الحناوي يكتب : الأردن لا يكتب مواقفه على الشيكات… بل على دفاتر الواجب!

48 ثانية ago
الحناوي يكتب : الأردن لا يكتب مواقفه على الشيكات… بل على دفاتر الواجب!

كتب الدكتور علي الحناوي

في زمنٍ تُغلق فيه القلوب قبل المعابر، وتُخنق فيه صرخة غزة بين جدران الصمت والمصالح، لا بد أن تبقى يدٌ واحدة لا تُصافح العار، ولا تُقايض النخوة بحفنة تصريحات، ولا تساوم على دمٍ يسيل خلف الأسلاك.

هناك، في سماء غزة، لا يُسمع ضجيج الإعلام، ولا يهم الغزّي من يصرّح ومن يغرد ،ما يهمه فقط هو مشهد المظلّات التي تهبط من علياء الوجع، تتدلى منها جرعة حياة،ويُرفرف فوقها علم يعرفه جيداً، كما يعرف وجه الشمس عند كل صباح: إنه علم الأردن.

لكن، في زوايا الظلال، لا يكف البعض عن تشويه الضوء؛ خرجت الأقلام المسمومة لتتقيأ:
“الأردن يُسقِط المساعدات مقابل المال!”
يا لسذاجة الافتراء!
كيف يُشترى موقف كُتب بالتاريخ والرجال والكرامة؟!

الأردن لا يكتب مواقفه على الشيكات، بل على دفاتر الواجب.
ومنذ أن دقّ الخطر أبواب غزة، لم تنتظر الأردن ضوءًا أخضر من أحد، ولم تسأل من سيدفع ثمن الطائرة التي تحلق فوق الموت لتُلقي شيئاً من الرحمة.

لم تكن يوماً المساعدات الأردنية مشهداً أمام الكاميرات، بل كانت خُلُقاً نابعاً من نخوةٍ لا تفهم لغة البيع والشراء، ومن شيمٍ لا تتلون.

أما أولئك الذين يرون كل فعل شريف صفقةً، فلأنهم لا يرون في هذا العالم إلا أنفسهم؛ مزوّري المواقف، تُجار الشعارات، وعبدة التمويل.

وإن كانت ألسنة الظن السوء تتطاول على الأردن، فلتسأل نفسها أولاً:
أين كانت حين ضاقت على غزة الأرض والسماء؟
كم طائرة أرسلوا؟ كم جريحاً ضمدوا؟ كم أُماً أنقذوا من لوعة الفقد؟
إنه لأمرٌ مضحك مبكٍ، أن يتطاول من لم يقدم سوى الصمت، على من كان دمه أول الواصلين، وفعله آخر ما يغادر!

فالتكفوا عن رمي الطاهر بطين أوهامكم فالأردن ليس مضطراً لشرح نخوته لمن لم يعرف معنى الفزعة يوماً،
ولا معاني الشرف في زمن الغبار الإعلامي الرخيص!

الأردن لا يبرر الخير، ولا ينتظر التصفيق
يكفيه أن يرى مظلة تهبط، وأُماً تنجو من وجع، وطفلاً يُمسك بخيط الأمل، وجريحاً يُسعَف له النبض.

نحن لسنا دولة تمر فوق سماء غزة فقط ؛نحن وجعها العميق، وسندها الأخير، وعصبها الحي في زمن التخلي.