شواطئ البحر الميت المفتوحة.. واقع بائس يخلق جهدا مجتمعيا لإحيائها

22 ثانية ago
شواطئ البحر الميت المفتوحة.. واقع بائس يخلق جهدا مجتمعيا لإحيائها

وطنا اليوم:في مشهد يجسد الإرادة الصلبة والتكاتف المجتمعي، ينتفض أهالي منطقة البحر الميت لإنقاذ شواطئه المفتوحة من براثن الإهمال، وسط غياب تام للخدمات الضرورية لاستقبال المتنزهين وزوار شواطئ البحر الميت.
ويحاول أهالي المنطقة بجهود ذاتية، تحويل هذه البقع إلى وجهات جاذبة للزوار من داخل الأردن ومن خارجه، خصوصا السياح العرب، آخذين على عاتقهم النهوض بواقع المنطقة السياحي، والتي تعد ثروة طبيعية وواحدة من أهم الوجهات السياحية في الأردن.
وتتنوع الجهود التي يقودها الأهالي لتشمل جوانب أساسية تهدف إلى تحسين تجربة الزوار، فمن حملات التنظيف الدورية التي تشهد مشاركة واسعة من أهالي المنطقة الذين يكرسون وقتهم وجهدهم لإزالة المخلفات والحفاظ على نظافة الشواطئ، إلى إنشاء مظلات ومقاعد بسيطة باستخدام مواد محلية صديقة للبيئة لتوفير الظل وراحة الجلوس للزوار.
الثلاثيني يوسف، يجهد في توفير الخدمات الضرورية التي يحتاجها الزوار والمتنزهون بإقامة العديد من العرائش وتوفير الجلسات العائلية وتأمين كافة المتطلبات اللازمة من مشروبات باردة وساخنة وغيرها من الاحتياجات التي يحتاجها الزوار لقضاء الساعات على الشواطئ المفتوحة.
ولعل أبرز ما يحتاجه الزائر، وجود مياه محلاة نظيفة للاستحمام بعد السباحة في مياه البحر الميت المالحة، إذ يقوم بشراء خزانات المياه وتعبئتها بواسطة الصهاريج وصنع منصة استحمام من خلال مد أنابيب مقابل مبالغ رمزية.
فرصة ذهبية لإيجاد مصادر دخل
يقول يوسف “أعداد كبيرة من المتنزهين يؤمون الشواطئ المفتوحة رغم عدم توفر الخدمات، خصوصا من العائلات التي لا تستطيع تحمل كلف الدخول إلى المنتجعات السياحية في منطقة البحر الميت”، مضيفا “هذا الأمر دفع العديد من أهالي منطقة سويمة المتعطلين عن العمل إلى توفير الخدمات الضرورية للزوار والمتنزهين مقابل أسعار رمزية، الأمر الذي يعود بالنفع على جميع الأطراف”.
وأشار إلى أن “غالبية أهالي المنطقة من ذوي الدخل المحدود ويعانون من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، ووجود حركة سياحية نشطة على الشواطئ المفتوحة يعد فرصة ذهبية لهم ولأسرهم التي تعتمد بشكل شبه كلي على عملهم اليومي”، لافتا إلى أنه “في ظل الإهمال وغياب الخدمات الضرورية، فإن وجود هؤلاء الشباب يعد مكسبا حقيقيا للسياحة على شواطئ البحر الميت”.
ووفق هاشم القيسي، وهو أحد الزوار فإنه “يأتي باستمرار إلى منطقة البحر الميت، أحيانا للسباحة في مياهه وأحيانا أخرى للجلوس على الشاطئ للاسترخاء في ظل أجواء هادئة بعيدا عن ضوضاء المدينة ومتاعب العمل”، مضيفا “أرتاد الشواطئ المفتوحة كونها مجانية ولا توجد أي رسوم دخول مقارنة برسوم دخول المنتجعات المكلفة، فأقضي الساعات بكل راحة وطمأنينة مع وجود عدد من أهالي المنطقة الذين يوفرون خدمة لا بأس بها مقارنة بالإمكانات المتاحة”.
