ودهش أكثر من جمال تلك الفيلا التي تسكنها تلك الفتاة والحديقة التي أمامها.

استقبلته بسرور، وعرفته بنفسها شيماء القادر. أدخلته صالة واسعة، جلس على كنبة وثيرة، وجاءت الخادمة بكأس عصير، شربه دون أن يعرف مكوناته. ثم حضرت شيماء الحاسوب. سينهي عمله، ويأخذ أجرته ويمضي. سيفرح والده عندما يعود إلى البيت؛ لأنه سيحصل على مبلغ مالي مع راتبه الضئيل.

قالت وهي تجلس قبالته:

– أول مرة أواجه هذه المشكلة.

– أخطر المشاكل، التي يتعرض لها الحاسوب البرامج الضارة، التي تمتلئ بالفيروسات، التي تفتك حتى بأنظمة الحاسوب نفسه.

انتهى من العمل. أعاد كل البرامج والملفات الغائبة إلى الحاسوب دون أن يتوقف عند الملفات، ومقاطع الفيديو القذرة؛ فهو على يقين بأن كثيرًا من الناس لا تخلو حواسيبهم منها. أعلمها بأنه أنهى العمل، ويريد أجرته.

دخل رجل يميل إلى القصر، وكرشه متقدم قليلًا دون أن يؤثر في هيبته، ورأسه ضخم يكسوه شعر اضمحل سواده المصنوع عند إحدى أذنيه. التقت عيناهما. أين التقى هذا الرجل؟ تذكر بأنه صديق والده الذي تحدث عنه كثيرًا. قد درسا في المرحلة الثانوية في مدرسة واحدة، ثم التحقا بالجامعة متخصصين باللغة الإنجليزية. وبعد التخرج ذهب والده إلى للتعليم، أما هو فاشتغل في الإعلام، ثم انقطعت علاقتهما بعد ذلك. قال إنه والد شيماء سعدون القادر. قال إنه يعرفه فهو صديق والده شكري من أيام الدراسة الثانوية والجامعة. قال وهو يلوح يده:

– أنت ابن صديقي شكري؟

– نعم المهندس ماجد.

– مهندس أيضًا. أشكرك على حل المشكلة، وسأتصل بالسيد حسونة مسؤول المركز بشأن أتعابك.

– لا علاقة لحسونة بأتعابي.

– لا بد أن يعرف.

وأخرج هاتفه، واتصل بحسونة على مسمعه.

رد عليه حسونة بأن المهندس ماجد أمين ومخلص، وقد ذكر لي بأنه ذاهب في المساء لحل مشكلة لفتاة لا يعرف بأنها ابنتكم. من المفترض أن تعطيه أجرته قبل أن يجف عرقه. أعرفك تحاول هضم حق ماجد.

تكلم بغضب:

– وفر نصائحك. لن تتأدب حتى يغلق مركزك شهرًا أو شهرين.

وأغلق الخط. ثم مال إليه وطلب منه هاتف الوالد. أدرك أن أجرته في خطر، وأن الرجل يريد أن يستوفي أسلحته حتى يأكل حقه.

اتصل بوالده. مدحه بأنه مهندس ذكي وخلوق. ومضيا يتذكران أيام المدرسة، واعترف بأنه كان يحرص أن يبقى شريكه في المقعد ليساعده على مشاكل الرياضيات والإنجليزي. وختم كلامه بأنه سيزوره ليهنئه بهذا المهندس النجيب.

ما أتعس هذا اليوم الذي جاء فيه إلى هذا المكان! لماذا تركته شيماء لأبيها المتوحش؟ ما العمل؟ إنه محتاج إلى المال. يبدو أن الخطة بين سعدون وابنته حرمانه من حقه. البنت سر أبيها، وأبوها لعين الوالدين فمن تكون ابنته؟ هل يطالب بحقه، ولا يهتم بهذه العلاقات التي تربط بينه وبين والده، أم يلجأ إلى جهاز الحاسوب فيرجع ما فيه إلى العصر الحجري. هذه ليست الأخلاق التي تربى عليها. صافح الرجل وخرج دون أن يتفوه بكلمة. سمعه وهو يخرج:

– سلم على والدك.

في الطريق راح يعد ما تبقى في جيبه من نقود. ليس غير بضعة قروش لا تكفي إلا لتقريبه من المنطقة التي يسكنها. صعد الباص، وهو يلعن سعدون القادر وأمثاله، حتى لو كان من أصدقاء والده.
وصل إلى البيت وقد هده التعب. أدرك والده ما حدث له فقال:

– يا ولدي سعدون القادر ليس صديقي. كنا زملاء في المدرسة والجامعة، وانتهت علاقتنا مع دخولنا الحياة العملية. عندما تتغير مواقعنا تتغير أفكارنا ومبادئنا.

أطرق رأسه، ودخل غرفته لينام.