ويشاركه الرأي السائح اليمني أبو مدين، الذي جاء في زيارة برفقة عائلته، قائلا “لأول مرة أزور البحر الميت وجئت إلى هنا للاستجمام بمياه البحر العلاجية وكنت أبحث خلال رحلتي عن شاطئ مخدوم بأقل الكلف حتى اهتديت إلى أحد الشواطئ المفتوحة”، موضحا “الخدمات المتوفرة، رغم تواضعها، إلا أنها توفر كل ما يطلبه السائح من أماكن مظللة وجلسات ومياه للغسيل والاحتياجات الأخرى كالمشروبات الساخنة والباردة”.
ويتفق القيسي وأبو مدين على أن “وجود الشباب العاملين في هذه الشواطئ يبعث على الأمان، كونهم يملكون من الخبرة ما يمكنهم من رعاية الزوار، خصوصا ممن يمارسون السباحة في مياه البحر المالحة”.
وبحسب الناشط محمد الخنازرة، فإن “البحر الميت هو جزء لا يتجزأ من تاريخنا وذاكرتنا وحياتنا اليومية، ومن المؤلم أن نراه في هذا الوضع”، قائلا “قررنا ألا نقف مكتوفي الأيدي وأن نبدأ بأنفسنا في تقديم ما نستطيع من خدمات بسيطة للزوار وبأسعار رمزية، رغم التحديات الكبيرة التي نواجهها لقاء ذلك”.
توفير احتياجات أساسية للزوار
وأضاف “نعمل على توفير احتياجات أساسية للزوار كتأمين مياه الشرب الباردة والمشروبات بأنواعها بأسعار رمزية، وتوفير مياه للاستحمام وتوفير أماكن للجلوس وإقامة المظلات للوقاية من أشعة الشمس وتوفير خصوصية للأسرة”، مشيرا إلى أن “غالبية الشباب الذين يعملون في المنطقة لديهم الخبرة الكافية في عمليات الإنقاذ وتوفير خدمات الإسعافات الأولية العاجلة لحين وصول الأجهزة المعنية”.
وبين أبو أحمد، الذي يؤمن خلال أيام العطل صهريج مياه لتوفير مياه محلاة لاستخدامات الزوار والمتنزهين “نعمل بكل طاقتنا وإمكاناتنا المتاحة، إلا أن طموحاتنا تتجاوز ما نستطيع تحقيقه بمفردنا”، مضيفا “نحن بحاجة ماسة إلى دعم حقيقي من الجهات المعنية لتطوير هذه الشواطئ بشكل مستدام، بشكل يعود بالنفع على أهالي المنطقة والقطاع السياحي”.
ويقول “نحن كأبناء منطقة البحر الميت نشعر بمعاناة الزوار بعد خروجهم من البحر، إذ تترك الأملاح شعورا باللزوجة وعدم الراحة، ما دفعنا إلى توفير المياه بطريقة بسيطة لمساعدتهم وتوفير القليل من الراحة لهم”، موضحا أن الخدمات التي يقدمها أهالي المنطقة تكتسب أهمية خاصة كونها توفر خدمة أساسية للزوار مما يحسن من تجربتهم ويشجعهم على زيارة المنطقة ويوفر عليهم عناء البحث عن أماكن للاستحمام، إضافة إلى أن هذه الأعمال تساهم في خلق انطباع إيجابي لدى الزوار عن المنطقة وسكانها، مما قد يشجع على تكرار الزيارة والتوصية بها للآخرين.
ويشير أبو أحمد إلى أن “غالبية العاملين يواجهون الكثير من التحديات، بدءا من مطاردة الجهات المعنية بتطوير المنطقة وتهديدهم بالترحيل بين الحين والآخر، وصولا إلى عدم وجود طرق معبدة، إذ إن غالبية الطرق الترابية الموجودة حاليا هي من صنع أبناء المنطقة”، مؤكدا أن “الشواطئ المفتوحة تعد الوجهة الرئيسة للسياحة الداخلية والعربية، وخصوصا السياحة العائلية، إذ يمكن للعائلات التمتع بشواطئ البحر الميت دون تحمل كلف باهظة، فضلا عن وجود أجواء آمنة تضمن الخصوصية والراحة”.
وقال المواطن هاشم حسن إن “معظم المتنزهين يفضلون ارتياد الشواطئ المفتوحة للاستجمام بمياه البحر مع عدم قدرتهم على تحمل كلف دخول المنتجعات الموجودة حاليا”، موضحا أن “غالبية المتنزهين يتوافدون كعائلات أو مجموعات، ما يجعل من كلف دخولهم أي منتجع أمرا صعبا للغاية”.
ويرى حسن أن “تأهيل شاطئ عام تتوفر فيه المقومات اللازمة لاستقطاب السياح، وخاصة من ذوي الدخل المحدود، سيكون الحل الأنسب لمواجهة انتشار (العشوائيات) والحد من مشكلة انتشار النفايات على الشواطئ”، مشددا في الوقت ذاته على أن “المنطقة بحاجة ماسة لمزيد من الاهتمام والرعاية، وتوفير أماكن مخدومة لاستيعاب الأعداد المتزايدة، كتوفير حاويات لجمع القمامة ووحدات صحية وتأهيل الطرق اللازمة للوصول لهذه الشواطئ”.
تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية
وكان مدير شاطئ عمّان السياحي طارق النسور قد أكد في تصريحات صحفية سابقة أن استمرار إغلاق الشاطئ خلال الفترة الماضية كان نتيجة وجود قضية قانونية عالقة بين أحد المستثمرين وأمانة عمّان الكبرى، الأمر الذي حال دون إمكانية التصرف بالموقع أو تطويره خلال تلك الفترة.
وأوضح أن الجهات المعنية أنهت التعامل مع الملف القانوني، مما أتاح المباشرة بأعمال التأهيل والصيانة اللازمة للشاطئ، استعدادا لإعادة افتتاحه أمام الزوار.
وكشف النسور أنه تم وضع نحو 15 ألف طن من رمل صويلح في الشاطئ، وذلك لتعويض الانحسار الكبير في مستوى المياه، ما أدى إلى توسعة ملحوظة في مساحة الشاطئ، ستسهم في تعزيز راحة الزوار وتحسين تجربة الاصطياف مستقبلا.
وفي إطار تحسين البنية التحتية وتوفير بيئة خدمية متكاملة، أوضح أنه تم تركيب 40 عمود إنارة يعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى تزويد الموقع بدشات مياه محلاة لخدمة الزوار ومرتادي الشاطئ.
وأشار النسور إلى أن أعمال التأهيل قاربت على الانتهاء، مؤكدا أن إعادة افتتاح الشاطئ ستكون خلال الفترة القليلة القادمة، في خطوة تهدف إلى تنشيط السياحة المحلية وتوفير متنفس آمن وبيئي للأسر الأردنية والزوار من مختلف المحافظات.
من جانبه، أوضح مصدر في المجموعة الأردنية للمناطق الحرة والتنموية أن الجهات المعنية تسعى إلى توفير بيئة سياحية آمنة من خلال تأهيل شواطئ عامة تتوافر فيها الخدمات اللازمة، مبينا أن هذه الجهات تسعى إلى النهوض بالمنطقة من خلال خدمات سياحية متميزة ومتنوعة ترقى إلى أهمية المنطقة السياحية باعتبارها أحد أهم مناطق الجذب السياحي في العالم والإقليم.
وأضاف أن الشواطئ المفتوحة تشهد تناميا لظاهرة الجلسات العشوائية للمتنزهين على شواطئ أغلبها غير آمنة ولا تصلح للتنزه، غير أنها تستقطب الزوار وبأعداد كبيرة، موضحا أن المجموعة تنوي إنشاء شاطئ عام لذوي الدخل المحدود يتوفر فيه كافة الخدمات التي يحتاجها الزوار، وسيتم العمل قريبا على إعداد الدراسات والمخططات اللازمة لذلك.
من الجدير بالذكر أن شواطئ البحر الميت المفتوحة تعد كنزا طبيعيا فريدا ينتظر التأهيل والتطوير الأمثل، في حين يبقى الأمل معقودا على تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لتحويل هذه الشواطئ إلى وجهات سياحية نموذجية، تستقطب الزوار وتحافظ على جمال وسحر هذه الوجهة السياحية الفريدة.